رأي

أرباب أحمد أبوكيف يكتب: المجاعة الحربية والاستثمار الحكومي في المساعدات الإنسانية

دخلت الحرب العبثية الكارثية، التي عصفت بالسودان، في النصف الثاني من عامها الثاني، ولكن يمكن أن يكون راسخًا في أذهان المدنيين ما هي ويلات هذه الحرب، وكم هي الأنفس التي قُتلت والمباني والبنيات التحتية التي دُمرت وكم هي الأسر التي هجرت داخليا وخارج السودان، وكم هم الذين قضوا نحبهم بسبب فقدان الأنسولين وكم عدد الذين قضوا لعدم توفر معينات غسيل الكلى. وتظل في الأذهان الأحزان التي حلت بفقدان الأب والأم والولد والأعزاء من الأهل، وتظل بالأذهان أيضًا صفوف الذين ينتظرون الموت المفاجئ بالدانات أو الكاتيوشا أو بالبراميل الحارقة. ولا يمكن البتة نسيان تحليق الطيران “السوخوي” و”البرقدار” والمسيرات القتالية، وبالطبع تظل أشلاء المدنيين الممزقة نتيجة القصف الجوي والملقاة في الميادين العامة المفتوحة والمكشوفة، كل هذه المشاهد أحداثًا حية ومعاناة معاشة. ولذلك فإن ذلك الواقع السوداني بهذه المعاناة قد قاد إلى مجاعة أو بالكاد أوشكت على الأبواب، وهذه المجاعة هي مجاعة حربية بامتياز للآتي:- 

أولا: أسباب المجاعة الحربية:

1- المجاعة الحالية نتجت ليس لعدم وجود المقومات الغذائية أو لأسباب الندرة، وإنما لأسباب تعود إلى السياسية التي تقوم بها حكومة الأمر الواقع التي علقت كل أعمالها على الحرب. فالحكومة قامت بتحويل بند المرتبات للعاملين في الدولة إلى ميزانية للحرب والدفاع، وبالتالي دخل كل موظفين الدولة في دائرة الفقر والعوز، وصار كل قطاع العاملين في الدولة غير قادر على الوفاء بمتطلبات الحياة المعيشية اليومية، وهؤلاء بلا شك سيكونون ضمن عداد الجوعى السودانيين في قادم الأيام.

2- هناك قطاع عريض من السودانيين يعملون في القطاع الخاص، وهم بلا شك، بعضهم في ولايات الخرطوم ودارفور الكبرى وجنوب وشمال كردفان وغرب كردفان. إن هؤلاء المواطنين سيكونوا أيضًا ضمن أعداد جوعى السودان قريبًا، وذلك لأسباب تتعلق بأن هذه الولايات هي مسارح عمليات قتالية، وبالتالي فإن ظروف الحرب تحول بينهم وممارسة أعمالهم المعيشية تفاديا لسقوط القذائف العشوائية والقصف الجوي الذي تمارسه القوات المسلحة. وبالتالي، فإن المجاعة هنا هي مجاعة حربية بموجبها خرج القطاع الخاص وأصحاب المهن الحرة من دائرة الإنتاج إلى دائرة البطالة الإجبارية المترتبة على العمليات القتالية. 

3- من أسباب المجاعة الحربية أيضًا هو أن الجيش اعتبر طريق (بارا- أم درمان) -وهو طريق حيوي- هدفًا عسكريًا، ومَنع مرور مركبات وشاحنات البضائع المتجهة إلى غرب السودان عبره، الأمر الذي قاد إلى تأزيم الوضع المعاشي ، وأدى إلى المجاعة الواقعة الآن.

ثانيا: التدابير المطلوبة حيال التخفيف من غلواء المجاعة الحربية:

بالنظر إلى الكارثة المجاعية التي خلفتها الآلة العسكرية؛ فإن المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي قد بادر إلى الدفع بكميات كبيرة من المساعدات الإنسانية في شقيها الغذائي والطبي، وذلك لتفادي الكارثة الإنسانية. وقد دخلت كميات كبيرة من هذه المساعدات الإنسانية إلى السودان، ولكن هناك سوء في إدارة ملف المعونات الإنسانية من جانب حكومة الأمر الواقع. ويتمثل ذلك في انعدام الشفافية في التوزيع، والعنصرية في العطاء، والفساد الأخلاقي في التعامل مع هذه المعونات بإخراجها عن أطرها المتبعة. فالمساعدات الإنسانية دخلت الأسواق وصارت سلعة يتم بيعها لتجار الأزمات بواسطة حكومة الولايات التي يتواجد بها النازحون، لذلك فإن هذه السلوكيات أصبحت نهجًا رسميًا صار معززا لإقحام كل النازحين بالولايات المعنية في عداد الجوعى.

ولتفادي المجاعة وتوسيع دائرتها، نحث المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والحقوقية والأمم المتحدة بالضغط على حكومة الأمر الواقع المتواجدة في بورتسودان بتفعيل قرار فتح الممرات الآمنة لوصول المساعدات الإنسانية إلى كل من ولايات دارفور وكردفان الكبرى وبقية الولايات الأخرى . 

أرباب أحمد أبوكيف 

خبير مستقل في حقوق الإنسان والتنمية 

السويد 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى