الخرطوم : الجماهير
منذ أكثر من عامين وخبر دمج الصحف السودانية التي تربو على الـ30 صحيفة يومية، في 3 مؤسسات ضخمة يسري في الوسط الصحفي سريان الشائعة، فالفكرة على غرائبيتها المتمثلة في طلب الحكومة من مجموعة شركات خاصة أن تندمج في مؤسسة واحدة ، إلا أنها تأكدت في حديث للرئيس عمر البشير، أكد فيه إتجاه الدولة لدمج الصحف السودانية في مؤسسات ضخمة عبر قانون خاص.
إلا أن شيئاً لم يحدث على أرض الواقع منذ تصريح البشير، والذي أعرب في العام الماضي عن إنزعاجه من أداء الصحف الصادرة في الخرطوم، وهو الإنزعاج الذي لم يتوانى وزير الإعلام السوداني عن تأكيده في أكثر من مناسبة.
ولم تقف السلطة مكتوفة الأيدي إزاء إزعاج الصحف لتتخذ إجراءات تفأوتت بين الإغلاق والمصادرة بعد الطباعة وإيقاف صحفيين وكتاب عن الكتابة، دون أن تخطو خطوة في مشوار الدمج الذي يروج له بين الفنية والآخرى.
حسبو محمد عبد الرحمن: خطة تحفيزية لتحويل الصحف لمؤسسات كبيرة
بيد أن الإعلان الرسمي جاء أخيراً، الأسبوع الماضي من رئاسة الجمهورية ممثلة في حسبو محمد عبد الرحمن، نائب الرئيس السوداني، الذي كشف عن خطة لتحفيز الصحف للإندماج في مؤسسات كبيرة، وهو المقترح الذي كشف عنه عبد الرحمن في اجتماع مع أعضاء المجلس الأعلى للصحافة والمطبوعات بحضور وزراء العدل والإعلام ووزير الدولة بالمالية.
ومضى عبد الرحمن كاشفاً عن شروطه التحفيزية، وأشار إلى أن حكومته تدعم الحريات الصحفية المسئولة القائمة على الضوابط المهنية والوطنية والأخلاقية، داعياً الصحافة إلى لعب دور رائد في تعزيز وترسيخ مبادئ الحوار والنأي عن كل ما يؤثر في وحدة وسلامة الوطن.
ماخرج به اجتماع عبد الرحمن هو تحفيز المؤسسات الصحفية القائمة على الإندماج، مع الوضع في الاعتبار أن جميعها شركات خاصة، وليست ملكاً للدولة، وفقاً لما نوه إليه عبد العظيم عوض، الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات.
على الجانب الأخر لايعدو هذا التحفيز للاندماج، سوى كونه محأولة لتحجيم دور الصحف وإحكام الرقابة عليها، وتشريد الصحفيين، حسبما يرى الصحفيون المتخوفون من الخطوة الحكومية التي تعمل على دفع صحف خاصة على الإندماج.
وهي ذات المخاوف التي يؤكدها حسن فاروق، عضو شبكة الصحفيين السودانيين، مشيراً على أن الأمر لايعدو كونه تضييق على الحريات وإحكام السيطرة أكثر على الصحف.
حسن فاروق: المقترح يهدف لتشريد الصحفيين
يقول فاروق، رغم أن الحكومة مسيطرة علي الصحف إلا أنها مرعوبة من بعضها وحتي المحسوبة عليها، وذلك لان القاعدة الصحفية لا توالي الحكومةلذلك تلجأ لسياسة التأديب، ويصف مقترح الدمج بالوضع الخطير وأنه أخر مسمار يدق في نعش الصحافة وأعتبر ذلك بالتشريد وليس دمج.
وعلى الرغم من هذه المخأوف، إلا أن واقع الأمر يقول أن الصحف مؤسسات مساهمة خاصة، وبالتالي لاتملك الدولة أي حق في إلزامها بالدمج أو غيره، حسب ما يؤكد على ذلك الخبير الإعلامي فيصل محمد صالح، مشيراً إلى أن الصحف هي الوحيدة التي بيدها القرار.
فيصل محمد صالح: القوانين الحالية تسمح بصدور المزيد من الصحف
ويرى محمد صالح أن القوانين حتي الان تسمح للمزيد من الصحف بالصدور بصورة شركات فردية ولا يوجد تحديد لعدد الصحف في القانون ، ويؤكد على أن أي إلزام أو فرض لمثل هذه الخطوة يمثل مخالفات للدستور والقانون وانتهاك لحرية الصحافة والاعلام .
ويضيف محمد صالح: “إذا قررت الصحف الاندماج بمحض إرادتها فيمكن أن تتوفر لها فرص أكبر ولكن بشرط أن يكون ذلك طوعا ،والدولة من جانبها اذا أرادت ان تحفز المدمجة فيكون ذلك عبر تسهيلات طباعية أو جمركية من غير إملاءات سياسية، لكن بلا شك أن الدمج سيؤثر علي عمل الصحافيين وان هناك عددا كبيرا سيكون خارج سوق العمل الا اذا تحولت لمؤسسات اعلامية يمكن ان تستوعب الصحافيين “.
تبدو الدوافع من فكرة الدمج غير معروفة حتى الآن، إلا أنها تتناقض مع قيم الديمقراطية والتعددية وفقاً لعبد الله رزق، مدير تحرير صحيفة المجهر السياسي، مشيراً إلى أن تعدد الصحف يعتبر ظاهرة صحية وديمقراطية وثقافية تصب في تعزيز التعددية وليست بالأمر السلبي حتى تلغى.
ويتابع رزق، مشيراً إلى، أن هناك تساؤلات عن طبيعة الدوافع لتمسك الحكومة بالدمج الذي طرح من قبل ووجد معارضة من الصحافيين ، ويشير الي فشل تجربة صحيفتي “الوحدة” و”الاخبار” ويقول:” لم يخلفوا اي اثر إيجابي يقتدي به، الامر الذي يجعل دوافع الحكومة والترويج للدمج محل تساؤل “.
عبد الله رزق: محاولات لتقييد حرية التعبير
القصد من مقترح الدمج، حسب رزق هو تقليل الصحف الأمر له أثار سالبة تتمثل في تقييد الرأي والرأي الاخر لانها ستصبح تعبر عن رأي الحكومة فقط ،كما انها ستعمل علي اخراج العامليين من سوق العمل وتحولهم الي عطالة لأن الذين سيعملون فيها وقتها هم الموالين فقط بجانب أن الدمج سيؤدي لتقليل مواعين حرية التعبير .
كما الصحف عبارة عن شركات محكومة بقانون الشركات فما الذي يجعل الحكومة تقترح ذلك ويزيد أن هذا الأمر يمكن أن يطبقه أصحاب المتاجر من أجل الاستثمار والعمل التجاري ،ويشير إلي هناك صحفاً محسوبة علي الحكومة أو علي الاقل ملاكها محسوبين عليها، وكان يفترض أن تبدأ بدمجها وتعطي مثالاً لنموذج جذاب يقنع الآخرين للاندماج ويعطي مثالاً بوثيقة الدوحة لسلام دارفور والتي تركت مفتوحة للآخريين اذا اقتنعوا بها.
في ذات سياق النموذج المطلوب، يطرح الهندي عز الدين، وهو ناشر وصحفي، محسوب على الحكومة، تساؤلاً مفاده، إذا كانت الدولة لا تدعم الصحف ، بل تأخذ عنها الضرائب والجمارك ورسوم العوائد وأخرى، فما معنى أن تترك مهامها الأساسية وتتفرغ عبر مسئولي إعلامها لطرح أفكار ساذجة بدمج الصحف السياسية كبيرها وصغيرها؟.
إلى هنا ينتهي سؤال عز الدين الذي طرحه على زاويته في أخيرة صحيفة “المجهر السياسي”، التي تصدر في الخرطوم، ليتابع مشيراً إلى أنه لو كانت الدولة تدعم الصحف سنوياً بـجعل من ميزانيتها كما يحدث في دول الخليج العربي، أو لديها أيادٍ بيضاء عليها بإعفاءات ضريبية وجمركية على الورق ومدخلات الطباعة، وإلغاء ضريبة القيمة المضافة على (الإعلان) لأمكن أن نفهم تدخل الدولة في شركاتنا التي نقدم عبرها خدمات مجانية.
محمد وداعة: قرار صعب التنفيذ
مقترح الدمج على الرغم من تكراره مراراً إلا أنه صعب التنفيذ، لأن دمج صحيفتين يعني دمج فكرتين وهنا تكمن الصعوبة بجانب صعوبة التنفيذ علي أرض الواقع، حسب ما يؤكد على ذلك محمد وداعة وهو كاتب صحفي وصاحب مطبعة، يرى أن الأسلم بالنسبة للصحف هو إعادة هيكلتها وليس دمجها، لأن الأخير لن يرفع اقتصاديات الصحف التي تقوم علي مسائل ليس لها علاقة بالدمج.
ويؤكد وداعة أن تكلفة الطباعة لن تتغير في حال تم أي دمج وكذلك المقرات ولكن السؤال هو ، أين يذهب المحررون وبقية العاملين ويشير إلي أن مقترح الدمج به مخاطر تتعلق بتشريد العاملين ولن تكون فيه أي فوائد.