رأي

عثمان عجبين يكتب: مقاربة الحرب والديمقراطية 

في السياقات الإيجابية، تؤدي الحرب إلى تحقيق السلام الدائم، مما يسمح بتأسيس نظم ديمقراطية أكثر استقرارًا. ويتطلب ذلك عادةً جهودًا شاملة لإعادة الإعمار السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعد انتهاء الصراع.

يعتقد الأفندي السوداني بأن حرب الدعم السريع طالما هي تزعم نشدان الديمقراطية؛ فيجب أن تتمتع بصفات ذات طبيعة ديمقراطية/ إنسانية، مثل تجنب الانتهاكات على سبيل المثال، هذا التصور الحالم عن الحرب، يجعلك تشك في فهم الأفندي للديمقراطية نفسها. فالأفندي يريد حربًا سلمية الطابع، حربًا ليست شرًا، وإنما كلها خير، بإختصار هو يريد إعادة تعريف الحرب بالكامل. إن تعريف الحرب كما هو معلوم: هي  صراع مسلح بين دولتين أو مجموعتين، يتضمن استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف معينة. 

يمكن أن تكون هذه الأهداف سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، وغالبًا ما تشمل السيطرة على الأراضي، الموارد، أو النفوذ. وطالما الأمر كذلك؛ فالأفندي يعيش على تأويل -وليس تفسير- للحرب مجافي للواقع تمامًا. إن القيم الديمقراطية في زمن الحرب -بطبيعة الحال- تتعرض للاختبار، على سبيل المثال قد يتم التضحية بحرية التعبير أو حقوق الإنسان في سبيل الأمن القومي، كما تفعل حكومة بورتسودان الآن عبر قانون الوجوه الغريبة كمثال. وهنا يُطرح سؤال: لماذا يظن الأفندي أن الحرب في شقها الأفندوي (حربه هو) ستنتج ديمقراطية، بينما حرب الدعم السريع ستنتج دكتاتورية؟ ها هي دولة 56 تحارب وتصادر الحريات، فلماذا يُطلب من الدعم السريع مراعاة الحريات و تجنب الإنتهاكات؟

لكن دعونا نطرح السؤال الهام: هل تصلح الحرب كوسيلة لتحقيق الديمقراطية؟ بمعنى، هل النقيض يقود للنقيض؟ هل سينسلخ من الشر خيرًا؟ هل ستنتج الحرب ديمقراطية بغض النظر عن القضية موضوع الحرب؟ الإجابة على هذا السؤال هي نعم ولا في نفس الوقت، ما يحدد النتيجة هو “السياق الاجتماعي/ السياسي” والذي من الممكن أن يجعل الحرب تؤدي إلى الفوضى أيضًا.

في السياقات الإيجابية، تؤدي الحرب إلى تحقيق السلام الدائم، مما يسمح بتأسيس نظم ديمقراطية أكثر استقرارًا. ويتطلب ذلك عادةً جهودًا شاملة لإعادة الإعمار السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعد انتهاء الصراع. أما في السياقات السلبية، في الدول التي تعيش صراعات داخلية، قد تكون عملية الانتقال نحو الديمقراطية أكثر تعقيدًا. قد تظهر توترات عرقية أو طائفية تكون عائقًا أمام تشكيل حكومة تمثّل جميع أطياف المجتمع.

إن الحرب تحدث تأثيرات سياسية واجتماعية كبيرة على مستوى النظام الاجتماعي والدولة من بينها:

  • التغيرات الاجتماعية (تغيير الهياكل الأسرية، التهجير والنزوح).
  • التغيرات الاقتصادية (تدمير البنى التحتية، فرص عمل جديدة). 
  •  التغيرات السياسية (تغيير نظام “دولة 56 “، زيادة الوعي السياسي بشكل واسع).
  • التغيرات الثقافية (تعزيز أو تقسيم الشعور بالهوية القومية/ الإنتاج الفني والأدبي بعد الحرب).
  • التغيرات النفسية ( الصدمات النفسية / انعدام الثقة).
  • التغيرات البيئية (تدهور البيئة).

تأثيرات الحرب المذكورة آنفا كفيلة بأن تخلق سودانًا مختلفًا عما كان عليه قبل الحرب، فلنعد إلى السؤال، هل الحرب ستفضي إلى ديمقراطية؟ إن وضعنا في الاعتبار التغيرات الكبيرة التي ستحدث على شخصية السوداني،  فالإجابة نعم، حسنًا، نحتاج أن نتحدث قليلًا عن السياق، فـ”نعم” هذه تحتاج إلى تأسيس. 

جرت الحرب الحالية -منذ بدايتها- في سياق عنصري، حيث تم استخدام أوصاف عنصرية استعلائية محضة. لكن بمرور الأيام تراجعت النبرة العنصرية، وانحصرت في فئات بعينها، وبرز سياق جديد سمته البارزة “الكذب” بشأن تحقيق انتصارات ضد الدعم السريع. هذا السياق يمكن تسميته بـ “التكافؤ”، لأن عقلية الأفندية بدأت تنحو نحو الواقعية أكثر؛ فصاروا يفكرون في تأليف انتصارات بدلًا عن إطلاق أوصاف عنصرية (انتصارات وهمية في مقابل انتصارات حقيقية)، يعد هذا تقدمًا فرضته انتصارات الدعم السريع. في مرحلة لاحقة، حتى الانتصارات الخيالية أصبحت غير ذات جدوى؛ فبدأ السياق يتحرك باتجاه السلام والتفاوض، في هذه اللحظة يمكن أن نقول بأن الحرب ستفضي إلى الديمقراطية، لأننا ببساطة انتقلنا من الرغبة في “الاجتثاث” إلى التصالح، وهذا ما كان ليحدث لولا الحرب.

وفي السياق نفسه، فإن ثورة ديسمبر المجيدة لعبت دورًا محوريًا في كونها شكلت حصانة ضد تمزق المجتمع السوداني إلى حد كبير، وإذا كان هناك من إحتمال لانفراط عقد المجتمع السوداني، لكان حدث في سنوات الثورة. وبالتالي فإن ثورة ديسمبر بهذا المعنى، هي بمثابة لحن جماعي بعيد لكنه مسموع في خلفية الحرب الدائرة اليوم. 

الحرب من وجهة النظر هذه، مفضية إلى الديمقراطية، والانتهاكات ستفضي إلى صون الحقوق وفقًا لقاعدة “الضد بالضد يعرف”. ومما يزيد احتمالية استشراف مستقبل أفضل بعد الحرب -بجانب الحرب نفسها- هو نوعية كادر الدعم السريع، أعتقد بأن الحصانة الثانية بعد حصانة ثورة ديسمبر هي أن الدعم السريع قوة غير مؤدلجة، وهذا يعني أنها قوة منفتحة غير مثقلة بتركة الماضي وستذهب إلى المستقبل بذهن مفتوح. 

ستكون المشكلة التي تواجه مستقبل الديمقراطية في بلادنا هي الأفندية أنفسهم وليس تبعات الحرب. إن الأفندي السوداني أحادي التفكير، ومثقل بأيديولوجيا جامدة، وليس حرًا في تفكيره ولا رغبة له في التغيير، لأن التغيير يخيفه و يهدد امتيازاته التاريخية. بهذا المعنى، هو شخص غير مؤهل للحديث عن الديمقراطية وهو الذي عاش طوال حياته تحت النظم الديكتاتورية التي أنتجها بنفسه منذ خروج المستعمر. ستمر باذن الله الديمقراطية مرور الكرام من بين أنياب الحرب والأفندية، فالأفندي الذي يسأل اليوم، وباستمرار ذاك السؤال الساخر: “هسي ديل ناس بجيبو ديمقراطية؟” ويقصد الدعم السريع، عليه أن يسأل نفسه، هل جلب طوال تاريخه إلى بلادنا سوى الحرب؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى