مع اكتمال عام على اندلاع حرب 15/ أبريل 2023، بين كل من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع؛ يطرأ متغير جديد ذو أهمية كبيرة في تحديد مسار وطبيعة وبالتالي مستقبل الحرب خاصة في إقليم دارفور؛ ألا وهو دخول الحركات المسلحة كطرف في الحرب. حيث أعلنت وقوفها مقاتلة في صف القوات المسلحة ضد قوات الدعم السريع، بعد أن كانت متخذة موقف الحياد لعدة أشهر عقب اندلاع الحرب، وبعد أن كانت تدعو إلى وقف الحرب وعدم الاصطفاف إلى جانب أحد الطرفين. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن هذا المتغير المهم يأتي في ظل متغيرات سياسية واجتماعية وعسكرية مهولة يشهدها إقليم دارفور بشكل خاص؛ وذلك عقب معارك شرسة وقوية كانت طويلة الأمد، وقد شملت مناطق واسعة من الإقليم بين كل من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. ويمكن تلخيص أهم هذه المتغيرات في سقوط فرق وحاميات الجيش في كل من ولايات: وسط، وشرق، وغرب، وجنوب دارفور. الأمر الذي يعني أن وجود القوات المسلحة في كل الإقليم بات مقتصرًا على مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور. ويعني أيضًا أن الدعم السريع باتت تسيطر على معظم الإقليم، وهذا متغير لم يشهد الإقليم مثيلًا له منذ تأسيس الجيش في العام 1925.
إن هذا المتغير المهم، أي دخول الحركات المسلحة الحرب مقاتلة في صف القوات المسلحة، وأنا أعني هنا: حركة جيش تحرير السودان قيادة/ أركو مناوي وحركة العدل والمساواة قيادة/ جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان قيادة/ مصطفى تمبور؛ يطرح وبشكل جدي إمكانية عودة إقليم دارفور إلى دائرة الحرب الأهلية التي بدأت في فبراير 2003م، بمعارك بين هذه الحركات المسلحة والقوات المسلحة، نتيجة إعلانها التمرد على الدولة. وهي حرب طويلة لم تتوقف بشكل كامل إلا عقب ثورة ديسمبر المجيدة وبواسطة اتفاق سلام جوبا 3/ أكتوبر 2020م الذي ضمن وقفًا دائمًا للحرب، وضمن تمثيلًا سلطويًّا للحركات المسلحة ظلوا متمسكين به إلى هذه اللحظة. ولعل المحافظة على المكاسب السلطوية هذه، والمتمثلة في المناصب السيادية والحقائب الوزارية، والوظائف الحكومية العليا، ومؤخرًا الأموال والسلاح والعتاد الحربي؛ هو الأساس الذي يقوم عليه هذا التحالف بين القوات المسلحة والحركات المسلحة. وما يؤكد ذلك، أن الحركات المسلحة لم تدخل مقاتلة في صف القوات المسلحة إلا بعد أن أعلنت الأخيرة بشكل صريح، أنه لا يمكن أن تظل الحركات المسلحة على الحياد وتحافظ على مكاسبها السلطوية. وذلك ما حتم على الحركات اتخاذ موقف الدعم والمساندة للقوات المسلحة ضد قوات الدعم السريع.
أيضا وحتى نفهم كيف أن دخول الحركات المسلحة مقاتلة في صف الجيش يطرح إمكان العودة إلى الحرب الأهلية؛ فإنه من الضروري أن نؤكد هنا: إن الحرب التي اندلعت في فبراير 2003م، والتي كانت بشكل أساسي عند بدايتها حربا ضروس بين الحليفين السياسيين والعسكريين الآن، أي الحركات المسلحة المذكورة آنفا والقوات المسلحة؛ ذات طابع مختلف تماما عن الحرب التي اندلعت 15/أبريل 2023، بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة. وهذا الطابع المختلف يعود بشكل رئيس إلى أن حرب القوات المسلحة والدعم السريع الأخيرة، كانت حربا بين قوتين عسكريتين، وقد انحصرت بشكل أساسي في عمليات عسكرية تستهدف السيطرة على المواقع العسكرية للطرف الآخر، وكذلك السيطرة على المواقع الحيوية والتي تعد ذات قيمة استراتيجية بالنسبة لكلا الطرفين. وبهذا المعنى فإن هذه الحرب الأخيرة كانت صراعا عسكريا محصورا بين طرفي النزاع، ولم تكن لها أي أبعاد اجتماعية ذات قيمة تذكر في هذا الإقليم. ويمكن القول هنا: إن هذه الاعتبارات المذكورة تؤكد أن هذه الحرب قد اتخذت طبيعة ومسارًا عسكريًا صرفا، تمظهر في انحصارها إلى حد كبير بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
إنه على النقيض من حرب 15/ أبريل، فإن حرب فبراير 2003م، التي اندلعت في إقليم دارفور بين الحركات المسلحة والقوات المسلحة؛ اتخذت ومنذ بدايتها طابع الحرب الأهلية. ذلك أن المجتمع في دارفور وعقب الحرب مباشرة: انقسم ودخل في حالة اصطفاف عرقي حادة. ويعود هذا الانقسام المجتمعي والاستقطاب العرقي الذي أدى إلى تحول الحرب في دارفور ومنذ وقت مبكر إلى حرب أهلية؛ بدرجة أولى إلى استقطاب الحركات المسلحة للقبائل الأفريقية وتجنيدهم بشكل حصري [وهذا ما يفسر التركيبة القبلية الضيقة لهذه الحركات] وكذلك الاستهداف الممنهج من قبل الحركات المسلحة للقبائل العربية بحجة موالاتها للنظام. ويعود هذا الاستقطاب العرقي كذلك بدرجة ثانية، إلى عمليات العسكرة المتسارعة التي قامت بها الحكومة للقبائل العربية، والتي نجحت فيها بشكل كبير لأنها استغلت التهديد الوجودي الذي باتت تشكله الحركات المسلحة على القبائل العربية ومصالحها في الإقليم. وعلى هذا فإن الاصطفاف العرقي للحركات المسلحة ومجتمعاتها الأفريقية وكذلك نجاح عمليات عسكرة القبائل العربية؛ أدى إلى نشوء اصطفاف عرقي مضاد من قبل القبائل العربية. ويمكن أن نقول هنا إنه ونتيجة للاستقطاب العرقي الحاد المصاحب لحرب فبراير 2003 بدارفور، فإنه قد تمت عرقنة الصراع منذ وقت مبكر، وتحويله من صراع بين جيوش متمردة وجيش نظامي، إلى حرب أهلية بين كل من الحركات المسلحة من جهة والقوات المسلحة [حرس، الحدود، الدعم السريع، القوات البرية] من جهة أخرى. وبالتزامن مع هذه الحرب بين القوات العسكرية، فإن حربا أهلية ضروس كانت تدور بين القبائل على أسس عرقية، وهي حروب قبلية كارثية العواقب والنتائج اجتاحت كل الإقليم.
إن هذا الاختلاف في الطبيعة والمسار بين كل من حرب فبراير 2003 وحرب 15/ أبريل 2023، يعود بشكل رئيسي إلى الاختلاف في طبيعة الأطراف المتصارعة. ولذلك فإن مشاركة الحركات المسلحة في الحرب إلى جانب الجيش، يمكن أن يؤدي إلى تحول الحرب الحالية والتي كانت ذات طبيعة عسكرية -بين قوتين عسكريتين- إلى حد كبير، إلى حرب أهلية بين القبائل. وهو احتمال وارد نظرًا للطبيعة القبلية للحركات المسلحة. وهي تركيبة قبلية وعرقية ذات ارتباط وثيق بالإقليم وتركيبته الاجتماعية. الأمر الذي يجعلنا نتوقع أن تساهم طبيعة هذه الحركات العرقية الضيقة في عودة الاستقطاب القديم بين عرب/ زرقة إلى حيز الفعالية، بعد أن شهدنا تراجعًا له، وكذلك تناقص في عدد الصراعات القبلية في الإقليم، حتى في ظل حرب 15/ أبريل. وهذا التوقع يستند إلى أن الشروط الاجتماعية التي أدت إلى تسارع وتنامي هذا الاصطفاف العرقي الذي أدى إلى عرقنة الصراع لا زالت موجودة. فالمجتمع في دارفور لم يتعاف بعد من آثار الحرب، بل إن موجات النزوح الجماعية تزايدت وكذلك انتشار السلاح نتيجة للحربين، السابقة والحالية، إضافة إلى أن المظالم التاريخية بين مجتمعات دارفور لم تجبر حتى الآن، وكذلك وجود الأحقاد والضغائن الاجتماعية؛ كلها مؤشرات وعوامل تشير إلى أن دخول الحركات المسلحة كطرف في النزاع يطرح بل يؤكد أن مسار الحرب يتجه للتحول من كونها صراعًأ عسكريًا بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع كما كانت طوال العام الماضي، إلى أن تكون حربا أهلية بين الحركات المسلحة وقواعدها الاجتماعية من القبائل الأفريقية، والدعم السريع وقواعده الاجتماعية من القبائل العربية؛ خاصة في ظل حملات التجنيد التي تتم الآن من قبل الطرفين. وعلى هذا فإن المتغير المهم والمتمثل في دخول الحركات الحرب مقاتلة في صف الجيش، يغير مسار الحرب ويغير كذلك طبيعتها ليضفي عليها بعدًا أهليًّا لم يكن حاضرا في الصراع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.