مع اعتبار الاختلالات الهيكلية للاقتصاد السوداني والضعف البنيوي للأنظمة المالية والنقدية قبل الحرب وعدم اندماجها مع اقتصاديات الدول المتقدمة بفعل العزلة الدولية وقانون الإرهاب الذي فرض عقوبات اقتصادية على السودان لأكثر من ثلاثة عقود طيلة عهد الإنقاذ التي قايضت وجودها بافتعال حروب وصراعات إقليمية ومحلية انتهت بفصل الجنوب الذي كان أكبر مخزون للبترول ومعول للموارد الاقتصادية الزراعية الهامة كالثروة الحيوانية والغابية.
وعلى الرغم من محاولة حكومة حمدوك بعد الثورة وضع السودان في (التراك Track) الصحيح للاقتصاد برفع العقوبات الاقتصادية ومحاربة الفساد والاجتهاد في إعادة التوازن الاقتصادي وسعر الصرف وربط المؤسسات المالية والنقدية السودانية بالمؤسسات الدولية؛ إلا أن انقلاب 25 أكتوبر كان الترس الذي حطم كل آمال الشعب السوداني، ونتجت عنه حرب 15 أبريل التي ساهمت في دمار شامل للبنيات التحتية المهترئة بالأساس.
وعليه، عندما نتحدث عن الاقتصاد وانهيار العملة لا بد من أخذ المعطيات السابقة، بالإضافة للحرب الحالية التي تعتبر من أكبر أسباب الانهيار الاقتصادي، وذلك لانعدام الأمن الذي أدى إلى هروب المستثمرين، وتحويل رؤوس الأموال للخارج، ما أدى لانخفاض العملة المحلية مقابل الدولار. وسيؤدي ذلك إلى انهيار مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش السوداني الذي ظل محتكرًا 80% من ميزانية الدولة لعقود، تدار خارج الحلقة الاقتصادية المعهودة ولم تنعكس على جنوده أو السودان بمنافع أو وفورات اقتصادية، مما تسبب في بؤس الحياة بالنسبة للمواطن السوداني.
رغم أن انهيار العملة السودانية كان قبل الحرب، حيث كان الدولار يساوي 63 جنيها سودانيا، ولكنها وصلت لهبوط متسارع بعد الحرب حتى أصبح 185 أي بزيادة 300% خلال سنة.
ولأن هذه الحرب تفردت من دون الحروب السابقة في تاريخ السودان بأنها حرب شاملة اندلعت في عاصمة البلاد، فإن الدمار كان أكثر شمولًا ليس على الإنسان وحده، وإنما على البنية التحتية والاقتصادية والاجتماعية وكل المؤسسات المركزية والشركات، وأضرار كبيرة أخرى شملت قطاع المصارف.
بناء على ذلك، فإن انهيار الجنيه وتلاشي قوته الشرائية شيء طبيعي بعد الحرب التي لم يتبقى في ظلها من إيرادات سوى رسوم جوازات عبور المواطنين الذين هجروا الوطن قسرًا. وما تبقى من السكان أصبح نازحًا غير منتج يتسول في المعسكرات أو القرى النائية.
هذا مع مؤشرات طباعة العملة من قبل جنرالات بورتسودان لمقابلة فاتورة الحرب ودفع أجور الملايش المحاربة، والمستنفرين والحركات التي انضمت لصف الحرب مع الجيش. بالإضافة لشراء الدولار لدفع نفقات العتاد العسكري من مسيرات وذخائر. وهو ما يعرف بالاستدانة دون تغطية التحويلات للخارج وذلك بشراء رجال الأعمال وبعض النافذين في بورتسودان الدولار حفاظا على أموالهم.
أيضًا من أسباب انهيار الجنيه، انعدام أي أفق لوقف الحرب بل والهتاف لها أصبح “وطنية”، والنداء للسلام أصبح “جريمة ضد الوطن” وتوقفت جميع الحياة الإنتاجية والصادرات الأولية عدا إنتاج الملايش وشراء معدات الحرب والذمم حتى وزير المالية لديه ملايش يصرف عليها مع ملايش المستنفرين والبراء.
نعم سينهار الجنيه السوداني وقد يصل إلى 250 في حال لم تقف الحرب، وربما يصبح عملة غير مبرئة للذمة كما هو في حالة زيمبابوي، والأخطر فقدان الوطن نفسه.
لم ينهار الجنينة وحده، بل انهارت قبله الدولة، والأخطر فقدان قيم وأخلاق الشعب السوداني التي وصلت قطع الرؤوس ونبش الأحشاء.
أي جنيه سيصمد أمام كل هذه الأهوال!
حفظ الله السودان