رأي

الاشاوس صناع الفجيعة

عثمان ميرغني

مع انشغال الناس بقضية عزل الفريق طه عثمان تمر أحداث أخرى تثبت أن المشكلة لم تكن- أبدا- في الأسماء- مهما سمقت- ولا الأشخاص- مهما ومض بريقهم كالبرق ثم انطوى.. العبرة والمشكلة هي في العقلية ومنهج التفكير الذي يدير البلاد.. هاكم اسمعوا هذه القصة.

كثيرون سمعوا بشباب (شارع الحوادث).. إنهم فتية آمنوا بوطنهم، وقدرتهم على العطاء رغم أنف الظروف الشخصية التي تحيط بهم.. مجرد شلة أصدقاء كانوا يتسامرون. في جلسات اجتماعية حول كوب شاي.. فاستشعرت آلام أمتهم ففكروا أن يقدموا ما أمكنهم.. ومن فكرة في جلسة حول ست شاي في شارع الحوادث نشأت فكرة دعم المرضى المحتاجين بالدواء، ثم تطورت إلى بناء وحدات علاجية في عدة مستشفيات.

ربما كثيرون سمعوا بإنجازاتهم الباهرة في عدة مستشفيات، وفِي صمت نبيل.. بلا مَنٍّ أو أذًى.

أرأيتم كيف كرمت الحكومة هؤلاء الشباب؟، لن تصدقوا.

استطاع هؤلاء الفتية أن يشيّدوا وحدة علاجية للأطفال في مستشفى كسلا.. من الصفر بدأوا، وحشدوا همة شعبهم خلفهم- وما أجمل هذا الشعب رغم أنف الظروف والمحن- حتى أكملوا ٨٠٪‏ من المشروع الكبير.. ثم استطاعوا أن يجمعوا المال الكافي لإنجاز العشرين في المئة الباقية.. فما الذي حدث؟، فجأة تبرق وترعد في سمائهم (الحكومة).. وضعتها بين قوسين لأن أي كائن يدبّ في أرض السودان من الممكن فجأة أن نكتشف أنه (الحكومة)؛ فالحكومة ليست مؤسسات وإدارات تصدر قرارات.. (الحكومة) في بلدي قد تكون زوجة سكرتير مدير مكتب معتمد محلية (القماري سجعت).. تنشق الأرض وفجأة يسقط قرار من السماء لا يعرف من أي كوكب جاء لكنه في نهاية الأمر.. هو (الحكومة).

شباب شارع الحوادث.. دون مقدمات وقع على رأسهم قرار حكومي بمصادرة المشروع منهم، وحرمانهم من إكماله.. بجرة قلم.. قيل لهم: (اعلى ما في خيلكم فاركبوه) بأمر (هنا الحكومة).. ولا تسألنَّ عن أية حكومة؛ فهي- كما قلت لكم- قدر مقدور.

نزع عنهم المشروع.. وأصدر الشباب بيانا تقطر منه دموع الفجيعة في وطن مفجوع بأهله.. وحملوا بقية الأموال العشرين في المئة إلى مشروع آخر.. فهم يعلمون أن الحياة لا تخضع لمشيئة أحد.. وإن بابا للخير أغلق فسيفتح ألف باب غيره.

بالله أسأل من اختطف مشروع هؤلاء الشباب.. من أي كوكب تستمد الحكمة؟.. من أي حكمة تحتكم؟.

وبعد هذا يهلل البعض لسقوط رجل!.. وكأن الظلم كان رجلا..

يا شعبنا.. بالله افتحوا عقولكم.. وانظروا جيدا من أي اتجاه تأتي الريح!.

رحم من قال من أين أتى هؤلاء؟.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى