رأي

سليمان مسار يكتب: علي يعقوب كان رجل أمة 

ارتقت روحه الطاهرة إلى بارئها يوم أمس الجمعة الموافق 14/ يونيو/ 2024م، بالفاشر، إلى الرفيق الأعلى، رجل قل أن يجود الزمان بمثله، أتى إلى هذه الدنيا في صمت ورحل عنها في صمت، كان رجلًا فريدًا في كل شيء، له من الصفات الحميدة ما ترفعه إلى مصاف الرجال الصالحين، والقادة القلائل، ويمتاز بدماثة الخلق والنبل والشجاعة وعفة اليد ونكران الذات. 

وقد سخره الله سبحانه وتعالى لقضاء حوائج الناس وخاصة لمجتمعه بمدينة زالنجى وضواحيها وأنا شاهد عصر على ذلك.. فجعنا أمس برحيله المر وقد إنهمر الدمع السخين بكل بقاع الوطن، وتحديدًا بأقاصي وفيافي دارفور، وعلى وجه التحديد حاضرة ولاية وسط دارفور(زالنجى).

كان الشهيد رجل أمة بحق وحقيقة، كيف لا وقد كان كريمًا مضيافًا ورجل قبيلة عرفته مجالس الجوديات في الحل والعقد، بقدر ما عرفته ساحات الوغى والاستبسال. وللذين لا يعرفون الشهيد اللواء -وأنا أحبذ أن أناديه بالشيخ على يعقوب لأن  الكل يناديه  هناك بهذا الاسم-، فهو يمتلك من الكياسة والحصافة ورجاحة العقل قل ما يجود الزمان بمثله. وعند نشوب النزاعات والصراعات بالولاية وتحديدًا بين الرعاة والمزارعين، وكان الكل يعرف من وراء تلك الصراعات، كعادته ينبري الشيخ علي يعقوب لتلك الصراعات ويسعى سعيه الحثيث لحلها. وهذا الشيخ المقدام  كان له القدح المعلى في استتباب الأمن بالولاية بفضل الله وبفضله. 

وقد كانت للشيخ محكمة أهلية بدامرته، ويعمل بها بنفسه، وتتوافد إليها جميع المجتمعات، وذلك لا لشيء إلا عدله وإنصافه وإحقاقه الحق. وعندما صدر أمر بحل المحاكم الأهلية بالولاية لم يقف الشيخ مكتوف الأيدي بل كان يذهب بنفسه إلى القرى والحلال لحل المشاكل هناك. وللعلم فإن الشيخ علي يعقوب كما يحلو لأهل منطقته مناداته، كان رجلًا وقورًا وذو خلق ودين وقد شهد بذلك الأعداء قبل الأصدقاء. ما ذكرته يمثل القليل من جهد هذا الرجل الأمة على مستوى الولاية الذي هو قائد فرقتها بعد التحرير من شرذمة وفلول الكيزان. 

وكان للشهيد دورًا ملموسًا عند تحرير فرقة ولاية جنوب دارفور -نيالا- ومن ثم شد رحاله إلى ولاية شرق دارفور الضعين، وهذا إن دل إنما يدل على حنكته وخبرته العسكرية، ومنها توجه إلى محلية مليط بشمال دارفور وقد دانت له وحررها من ربقة تلكم الفئة الباغية. وقد نجح بتلك الموارد البسيطة في فرض الاستقرار والأمن بالولاية، ولو كان الشهيد يركن إلى دعة الحياة ورغدها لبقى بين أهله  وعشيرته وجنوده  بالولاية ويتابع فقط سير المعارك من هناك. 

ولكن هذا الفارس لم يركن لذلك، بل إمتطى صهوة جواده واستل سيفه لخوض غمرات تلك الحروب بالفاشر. وكلنا نعلم أن القائد المغوار والمقدام لا بد له أن يتقدم صفوف المعارك ولا يركن خلف الجنود، وهذا لعمري ينطبق تمامًا على الشهيد اللواء علي يعقوب. وقد استشهد الفارس المقدام في معركة لا خيار فيها: إما أن نكون أو لا نكون. لذا عليكم أيها الأشاوس الأبطال التريث والسير بخطى كما هو المعهود والمعروف لديكم، وعلينا التحلي بالصبر والشجاعة ونؤمن بالقدر خيره وشره، فمؤسسة الدعم السريع هي مسيرة كبرى تضم في جنبيها كل الأجيال، ولها وجود كبير بالبلاد وقد حافظت على هذه المسيرة بانتصار وثبات قادتها وتقدمهم الصفوف في كل المعارك. 

 ما حدث هو نوع من المجازفة والمخاطرة، ولكن هذا قدر الرجال الشجعان الأفذاذ، وشيخ علي يعقوب قد كان لها ولن يكون آخر الركب بالمسيرة، بل ستأتي أرتال وأفواج من بعده لتكملتها عبر مشوار طويل  وتضحيات جثام. 

نعم، رحل الشيخ الشهيد وترجل عن صهوة جواده، ولكن سيفه البتار لا زال فوق رؤوس هؤلاء الرعاع الجبناء الذين هزمهم في ميادين القتال. وكأنى بى أسمع نداء الشهيد الشيخ علي يعقوب في عليائه إلى شباب وشيوخ الدعم السريع أحملوا هذه الراية ولا تدعوها للأنواء والعواصف. 

ألا رحم الله الشيخ الوقور والفارس المقدام والمغوار. 

إلى الشهيد على يعقوب فى عليائه طبت حيًا وميتًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى