رأي

يعقوب عبد الكريم نورين يكتب: مطلوبات الدعم السريع التعجيزية

أعتقد أن مطلوبات الدعم السريع لبناء الدولة السودانية تعتبر تعجيزية مع أنها سهلة التطبيق والتنفيذ! ما هذا التناقض كيف تكون تعجيزية وسهلة في نفس الوقت، أرجو أن يتسع صدر القارئ حتى أوضح له علاقة هذا التناقض.

إن ما قدمه الدعم السريع  فيما يتعلق بالرؤية السياسية  والإصلاح الأمني والعسكري كان ممكناً وتنفيذه كان أسهل من الحرب بمئات المرات من كل النواحي الفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، كان يمكن أن يتم تنفيذ تلك المطلوبات حتى ينصلح حال الوطن بدون حروب وإراقة للدماء التي كنا ندخرها للدفاع عن الوطن من المهددات الخارجية وحفظ الحدود وردع المعتدين. ولكن أتعلمون لماذا كانت مطلوبات الدعم السريع تعجيزية لأنها جاءت من خارج صندوق الدولة العميقة ويدها الباطشة وهي الجيش، وجاءت دون أن تمر بتجمعات النخبة المسيطرة على السودان منذ ما قبل الإستقلال، لأن نظرة أولئك النفر هي أن كل شيء يجب أن يأتي منهم وعبرهم وإلا فإنه الكفر البواح والتعدي السافر على العقول السوبر التي ترى أنها هي الوحيدة القادرة على تقديم ما لم يستطعه الأوائل. فهي التي تضع الخطط والبرامج المستقبلية وفقاً لنظرتها الضيقة التي تري أن يصب كل الطحين في مواعينها وهي التي توزعه كيفما تشاء ووقتما تشاء ولمن تشاء.

إن مطلوبات الدعم السريع في بناء الوطن تعجيزية لأنها ألغت دور تلك النخبة المسيطرة سياسياً واقتصادياً واجتماعيا وقدمت طرحا يشتاق لسماعه الشعب السوداني بأن يعيش في سلام ووئام دون حروب ودون تعالي طبقي وعنصرية عفى عليها الزمن، وحتى العنصريون أنفسهم يتظاهرون بالقومية والوطنية أمام الناس ولكنهم يمارسونها سرا، إذا لماذا لا نجتمع على مرتكزات بناء الوطن الواحد الذي يساوي بيننا في الحقوق والواجبات؟ إن الأسباب التي تمنع ذلك هي الصلات الوطيدة بين الفساد الاقتصادي والسياسي والقانوني، فقد تم تغييب القانون في السودان مع سبق الإصرار والترصد لذلك انتشرت المحسوبية والشلليات، غُيّب القانون لأنه يمنع التعدي على حقوق الآخرين. وبغياب القانون كانت البيئة الفاسدة مهيأة للتمدد وابتلاع كل من يقف في طريقها، وغياب الرؤية السياسية التي تستوعب تنوع السودان وأهله جعل فئات قليلة العدد وضعيفة الطرح تشكل داءً سرطانياً ينهش جسد السودان المنهك أصلا بالحروب والفتن فضاع السودان بين أطماع الساسة وفساد الجيش. 

لماذا دائماً المسافة بيننا صفراً؟  لأننا صدقنا بعض ما قاله الشعراء (نحنا أولاد بلد نقعد نقوم على كيفنا، ونحنا الفوق رقاب الناس مجرب سيفنا) ولم يقل أو يحكي لنا أحد من هم أولئك الذين جربت فوق رقابهم تلك السيوف. لماذا دائماً قاعدة تعاطينا مع الأمور وفقاً للمثل الذي يقول (يا تشربي يا أكسر فرنك). كما قال كباشي (يا سودان بفهمنا أو لا سودان)، أو قول أنس عمر ( ما في أرجل من الحركة الإسلامية). لماذا في كل الأحوال هنالك من يملك الحق المطلق يمنح ويمنع حسب هواه وليس حسب المصلحة العليا، ثم ثانياً من أين استمد هذا الحق وهذا الجبروت؟ 

إن بناء الوطن على أسس العدل والسلام والحرية والديمقراطية والحكم الفيدرالي الذي يعطي كل ذي حق حقه هو المخرج الوحيد. وما زلت أظن أن ما جاء به الدعم السريع في رؤيته لبناء الدولة السودانية الجديدة وجد القبول عند العامة وعند حركات التحرر الوطنية، ولكنه قوبل بالرفض من أولئك الذين يصفون أنفسهم بأنهم أهل الحل والعقد في السودان، لأن هذا الطرح وهذه الرؤية قدمها قائد قوات الدعم السريع الذي كان حريصاً على مصلحة الوطن والمواطنين، ومن هنا جن جنون النخبة كيف لهذا العربي أن يقدم هذا الطرح وأني له، وحالهم تصفه غطرسة قريش في قوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الآية 31 الزخرف). ونسوا أو تناسوا أن هذا الكون وهذه الحياة عند مليك مقتدر، عليم، حليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى