نيالا: الجماهير
لازال مواطنو مدن ولاية جنوب دارفور، غربي السودان يعيشون في معاناة الفراغ الأمني نتيجة للحرب المندلعة في أقليم دارفور المأزوم منذ العام 2003، وتشكو تلك المدن من انتشار العصابات المسلحة التي تكاثرت كنتيجة مباشرة لذلك للحرب والفراغ الأمني.
وتقع أجزاء كبيرة من الولاية، وخاصة حاضرتها مدينة نيالا تحت وطأة مليشيات مسلحة تعتاش من النهب والسلب وحصاد الأرواح، ورغم السلطات الأمنية الحكومية إلا أنها تقف عاجزة عن مواجهة هذه العصابات المتفلتة والمعدة جيدا.
اتهامات للسلطات باستغلال عصابات النهب
ويتهم مواطنون السلطات باستغلال هذه العصابات في عمليات الاختطاف مقابل فديات باهظة الثمن، وقالوا لـ”الجماهير”، إن السلطات الأمنية تقوم بالتخطيط لعمليات الاختطاف من أجل العائد المادي الذي يفوق أحيانا المليارات من الجنيهات، بينما تقوم هذه العصابات بالتنفيذ بمقابل مادي قليل.
وتقوم هذه العصابات المسلحة بأختطاف وجهاء المدينة وأخذهم كرهينة لتتم مساومة ذويهم على فدية مقابل اطلاق سراحهم.
وفي حدث فريد من نوعه في مدينة نيالا تمكنت السلطات الأمنية بولاية جنوب دارفور الإسبوع الماضي، وسط دهشة المواطنين، من استعادة مختطف من براثن هذه المليشيات يدعى الطيب أبوعبيدة وهو قطب رياضيمعروف في المدينة، ومثار الدهشة أن هذا الإنتصار للسلطات الأمنية يعد من الحالات النادرة، إذ غالبا ما تنتهي حالات الإختطاف بمقتل الضحية على يد خاطفيه من المليشيات المسلحة.
غالبا ما تنتهي حالات الإختطاف بمقتل الضحية على يد خاطفيه
وأختطف محمود وطفليه مساء الخميس الماضي من أمام منزله في مدينة نيالا قبل أن يتم تحريرهم وسط فرحة كبيرة من المواطنين الذين عبروا عن سعادتهم لما وصفوه بالانجاز غير المسبوق للسلطات الأمنية هناك.
وتستهدف ظاهرتا الاختطاف والاغتيال رموز المدينة من التجار وأصحاب المال، وشهدت المدينة كذلك أعمال نهب للمواطنين من قبل عصابات مسلحة تمتطي الدراجات النارية، وعلى الرغم من اختفاء الظاهرة عقب إعلان حالة الطوارئ ومنع التجوال بالدراجات النارية، إلا أن العصابات عادت للظهور مرة أخرى، لتمارس الخطف والاغتيالات، ولايقتصر الأمر على مدينة نيالا، ففي مدينة الفاشر التي تبعد حوالي الـ130 ميلاً منها اختطف مسلحون أمس شاحنة تجارية واحتجزوا 12 تاجراً أطلقوا سراح 10 منهم أمس، وأكد التجار أنهم فقدوا بضائع بقيمة 350 ألف جنيه سوداني في الحادثة إلى جانب تعرضهم للتعذيب من قبل المسلحين.
وفي نوفمبر من العام الماضي خطفت مجموعة مسلحة تمتطي عربة لاندكروز، رجل الأعمال حسون أدم عثمان من داخل سوق نيالا، على الرغم من وجود موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية، الذي كان في زيارة للمدينة من أجل التبشير بمخرجات الحوار الوطني والعملية السياسية في السودان، وتم اقتياد الضحية بعربة مظللة من داخل السوق، ولم يلق القبض على الجناة حتى الآن.
وفي سبتمبر من ذات العام اغتيل العمدة جمال أحمد، أحد دستوري الولاية السابقين برصاص أمام منزله بنيالا، وفي ذات الشهر أُغتيل عز الدين سعد الله المحاسب الحكومي، في مكتبه بعد أن أطلق الجناة عليه وابل من الرصاص بينما كان يقوم بصرف مرتبات محلية الردوم التابعة للمدينة، وفي الحالتين لاذ الجناة بالفرار ولم يلق القبض عليهم من قبل السلطات الأمنية التي اكتفت بالشجب والادانة
الغالي شقيفات: التدهور الأمني ليس معزولاً عن أزمة الإقليم منذ 2003
وفي أوخر ديسمبر من العام الماضي أفرجت مجموعة مسلحة عن الصادق حمدون أحد أكبر رجال الأعمال في نيالا، بعد أن تم اقتياده تحت تهديد السلاح إلى جهة مجهولة وطالب خاطفوه بدفع فدية مالية، و أثار الحادث حفيظة تجار المدينة الذين أغلقوا متاجرهم احتجاجا وأعلنوا الإضراب عن العمل كوسيلة ضغط للسلطات الأمنية حتى تتحرك تجاه تحرير الرهينة.
الحد من ظواهر التفلت الأمني وبروز العصابات بات يشكل هاجس لدى مواطني مدن الولاية، ويرى محمد البدوي الناشط القانوني أن القضاء على هذه الظواهر يتطلب تعديل القوانين بحيث تتوافق مع دستور عام 2005، حتى تتم إعادة هيكلة الأجهزة الشرطية، مشيراُ إلى أن حل المليشيات المسلحة يتطلب حلاً سياسية للأزمة في دارفور.
إلا أن تدهور الوضع الأمني ليس معزولاً عن أزمة إقليم دارفور بشكل عام، وفقاً لما يمضي إليه،الغالي شقيفات، رئيس رابطة إعلاميى دارفور، مشيراً في حديثه لـ”الجماهير”، إلى أن التدهور الأمني في دارفور بدأ منذ إندلاع الحرب هناك، وأن العصبات تشكلت نتيجة للفراغ الأمني، وتعتاش من النهب والسلب والخطف، في ظل ضعف السلطات الأمنية بولايات دارفور.
بيد أن حل الأزمة الأمنية المتفاقمة في جنوب دارفور، ليس بيد السلطات وحدها، حسب ، أدم الفكي محمد، والي الولاية، الذي أكد في مؤتمر صحفي بمقر رئاسة شرطة الولاية الأسبوع الماضي، عقب تحرير المختطف الطبيب ابوعبيدة، إن هنالك تدابير تعد من قبل سلطات الولاية لإنهاء ظاهرة الاختطاف بصورة نهائية والقضاء علي المتفلتين، مطالباً المجتمع بعلب دور ايجابي تجاه تحقيق الاستقرار الامني من خلال الإبلاغ الفوري عن أية ظاهرة تتخل بالامن، وتابع :”حتى لو وضعنا كاميرات مراقب فدور المجتمع هو العامل الأساسي في تحقيق الأمن والطمأنينة”.