لقد تابع الشعب السوداني عن كثب ما تمخض عنه لقاء الرفيق القائد عبد الواحد نور، والقائد عبد العزيز الحلو، والدكتور عبدالله حمدوك، من “إعلان نيروبي” والذي نص في أهم بنوده على الحل الجذري للأزمة السودانية المستفحلة والماثلة. والتي هي تراكم لفشل تاريخي في مخاطبة قضايا شعوب السودان، واحتكار القرار السياسي -على مدى أكثر من ستين عامًا- من قبل فئات محددة منحت نفسها شرعية تمثيل الشعوب السودانية دون أي تفويض شعبي! ورغم الدعم الشعبي الذي وجدته حتى في فترة حكومة حمدوك الأولى، إلا أنها لم تستطع مخاطبة جذور الأزمة التاريخية. وظلت قضايا الهامش مكانًا للتفاوض تحت شرعية “عطاء من لا يملك لمن لا يستحق”، ودونكم تجربة اتفاق جوبا لسلام السودان 2020م، التي نرى نتائجها من اصطفاف خلف قوى الردة والدمار.
لقد كان القائد عبد الواحد نور على بصيرة عندما رفض المساومة، وكذلك القائد الحلو، وبعض من الثوار الحقيقيين الذين آثروا الصمت والمنافي بعيدًا عن معاداة الوطن. تأتي أهمية “إعلان نيروبي” بعد فشل آخر محاولات الفلول لجر الحركة الشعبية- شمال لفخ المساومة، في وقت أوشك فيه شعبنا -رغم الموت والخراب- على التخلص من مؤسسة البطش والدمار الحارسة لمصالح فئات محددة استأثرت بالسلطة والثروة خدمةً لمصالح ضيقة. الأمر الذي ساهم في توليد غبن تاريخي بين المجتمعات السودانية من نتائجه انفصال جنوب السودان وحرب الخامس عشر من أبريل.
أيضًا، تأتي أهمية “إعلان نيروبي” من كونه قطع الطريق أمام أحابيل العصابة المركزية في جر الحركة الشعبية إلى التنصل عن شعاراتها الأساسية التي ناضلت من أجلها عقود من الزمان. وأهمها: حق الجميع في تلقي المساعدات الإنسانية في ظروف الحرب خاصة شريحة النساء والأطفال والعجزة. إن أهم نقطة جوهرية نتلمسها في إعلان نيروبي هي توحيد جهود الكتلة الثورية الحقيقية، والتي لها تفويض شعبي واضح وقضايا ذات خصوصية إن لم يتم التطرق لها لن تصبح هناك فاعلية لأي عملية سلام. فعبد الواحد رجل ذو مبدأ، اختبرته التجربة الطويلة والمساومات، وقد عملت معه إبان “الجبهة الثورية” مخلصًا لرفاقه متمسكًا برؤيته في كيفية حل الأزمة السودانية. كذلك القائد الحلو، الذي صمد مع شعب جبال النوبة في زمن عز الرفيق، أما الدكتور عبدالله حمدوك؛ فلا زال كثير من الشعب السوداني يرى فيه المخلص.
إن النفطية الجوهرة التي يجب أن نستخلصها ونشجع كل قوى التغيير الجذري على التمسك بها، هي مخاطبة جذور الأزمة السودانية عبر تقوية “إعلان نيروبي” وتوطيده بتفاهمات مع الدعم السريع، باعتبار أن الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي والعسكري الحقيقية هي قوى إعلان نيروبي، وما سواها محاولات فاشلة صادرة عن أشخاص لا يمثلون إلا صوت مجموعات معزولة ليس لديها تأثيرًا على الواقع سوى الشعارات البراقة.
إن الحل الحقيقي للمعضل السوداني يكمن أولا؛ في أهمية بناء جبهة ثورية من قوى الريف ومبنية على إعلان نيروبي، بغرض الاتفاق على مبادئ أساسية؛ على رأسها: الإقرار بالفشل التاريخي للقوى التي ورثت جهاز الدولة من المستعمر في بناء اللحمة الوطنية وتمثيل الشعوب السودانية بما يحقق العدالة والمساواة. وثانيًا؛ ضرورة بناء جيش قومي مهني جديد يعكس تنوع شعوب السودان، ومهمته الأساسية هي الدفاع عن الوطن والنأي عن التدخل في القضايا السياسية، وخاضع للسلطة المدنية التنفيذية.
نأمل أن يستمر تطوير الإعلان ليشمل القوى الجديدة ذات التمثيل الحقيقي لشعوب الهامش، وذلك بعقد مؤتمر جامع لحوار سوداني سوداني، لتلتقي شعوب الوطن في مائدة جامعة تتوافق فيها على الحد الأدنى للعيش المشترك كشرط لإيقاف الحرب وإلى الأبد. ولتكن حرب 15 أبريل آخر حروب بلادي، وينعم بعدها السودانيين بالاستقرار في كنف وطن عادل ومتسامح، المجال فيه ليس لفئة محدودة تفرض رؤاها على مجموع الشعوب الأخرى التي تشاطرها بقعة الوطن.