رأي

منتصر إبراهيم يكتب: تحديات بناء النظام السياسي الجديد في السودان (1)

منتصر إبراهيم

مع التقليل بقدر الإمكان من الاستغراق في مقدمات نظرية حول إشكاليات بناء النظام السياسي القديم في السودان ، فإننا نقرر الدخول في حوار حول تحديات بناء النظام السياسي الجديد ؛ لكون أن انطلاق أول طلقة في حرب ١٥ابريل ، كانت إيذانا ببداية حقبة جديدة حول جدل بناء الدولة الوطنية في السودان ؛ والتي كانت تدور في فلك الحروب والصراع حول السلطة ، نجحت فيها القوى المهيمنة على تركة ما بعد الاستعمار في المحافظة على قبضتها على السلطة ، وبشروط معيقة لبناء الدولة الوطنية ( جوهر الأزمة ) ؛ وقد وصلت هذه الأزمة ذروتها بتحلل عناصر بنية دولة ما بعد الاستعمار ؛ وكانت اقوى هذه العناصر ممثلة في القوات المسلحة ، التي تحتضن مصالح طبقية استعصت على المساومة بادعاءات زائفة ، زاعمه أنها مركز القرار الوطني ؛ وذلك في سياق الجدل حول هيكلة مؤسسات الدولة الضرورية في سياق الانتقال والتحول الديمقراطي في السودان .

النقاش الضروري حول موضوع الانتقال والتحول الديمقراطي في السودان ، لابد أنه كان ظاهراً لعيان المراقبين والفاعلين ، أنها كانت تصدم بصخرة هيكلة مؤسسات الدولة ، ومنها القطاع العسكري بطبيعة الحال ؛ لذلك كانت الممانعة حول إثارة هذا الموضوع وتفاصيله ؛ أصبح حتمياً أن يقود إلى اندلاع حرب حقيقية ، لطالما ظلت قوى الهيمنة من الاستجابة لمقتضيات اتفاقات السلام في البنود المعنية بانفاذ الترتيبات الأمنية ، والتي كانت في الأساس يجب أن تكون معرفة بصورة واضحة أنها تعني هيكلة القطاع العسكري بشكل كامل ؛ والذي كان سيوفر الإطار الموضوعي لبناء مؤسسات عسكرية وقطاع بيروقراطي ينسجم مع إتجاه التغيير السياسي والانتقال في السودان ، لذلك فإن حرب ١٥ أبريل يقتضي أن يعيد تعريف الأزمة ، ومطلوبات حلها بالشكل الذي يمنع تفاعل عناصر الازمة القديمة لتظهر في ثوب جديد ، وهو ما سنطلق عليه مشروع بناء النظام السياسي الجديد في السودان .
يتشكل النظام السياسي الجديد على ركام النظام السابق الذي انتهى بحرب ١٥ أكتوبر كما اسلفت ، والذي كان يمثل فيه القوات المسلحة آخر أركانه .وكان ذلك النظام يتكون من ثلاثة ركائز أساسية مكونة لأولغارشية مهيمنة بشكل كامل على الدولة سياسياً واقتصادياً :

١_ القوى السياسية المتكونة في حقبة الإستعمار ، والتي تولت إدارة شأن الدولة بعد خروج الإستعمار ؛ ممثلاً في الطائفتين الكبيرتين _ الختمية والأنصار ، وقد تحللت هذه القوى بعامل التعاقب التاريخي ونتاج التدافع السياسي الذي أخذ أشكال مختلفة من ثورات وحروب ، وكان آخرها ثورة ديسمبر ٢٠١٨ التي ابرزت حضور أجيال جديدة ، واطروحات سياسية واشواق تكشف عن تطلعات الدخول في حقبة جديدة . وبتحلل القوى السياسية لدولة ما بعد الاستعمار ، أصبح واقع تأسيس نظام سياسي جديد أمر واقع ، يتطلب التكامل مع عناصر اخرى لبناء الدولة الوطنية في السودان .

٢_ العنصر الثاني في مكونات دولة ما بعد الاستعمار ، يتمثل في الجهاز البيروقراطي للدولة ؛ والذي كان يجسد الطبيعة الاستعمارية في علاقاته واخلاقياته ؛ حيث تحلل بعامل عدم التحديث ، وبسبب الفساد الظاهرة السياسية الأبرز لنظام الإنقاذ طوال الثلاثين عاماً الماضية ؛ وقد سقط النظام عبر الثورة بسببه ، ووقف عقبة أمام تشكل النظام السياسي بعد الثورة حيث كانت تمثل قلعة ممانعة ضد التغيير والانتقال .

٣_ العنصر الأخير لدولة ما بعد الاستعمار ، يتمثل في القوات المسلحة الذي بزل جهود مستميتة لإعاقة الانتقال بكافة الأشكال ؛ ويتمثل ممانعته في احتضانه للقوى المعيقة للانتقال وعبر حماية الفساد بالسيطرة على الجهاز البيروقراطي ، وقد كانت قضايا إدارة عملية الإصلاح الاقتصادي من ابرز قضايا صراعها في الفترة الانتقالية ؛ وكانت موضوع شركات الجيش هي العنوان المتداول بكثافة في هذا الإطار ؛ حيث يوضح طبيعة مصالح طبقة الضباط المسيطرة على الدولة واتجاه التطور السياسي ، إلي أن وصل إلى هذه المرحلة من المواجهة المسلحة بسبب الانسداد في قدرتها على المساومة على مجموعة المصالح المهددة لوجود النظام السياسي السابق المعيب ؛ فكانت الحرب هي النتيجة الحتمية لتعقُد البناء الطبقي ( لمؤسسة ضباط الجيش) .

إذن من خلال تحليل طبيعة بنية دولة ما بعد الاستعمار ، الذي اصطلح عليه مؤخراً بدولة ٥٦ ؛ نجد أنه فقد إمكانية استمراره ، ويمكن وصفه بالتحلل الذي فقد إمكانية التفاعل العكسي لتجديد نفسه كنتيحة حتمية . إذن فأننا اصبحنا الآن أمام تحدي بناء نظام سياسي جديد.

فماهي تحديات بناء النظام السياسي الجديد . أولا هناك اتفاق عام حول وجهة تأسيس الدولة الوطنية في السودان ، عبر آخر محطات التدافع السوداني ممثلاً في شعارات ثورة ديسمبر كمبادئ تأسيسية ، يقوم عليها النظام السياسي الذي ينشده السودانيين : الحرية والسلام والعدالة .

يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى