أخبار

الأزمة السياسية، وسباق المبادرات الفردية نحو المزيد من التشظي والانقسام

بقلم – عبدالله رزق
abusimazeh@yahoo.com
وسط الأزمة الصحية الناجمة عن تفاقم حالات (كوفيد-١٩)، تشهد الساحة السياسية، بدورها، حالة من الشد والتوتر، والتي تعود جذورها لإخفاقات الحكومة في تحقيق مطالب وتطلعات المواطنين، سواء المتصلة بتحسين أوضاع المعيشة أو استباب الأمن أو تحقيق العدالة لشهداء الثورة، وقد أصبحت تلك الإخفاقات وقوداً مستداماً لانفجارات مكبوت الغضب والسخط الشعبي.
وحول تلك الإخفاقات أيضاً، انقسمت القوى السياسية، المحسوبة على خندق الثورة، بشأن كيفية التصدي لتلك الإخفاقات ومعالجتها، بين معسكرين: مع، وضد الحكومة. بحسابات مختلفة المقاصد، سواء تعلق الأمر بتحقيق مكاسب مادية مرتبطة بالسلطة، أو معنوية تتصل برهان الشارع.
غير أن الأمر لم يقتصر على المطالبة بإسقاط النظام/الحكم الانتقالي، وإنما تعداه إلى حالة متطرفة من العداء للحزبية والحزبيين، والتعبئة ضد المكون المدني للحكم، دون العسكري.
أفرز الوضع المشار إليه العديد من المبادرات، ورغم انطلاقها من منطلقات معقولة في غالبها، إلا أنها اتخذت مسارات مختلفة، تعمق من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، أزمة الحكم الانتقالي.
فالمبادرات الداعية لإسقاط النظام، أو لتصحيح المسار، أو إصلاح الوضع القائم على مستوى السلطة والمؤسسات السياسية، أو الدعوة لاستقالة المسؤولين، أو تحقيق مطالب محددة بالضغط عبر التصعيد بالتتريس وإغلاق الشوارع، والاعتصام … إلخ، قد تجنبت، ابتداء، الانطلاق من التوافق على مستوى الحد الأدنى بين القوى السياسية، أو غيرها من الفاعلين في شارع الثورة، وتحقيق قدر معقول من الالتفاف الشعبي حول أي مطلب من المطالب المطروحة والمشروعة، ما جعلها تبدو جزئية أو شبه معزولة جماهيرياً، وكأنها تتوخى تحقيق مكاسب خاصة أو بطولات فردية. الأمر الذي حولها، بالتالي، إلى أدوات فرز واستقطاب واستقطاب مضاد وصراع، هو أهم ملامح المشهد السياسي في راهنه.
بدون التوافق الثوري، بالرجوع إلى منصة ٦ أبريل ٢٠١٩، فإنه لا يمكن تحقيق الكثير من الشعارات والتطلعات المطروحة بين قوسي إسقاط النظام وإصلاحه. إن البحث عن أرضيات مشتركة للعمل مع الآخرين، والتوافق على حد أدنى من المطلوبات، ومن التكتيكات، هو أمر مهم لتقدم حركة الجماهير تحت قيادة موحدة، هي بدورها شرط لا غنى عنه، ولابد أن يسبق هذا التوافق مع الآخرين، لا اعتزالهم، طرح أي مشروعات أو مبادرات، مما يحتاجه الوضع الراهن للخروج من الأزمة.
سواء تعلق الأمر بإسقاط النظام، أو العودة لمنصة التأسيس، وما بينهما من تكتيكات ومواقف فردية، فإن الانطلاق من ضرورة إعادة توحيد قوى الثورة، عبر الحوار المثابر والدؤوب، بهدف توحيد الرؤية ومن ثم توحيد الهدف وطرائق بلوغه، هو أمر لا مناص منه، أيضاً.
بخلاف ذلك، فإن تلك المبادرات غير الشعبية، تتحول إلى أدوات لتعميق الخلاف والانقسام، وإلى وسائل لتنشيط الاستقطاب والاستقطاب المضاد، ومن ثم الصراع. وهو ما لا يتسق مع متطلبات الثورة ومقتضياته تقدمها، نحو أهدافها.
* فقد كشفت استقالة الأستاذة عائشة موسى، من مجلس السيادة، حالة التشظي والخلاف، كما تتجلى في أعلى مستويات السلطة الانتقالية، وبين مكوناتها، وحالة التنازع فيما بينها، والتي تتغذى من التقاطعات مع المحاور الإقليمية ومراكز النفوذ الدولي. ويتضح من ردود الأفعال على الاستقالة المسببة، أن السيدة عائشة موسى قد سجلت بطولة سياسية فردية، رغم أن بعض من زملائها، في المجلس، مثل الطاهر حجر، رأى في الموقف هروباً من المسؤولية، لكن لم يتضح بعد أثر تلك الاستقالة على هيكل الحكم وفعاليات.
وقد سبقتها إلى الموقف نفسه الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه التي أصبحت فيما بعد مديرة جامعة الخرطوم، وتثير الاستقالة جملة من التساؤلات، عما إذا كانت السيدة عائشة موسى، قد استنفدت خلال سنتين، تقريباً، من المشاركة، كافة الوسائل المتاحة للإصلاح والتقويم والتصحيح من موقع السلطة، وعما إذا كانت الاستقالة، كموقف فردي، هي الرد المناسب. وعما إذا كان من المناسب، العمل على إقناع بقية أعضاء المجلس لتبني موقف جماعي، لتعظيم الصدى السياسي للاستقالة … إلخ.
* يلاحظ أن هذا النزوع للعمل الفردي قد رافق الإفطار الذي نظمته منظمة أسر الشهداء في ميدان القيادة في ٢٩ رمضان، ما جعل العديد منهم يتبرأ من التوجهات السياسية المعلنة والمضمرة التي انطوى عليها. وقد عجل الحدث الذي انتهى باستشهاد اثنين من شباب الثورة بانفجار ردة فعل حادة في أوساط العسكريين، وتنامي الاتهامات حول استهداف الجيش، والتوجه، ثانية، الوقيعة بين المدنيين والعسكريين.
* يعتبر تتريس شارع الستين، كامتداد لموقف داع للتصعيد، تم التعبير عنه في إفطار منظمة أسر الشهداء، في ٢٩ رمضان، نموذجاً في المبادرات التي تتجاهل أهمية العمل الدؤوب وسط الجماهير لإقناعها بالبرامج والتكتيكات المطلوبة، وزجها لساحة الفعل الثوري، وهو ما عبر عن نفسه، لا في عزلة هذا النشاط الاحتجاجي حسب، وإنما في تحوله لموضوع تنازع بين القائمين على أمر التتريس مع عامة المواطنين، ووضع الجميع في مواجهة الجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى