ثقافة

 زكية كردي: أرسم مواساة لذاتي وإعتذاراً لموهبتي

زكية كردي

 

أبحث عن عيون تحملني رسالتها للعالم

 

حوار مصعب شريف

تجمع الفنانة السورية زكية كردي، بين الكتابة بالرمل و حبر الجرائد، فهي التشكيلية والصحفية التي ينهض مشروعها الفني على تجسيد حالات إنسانية ترسم ملامحها بالرمل والألوان في حالة فنية فريدة حيث يشكل الرمل المادة الرئيسية للوحات ضخمة ترصد عبرها الفنانة تفاصيل وملامح ونظرات وأحاسيس متباينة، لتعكس عبر “بورتريهاتها” حالات إنسانية غاية في الدقة عبر وجوه وملامح تحيلك إلى أنحاء متفرقة من العالم، وهي بالإضافة لكونها فنانة تشكيلية، تعمل كردي في الصحافة الورقية، وتكتب السيناريو للدراما، إلا أنها تشير في حوارها مع “الجماهير”، إلى أنها ترسم لتحرر نفسها من الإنتظار وتحاشي الإحباط، مشيرة إلى أنها توظف الصحافة رحلتها للبحث عن التجريب، وتضيف أن هوايتها القديمة في تأمل ملامح الوجه البشري هي التي قادتها لهذا النوع من الرسم

 

 

الصحافة تجدد خلايا الذاكرة وتحفزني للبحث عن الإختلاف

 

 دعينا نتعرف على عوالم زكية كردي مابين الفنون والصحافة والسيناريو؟

في الثمانينات، قبل أن يبدأ عصر الضجيج أتيت إلى الحياة لأعاصر الفرق ربما، كان اليوم سخياً بساعاته الأربع والعشرين، هناك في حارتنا الهادئة، وفي منزلنا المطل على حديقة السرو والصنوبر بدأت حكايتي مع الألوان والورق قبل أن أبلغ الرابعة من العمر، أحببت التمثيل، والكتابة، و انضممت إلى مجموعة كشافة في المرحلة الثانوية، بدأ شغفي بالصحافة يظهر مبكراً أيضاً فنشرت أولى نتاجاتي الصحفية وأنا في الرابعة عشرة، وأيضاً أحببت رياضات مختلفة حينها، باختصار كنت دوماً أملك أكثر من شغف، لهذا لم يكن خياري واضحاً عندما أردت الانتساب إلى الجامعة، كان علم الاجتماع رغبتي الأولى لكونه يجمع علوماً عدة رغبت بدراستها، لكن السر الذي لم يعرفه أهلي حتى، أن رغبتي الثانية – التي سجلتها في ورقة المفاضلة- كانت الفنون الجميلة التي لم أهتم إن كنت قبلت بها أم لا فيما بعد، لأن الكلية كانت في مدينة أخرى، ولم أكن مستعدة بعد للعيش بعيداً عن عائلتي، وقتها طلبت من القدر أن يختار.

 

حزني ممزوج بتحدي أرسمه في لوحاتي

 

 

 لمن ترسمين ولماذا فأنت بالإضافة لكونك صحفية كاتبة سيناريو، هل الكتابة لم تعد كافية برأيك؟

منذ فترة  الجامعة بدأت أفكر في كتابة السيناريو، لكني ولسنوات طويلة كنت أكثر شغفاً بالقراءة، وبالإطلاع على الأفلام، كنت في ثبات التأمل، أكتفي بكتابة الخواطر حيناً، والرسم في بعض الأحيان، إلى أن قررت أن أبدأ الكتابة، فبنيت قصتي وكتبت مسلسلي الأول، وبقيت الأمور عالقة فيما يخص الانتاج فانتقلت إلى الثاني حتى أحرر نفسي من فكرة الانتظار، إلا أن أوضاع الدراما السورية والإنتاج كانت تسوء في هذه الفترة، وفجأة وجدت نفسي أفقد إيماني بأني أرمي هذه البذور في أرض ملائمة، و لأتحاشى الإحباط الذي أصابني لجأت إلى الرسم بعد انقطاع طويل، كنت أجد نفسي في تلك الغرفة الصغيرة التي أسميتها عالمي، كنت أرسم لأواسي نفسي، ولأعتذر لموهبتي أيضاً. 

 

 للصحافة والكتابة عموماً دور كبير في شحذ التجارب الحياتية المختلفة، كيف إنعكست على فنك؟

الصحافة تجسد الجزء الحيوي مني، خاصة أني متخصصة في المنوعات، فهي تبقيني متفاعلة دوماً مع كل ما هو جديد من تجارب فنية، وحياتية، وهذا يجعلني أشعر بأني أعيش في النهر، أجدد خلايا ذاكرتي كل يوم بأفكار وتجارب و وجوه جديدة، وهذا يبقيني دائمة البحث عن الاختلاف بالنسبة للفن الذي سوف أقدمه.

إحدى أعمال كردي

 يعتبر الرمل الخامة الرئيسية لجميع أعمالك لماذا الرمل بالتحديد، وكيف تتعاملين معه ؟

فكرة الرسم بالرمال كانت مصادفة بحتة، جاءت عبر تقرير على التلفزيون لم أشاهده من بدايته حتى، كنت حينها أتحدث مع صديقتي على الهاتف وانتبهت فجأة إلى رجل أفريقي يدهن اللوح الخشبي بالغراء وقد رسم به شكلاً بسيطاً ليرشه بالرمال الملونة، ثم يعلن عن مفاجأته عندما تسقط الرمال، وقتها اختفى صوت صديقتي ولمعت الفكرة في رأسي، رحت أبحث طويلاً عن هذه التقنية ولم أجد إلا معلومات بدائية جداً عن طريقة تلوين الرمال، وعن أسلوب الرسم بها للأطفال، فتحمست أكثر للمغامرة واستكشاف هذا العالم الذي شدني، وهذا أكثر جزء ممتع ومتعب في الأمر. كنت كل يوم أكتشف سراً جديداً عن الرمال التي لطالما أحبتتها، استغرقتني اللوحة الأولى وقتاً طويلاً امتد لبضعة أشهر، وأنا أغير وأستكشف فيها، وبالتدريج صرت أمتلك أدواتي أكثر فأكثر، لكني لم أتخلص من هاجس الاكتشاف، فدائماً تراودني الرغبة لتجربة شكل مختلف.

 

شغوفة بالإكتشاف وأكره القواعد والقوانين

 

 

  معظم أعمالك إن لم يكن جميعها هي عبارة عن بورتريهات لوجوه متنوعة من جميع أرجاء الدنيا وغالبها يحمل ملامحة قاسية يشوبها الحزن، هل يمكن أن نقول بان هذا التصوير لهؤلاء الشخوص وهو زاوية رؤيتك لهم؟ ولماذا جميعهن نساء في لوحاتك؟،و كيف تفسرين رسمك لملامح مختلفة أسيوية عربية، حزينة بجدائل معقوفة وغيرها من التفصيلات المتنوعة، من أين تستمدين هذا التنوع ؟

لطالما أحببت الوجوه وتأملتها بعمق، منذ طفولتي كنت أهوى تأمل ملامح الوجه البشري، وإبداع الخالق في صنع كل هذا الاختلاف والتباين لملايين البشر، وهذا مافرض نفسه عندما بدأت أخطط لمعرضي الأول، فهناك وجوه لم أكن أقاوم رسمها، وكانت الفكرة (رمال – نساء) عنواناً لهذا المعرض، بدأت البحث عن وجوه تطلبني، وعن عيون تحملني رسالتها إلى العالم، حقيقة كانت الصور تختارني ولست أنا التي اخترتها، حتى أني ترددت في أن أقدم نفسي بفن “البورتريه” في البداية بعد أن سمعت بعض الانتقادات من المقربين، حيث رؤوا أن أقدم نفسي بالفن التجريدي الذي أبرع به أيضاً، فالاعتقاد السائد أن “البورتريه” أو الفن التصويري عموماً إبداع محدود بالتقنية أكثر منه فن، لكن الفكرة كانت تتملكني ولم أستطع التحرر منها، يبدو أن تلك النسوة لديهن ما يرغبن بقوله، مع أني كنت دوماً أحرص على أن أعطيهن شيئاً من روحي ومن رؤيتي فلا أهتم كثيراً لأمر النقل.

أعمال كردي تجسد حالات إنسانية متنوعة

 

 وماذا عن الحزن المبثوث في كل تفصيلة من هذه الأعمال؟

قد يكون هذا الحزن عائداً إلى الألم المتعلق بوطني سوريا، والذي اعتدت التعايش معه وتجاهله كل صباح كما هو حال معظم السوريين ، ولعلي استطعت التعبير عنه بوجه المرأة السورية التي استوحيتها من صورة لطفلة في أحد المخيمات، فلم أرغب بأن أرسم وجهاً غير الذي بداخلي في هذه اللوحة، وأيضاً يمكنني القول أن الوجوه التي تختارني نفسها حزينة، وأؤكد أني لست من يختارها، لكن أحب أن ألمح هنا إلى أن من يتأمل اللوحات جيداً ويقرأ القصص في العيون يستطيع أن يلمس هذا التحدي الذي منحته لهن جميعاً دون استثناء، هذا الجزء يتعلق بي ويشبهني، وهو ما أردت إيصاله دوماً، ففي أعماق العتمة ثمة ضوء يحمل قوة التغيير، وهذا ما آمنت به دوماً.

حزن ممزوج بتحدي- لوحة للفنانة زكية كردي

 

  تقيمين في الفترة القادمة أول معارضك الفنية، ما الذي يدفعك للعرض؟

في الحقيقة كنت ما زلت مترددة حتى وقت قريب بخصوص إقامة معرض حالياً، كنت أرغب بأن تختمر تجربتي الفنية بعد انقطاعي الطويل، فعودتي لم تبلغ عامها الثاني بعد، بعد انقطاع دام قرابة الثماني أعوام، إلا أن الأصدقاء والمقربين، وكثير منهم يشتغلون بالفن والتمثيل كانوا يدفعونني بقوة لاتخاذ هذه الخطوة، وهكذا وجدت الجزء المحب للمغامرة بي يستجيب لهذا الصوت ويقرر خوض التجربة.

 هل يمكن أن تعملي على خامات أخرى غير الرمل؟

بالطبع فأنا شغوفة بالاكتشاف، الرسم متعة لا تضاهيها متعة بالنسبة لي، وأكثر ما يجذبني إليه البحث عن تقنيات، أو أساليب لم ترسم بعد، خاصة وأني فنانة ذاتية التعليم، ولا أخفيك أني تهربت دوماً من الالتحاق بدورات الرسم في صغري لأني لم أكن أرغب بداخلي بأن يصبغني أحد بأسلوب ما، أو يجعلني أؤمن باتجاه معين- لطالما كرهت القواعد والقوانين-  كنت أرغب بالاحتفاظ بهذا الجانب المحب للاستكشاف بداخلي، ولطالما أحببت أولئك الفنانين الذين غيروا بمدارس الفن عبر التاريخ، وكانوا ذاتيي التعليم، ومع هذا لست أنكر أني أحب كثيراً الرسم بالألوان الزيتية وأتوق إليه، ربما لاستغراقي بالرمال منذ فترة طويلة.

زكية كردي مع إحدى لوحاتها ضمن مشاركتها في أحد المعارض

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ