إبراهيم مطر يكتب: ستة أشهر على حرب أبريل .. تحولات في مسار الصراع
2023-10-16آخر تحديث 2023-10-16
88 3 دقيقةقراءة
منظر جوي للدخان الأسود وألسنة اللهب في سوق في أم درمان، الخرطوم شمال، السودان، 17 مايو 2023 في لقطة الشاشة هذه التي تم الحصول عليها من مقطع فيديو مُوزع. تم الحصول على الفيديو بواسطة رويترز
إبراهيم مطر
بحلول الخامس عشر من أكتوبر، تُكمل حرب (أبريل) شهرها السادس، وسط تعنت كبير من قبل قيادة الجيش المُتحالفة مع فلول النظام البائد، بشأن السعي لإنهاء القتال عن طريق العودة للجلوس لمائدة التفاوض في منبر جدة، الذي اجترحته المبادرة السعودية الأمريكية، بعد أيام من اندلاع المعارك. ومع إن شواهد كثيرة، كانت تشير إلى قصر أمد الحرب باعتبار البدء في إقرار الهدن منذ الأسبوع الأول لاشتعالها، إلا أن تطورات كثيرة حدثت بمرور الزمن، ما أدى إلى تسعيرها وإطالة أمدها، بدخول (الحركة الإسلامية) على الخط بشكل علني، بعد أن كانت تكتفي بلعب الأدوار الخفية.
وزار (البرهان) قائد مليشيا البراء بن مالك علناً أمام كاميرات التصوير، حال خروجه من حصاره في مباني القيادة العامة، وأخذ فلول النظام البائد الحرب نحو مسارات تتعلق بتقسيم البلاد، فضلاً عن الفظائع التي ظل يرتكبها الجيش ضد المدنيين من قصف بالطيران، وقتل واعتقال على الهوية، وما ظلت تفعله استخباراته التي أخذت على عاتقها عبء إشعال الفتن القبلية في غرب البلاد، سعياً لسحب قوات الدعم السريع إلى دارفور. فاليوم وبعد مرور ستة أشهر، ودخول الجارة مصر على الخط من خلال دعم (البرهان) بالمسيرات، يبدو الوصول إلى حل سياسي متوافق عليه للأزمة، أبعد مما كان عليه في أشهر الحرب الأولى.
لم يعد سراً أن الحركة الإسلامية هي من أشعلت الحرب في صبيحة الخامس عشر من أبريل، بهدف قطع الطريق على التوافق السوداني الذي لاحت بوادره للعيان، من خلال توقيع قوات الدعم السريع وقوات الجيش والقوى المدنية، على الاتفاق الإطاري، الذي وضع النقاط على الحروف، وأجاب على أسئلة المستقبل، باتجاه العودة للمسار المدني الانتقالي. لكن لم تكن الحرب لتستمر لولا ممالأة قيادة الجيش لمشعليها، وانقيادها التام لتعليمات (علي كرتي) الأمين العام للحركة الإسلامية، ليتولى الإسلاميون أمر تسعير جحيم الحرب، وأخذها باتجاه التصعيد. وقع البرهان في فخ (الفلول) الذين زينوا له إحراق البلاد على أمل أن ينصبوه رئيساً أبدياً على نسق البشير، وضللوه بالمعلومات الكاذبة عن مدى ضعف (قوات الدعم السريع)، وعجزها عن الصمود أمام كتائبهم وتنظيمهم في الجيش لأكثر من ست ساعات، وقللوا من شأن الحاضنة الاجتماعية لقوات الدعم السريع وعلاقاته الخارجية، لكن وعلى الرغم من إدراكهم المتأخر لاستحالة الحصول على نصر سريع، أقنع الفلول الجيش بالعودة عن منبر جدة، على أمل الحصول على نصر على الأرض يتيح لهم التفاوض من موقع قوة، ولما تتالت عليهم الهزائم هربوا إلى شرق السودان، وطفقوا يجندون المواطنين في استعادة لتجربة (مليشيات الدفاع الشعبي) سيئة الصيت والسمعة، ليدفعوا بهم وقوداً لحرب كرامتهم المزعومة.
أدخل الفلول الجيش في حقل رمال متحركة، وهيأت لهم الحرب سُبل العودة لممارساتهم القديمة في ارتكاب الجرائم وتصويرها، وبثها على الوسائط، وإغراق الفضاء العام بالأكاذيب والمعلومات المغلوطة، ودفع الاستخبارات للعودة لممارساتها القديمة في إشعال الفتن بين المكونات الاجتماعية على طريق الهروب إلى الأمام، ليتغير هدفهم – بحكم الواقع – من العودة للسلطة عبر بندقية الجيش، إلى إفشال الدولة نفسها كيما يفلت قادتهم من المحاسبة، على جرائم ظلوا يقترفونها لأربع وثلاثون عاماً.
وعلى طريق حرب إفلاتهم من العقاب، داس عناصر الحركة الإسلامية على السودانيين، فقُتل ما يزيد على التسعة آلاف من المدنيين، ونزح أكثر من خمسة ملايين. تعطل خمسة آلاف مصنع، وبات نصف السودانيين في حاجة للمُساعدات الإنسانية. تعطل التعليم في المدارس والجامعات، انخفضت قيمة الجنيه السوداني إلى أدنى مستوياتها أمام العملات الأجنبية، وخرجت (90)% من المرافق الصحية عن الخدمة، ما ينذر بانهيار وشيك وكامل للقطاع الصحي في البلاد. أما على طريق هروبهم إلى الأمام من دفع فاتورة حربهم التي أشعلوها، فقد بعثوا بالبرهان إلى (الأمم المتحدة)، يتسول التدخل الأجنبي، وحينما لاحت بوادره من إخلال إقرار بعثة لتقصي الحقائق عن الجرائم التي تم ارتكابها خلال الحرب، عمدوا إلى رفضها، ووصفوها بالمتحاملة قبل أن تبدأ عملها! ما يبين بوضوح ضلوعهم في جرائم حرب يخشون افتضاحها، حال وجود لجنة تحقيق على الأرض تراقب ما يجري. وأما سعيهم لتكوين حكومة حرب في بورتسودان، فقد اصطدم بتصريح قائد (قوات الدعم السريع) عم تكوين حكومة موازية في العاصمة الخرطوم، حال إقدامهم على الخطوة. واليوم وبعد مرور ستة أشهر على حرب كرامتهم المزعومة، لم يعد في جعبة (الحركة الإسلامية) سوى سعيها لاستدامة الحرب، بعد أن قتل وأسر المئات من عناصر التنظيم في الجيش، ومن مليشياتهم المسلحة، انكشفت مخابئ أسلحتهم، وفُرضت عقوبات على زعيمهم (علي كرتي)، على خلفية إشعاله للحرب. اتجهت القوى المدنية السودانية للوحدة من جديد على قاعدة الحريات والحقوق وشعارات ديسمبر، فلم تحصد الحركة الإسلامية في حربها هذه سوى الخراب، إنه وبلا أدنى ريب، حصاد الهشيم.