رأي

كتب عبدالرحمن الكلس: (حميدتي) وأزمة المثقف السوداني .. ثلاثة ورابعهم خالد التجاني!

بقلم: عبد الرحمن الكلس

كشفت هذه الحرب اللعينة عن أزمة عميقة تضرب المثقفين السودانيين، وأفصحت عن ازدواجية في المعايير لدى نسبة لا يستهان بها ممن يُعرفون بـ (النخبة) وهوانها وضعفها وانفصامها الشخصي والفكري، وهناك أمثلة عديدة لا تحصى ولا تُعد، سنتطرق هنا إلى بعضٍ منها.
وبدءاً بدكتور عشاري أحمد محمود، وهو أحد كبار المأزومين نفسياً وفكرياً، حيث قال في سياق تسجيل صوتي خصصه لمهاجمة وليس (نقد) قوات الدعم السريع – ولا بأس من ذلك أيضاً- ولكن البأس في زيف وخطل ادعاءاته وأكاذيبه على الدعم السريع وعلى قوى الحرية والتغيير كما بعض الشخصيات الوطنية، بما لا يليق لا بشخصٍ يقدّم نفسه مثقفاً وربما (مفكراً) من يدري؟
قال الرجل إفكاً وبهتاناً كعادته، إن الدعم السريع سيدة على (قحت) التي هي خادمة لديه!
بطبيعة الحال، لم يقلها بهذه الطريقة المهذبة اللائقة – أعلاه – بل قالها بأدنى الكلمات انحطاطاً (خدم بس) وبنبرة مثقلة بمرارة ربما صادرة عن طفولة معذبة تبدّت في لحظة ما على كهولته غير الرشيدة، حيث سولت له أحقية لا يأتيها باطلاً من بين يديها ولا من خلفها في الاصطفاف مع “علي كرتي” مجاهداً لنصرة الجيش، واصفًا إياه بأنه لم يرتكب أي جريمة ضد المدنيين أصلًا؛ (ولا جريمة واحدة) هكذا كان يهذي ويبرطم بمفردات وألفاظ كريهة، متوهما أن الشتيمة والمعايرة بالفقر ستجعل من شخصيته المتناثرة والمبعثرة، كياناً إنسانياً ملتئماً، وهيهات.

يشارك (عشاري) في تأييد الجيش عدو قديم له؛ وكما معروف عنه فإن دكتور عبد الله علي إبراهيم لا يتأخر أبداً عن هذا المولد، فنصرة حبيبه “علي عثمان محمد طه” تأتي في المقدمة، وكيف لا وقد نصره عندما كان مستشارا سريًا له أيام انقلاب 30 يونيو 1989.
وعبدالله (متعودة دايماً) ابتلاه الله بحب خفي للاخوان المسلمين يفوق محبته الوهمية المعلنة للأستاذ عبدالخالق محجوب، لذلك يزود عن حياضهم ويخوض حروبهم مواجهاً كل من يخالفهم الرأي، قائلًا إنّ قوى الحرية والتغيير مصابة بلوثة العداء للكيزان، فمن بالله عليكم ليس له غبينة ضد الكيزان سوى (مفنقس) مثله، وعمومًا هذا هو الرجل، وقد ترامى في نهايته على مرمى بدايته!
وعبد الله هذا كان بينه وبين دكتور آخر كُره وتبخيس، وهو الدكتور محمد جلال هاشم، ولكن مليشيا البراء بن مالك وقوات اللواء نصر الدين والكباشي جمعت قلبيهما وقوّت زنديهما.

دع عنك عبد الله الذي اشتغل (محللاً شرعياً) لدى مخدمة المخلوع عمر البشير عندما قرر الترشح ضده (تمويهاً) في إحدى الانتخابات الكيزانية الصورية، مثلما كان يفعل السباح سلطان كيجاب، وتعال إلى الأجوف محمد جلال هاشم، الذي نما خارج الضوء نصف معتوه ومنتفخاً كاملاً، إذ ظل يردد منذ بداية الحرب أن نصرة الجيش واجب مقدس وهزيمة الدعم السريع أولويه مقدمة، وأن الالتفات إلى نواقص الجيش والعمل على معالجتها يرجأ إلى حين هزيمة الدعم السريع وتحيق النصر الكيزاني المؤزّر، وكأنهم سيسمحون له (الفالح) بذلك إذا انتصروا.
يا للرجل من مثال ساطع وأنموذج باهر على خواء وانفصام المثقف، هو ضد الجيش في حرب جنوب كردفان ومعه في حرب العاصمة، وكأن الجيش جيشان وليس واحداً ظل يشن الحرب علي الشعب منذ ثلاثين عامًا، ولكن هاشم لا يرى – وكيف يرى من أعمى الله بصيرته.

هؤلاء ثلاثة، فاجمع عليهم خالد التجاني (يا جرير المجامع)، وقل للناس إن الرجل من الاخوان المسلمين الحداثيين ممن يرتدون القفاز والقناع بينما يمارسون السرقة والنهب فلا يتركون بصمات تدل عليهم من خلال إكثار الحديث عن ضرورة إعادة هيكلة وتحديث الحركة الإسلامية للتعمية وذر الرماد على العيون، لكن سرعان ما يسقط عنه القناع فيبدوا سافراً في هتافه بأن الدعم السريع ليس لها الحق في الحديث عن الأمور السياسية – وكأن الحرب التي يشنها البرهان وكيزانه عليها – ليست سياسية!
قال تيجاني هذا، إنّ الدعم السريع ليست قوة سياسية بل أداة عسكرية، وبالطبع فإن هذا كل ما في جعبة الاخ المسلم للرد على مبادرة حل الأزمة السياسية التي تقدم بها قائد قوات الدعم السريع!

هؤلاء الاربعة ومن معهم هم أصحاب نظرية أن الدعم السريع قوة عنصرية قوامها أجانب أتوا من خارج السودان، التي تبناها العنصري قائد الجيش لاحقًا، وهم بهذا التأليف يهربون من الواقع الذي أسهموا في تسييله، كما يهربون من إعلان موقف سياسي وفكري جاد يمليه ضمير المثقف إزاء ما يحدث، فينزعون إلى التكرار والاجترار والأسئلة الطفولية، كسؤال التيجاني عن مدى معرفة قائد الدعم السريع بالمصطلحات السياسية والفكرية الواردة في رؤيته للحل التي تقدم بها؟ وكأن رئيسه البشير كان يكتب الأفكار والمبادرات لوحدة، وإنه من كتب (الوثبة) عل سبيل المثال لا الحصر؛ بل كأن الرئيس الأمريكي يكتب ما يقوله بنفسه، ولا يمتلك فريقاً من المختصين؟، لكنه البؤس الإسلاموي اللئيم!

قائد الدعم السريع أكد أنّ مشاركته في انقلاب 25 أكتوبر كانت خطأ واعتذر عن ذلك، مضيفاً أنهم تأكدوا أنّ الحكم المدني الديمقراطي هو الأمثل لتحقيق طموحات ومطالب الشعب، وبلا شك فإن هذه رؤية سياسية تستمد قيمتها من الشجاعة التي جعلت قائد الدعم السريع يتخذ موقفاً نقدياً ذاتياً من مشاركته في الانقلاب ويمضي قدماً إلى الأمام في دعم التحول المدني الديمقراطي، هذه قيمة يفتقر إليها كثير من السياسيين والمثقفين، وفي مقدمتهم هؤلاء الأربعة.
خلال الاعوام الماضية توفرت لقيادة الدعم السريع تجارب سياسية ثرة؛ بالتفاعل اليومي المباشر مع العديد من القيادات السياسية والمدنية و الأهلية؛ مع المنظمات والأحزاب مع العالم الخارجي، رؤساء دول وأمراء وقادة المجتمع الدولي؛ فلماذا لا ينتج عن كل ذلك تجربة سياسية؟
كما أن قائد الدعم السريع أعلن على الملأ والتزم التزاماً قاطعاً بأنه مع رغبة الشعب التي تتمثل في الحكم الديمقراطي وأنه داعم لهذا الاتجاه الشعبي العام.

لكن بالنسبة للتيجاني فإن السياسة هي ما انتهي إلى معرفتها وممارستها هو وجماعته الإخوانية فقط، بينما التجارب الأخرى محض ترهات لا قيمة لها لذلك ينبغي حرقها وإبادتها .

تبدأ رحلة هذه الشخصيات بالنضال ضد الديكتاتورية وتنتهي بالانحياز للاستبداد، مستغلة مواقف معقولة لها في أوقات سابقة من خلال دعمها للحرية مثلاً، أو تأليفها لكتب أو أوراق، ترفعها مصاحف على أسنة رماح الحرب وتمن بها على الشعب السوداني إن لم تخذ موقفاً مماثلاً لمواقفها – فيا للبؤسِ والتُعسِ.

إن تجربة الدعم السريع تتطلب من المثقفين موقف نقدي عملي ومحايد إزائها، موقف ناقد وشارح ومصوّب وناصح ومرشد، عوضاَ الخفة البليدة والعنجهية الغبية والإفتراء المقيت الذي صدر عن هؤلاء الأربعة ومن لف لفهم.
ونختم بالمتنبئ لعلهم يرشدون:
“وَهَل يَنفَعُ الجَيشُ الكَثيرُ اِلتِفافُهُ عَلى غَيرِ مَنصورٍ وَغَيرِ مُعانِ”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى