رأي

علي أحمد يكتب: فكّ لهم (اللِّجام) وفكّوا له البيرق!

علي أحمد
علي أحمد

مشهدٌ مُروِّعٌ ومُحزنٌ حدّ الوجع والخِزي؛ يشي بانهيار وشيك للجيش، بعد مشاهدة فيديو لجوء قيادة المنطقة العسكرية الحدودية في (كُلبس) إلى تشاد أمس، وتسليم المنطقة كاملة، بضباطها وجنودها وعدتها وعتادها وعديدها للقوات التشادية، وطلبها الحماية هناك، كنتيجة لانهيار وسقوط الفرق والحاميات العسكرية في ولايات دارفور في قبضة قوات الدعم السريع واحدة تلو الأخرى.
والحامية التي عبرت الحدود التشادية وسلمت للجيش التشادي؛ تمثل ضباط وجنود الوحدة العسكرية التي تعمل ضمن القوات المشتركة السودانية/ التشادية التي تعمل على مراقبة الحدود وضبطها، أي أن حدود بلادنا الغربية أصبحت بلا جيش- وإنا لله !
ذكرني هذا المشهد بالجيش الإثيوبي، عندما انهزم أمام قوات المعارضة الاثيوبية والثوار الإرتيريين عام 1991، في عهد الرئيس الإثيوبي “منقستو هيلي ماريام”، فانهارت أول ما انهارت الفرقة التي كانت تحارب في إريتريا، وسلمت جميع أسلحتها الثقيلة والخفيفة إلى الجيش السوداني ودخلت إلى البلاد، في مشهدٍ تراجيدي لا مثيل له، استسلم فيه مئات الضباط والجنود إلى حامية كسلا، طالبين حق اللجوء، فانهارت بعد ذلك الفرق العسكرية الإثيوبية تباعاً واختفى جيش “منقستو” كأنه لم يكن، ذاب كفص ملح في كوب ماء.

تمامًا هذا ما حدث لحامية (كلبس)، سلم الجنود المهزومين المُتعبين الذين دُفعوا إلى حربٍ لا تخصهم، حرب من أجل أن تستعيد جماعة مارقة سلطة حصلت عليها بالدم والقتل وتقسيم البلاد، وأن تصل ثلة من الفاسدين والقتلة إلى الحكم مرة أخرى، كان قد أسقطها الشعب السوداني في أعظم ثورة شعبية في هذا العصر؛ لذلك انتفت دوافع القتال لدى غالبية الجنود، عندما وحدوا القتال من أجل قضية لا تخصهم، وأهلنا في الغرب لهم ثقافة وتأريخ في ارتباط الغبينة بالقتال. كما أن الهزائم المتلاحقة والمتتابعة أضعفت الروح المعنوية للجنود، فضلاً عن أن هروب قائد الجيش ونائبه واختباء ثالثهم في سلاح المهندسين يبحث عن (ثقب إبرة) ليلتحق بهما في بورتسودان، أشعرت الجنود والضباط بلا جدوى الحرب، وبأنهم أُردوا موارد الهلاك من أجل ثلة من المارقين وشُذّاذ الآفاق، فهرب من هرب واستسلم من استسلم.
لكن هذه المرة، بدأ الانهيار الحقيقي، حامية كاملة بقوتها البشرية والمادّية تعبر الحدود وتسلم لجيش دولة مجاورة – لا حول ولاقوة إلاّ بالله – ماذا فعل الكيزان لعنة الله عليهم أجمعين، بهذه المؤسسة التي كانت تتصدر الجيوش الأفريقية، حتى تتضعضع وتنكسر وتتقهقر وتذبل وتنهار إلى هذه الدرجة، ياللوجع والحزن؟!
في العلوم العسكرية – أيها السيدات والسادة – وكذلك في تاريخ الحروب وحاضرها، فإن مؤشر انهيار أي جيش، يبدأ من هروب جنوده من المعارك واستسلام جزء منهم؛ حتى لو كانوا (سرية) واحدة؛ لدولة أجنبية، فسقوط جزء من المبني يتداعى له سائره ويُنذر بانهياره برمته، وبالتالي سيسري انهيار حامية (كلبس) إلى بقية الحاميات والفرق كالنار في الهشيم، ما يعني أن القادم أسوأ بكثير مما كنا نتصور (والله يكضب الشينة).

بالنسبة لي، فقد حذرت من تداعٍ وشيك للجيش كلما طالت أمد الحرب، وصولاً إلى لحظة (الانفجار/ الانهيار) العظيم، واستخدمت للتوصل إلى هذه الفرضيّة التحليلية طريقة التنبؤ بحدوث الزلازل، التي تعتمد على ما يُعرف بالتحليل التجريبي الذي يُبنى على دراسة (مقدمات) الزلازل السابقة وتعقبها، فبدت لي كلمة قائد الجيش في (وادي سيدنا) وكأنها جرس إنذار مبكر، خصوصاً أنها أعقبت سقوط الفرقة (16) نيالا، وما صاحب كلمته من هرج كيزاني عظيم أسقط عن قائد الجيش هالته وأفقده احترامه وبدّد هيبته؛ عندما هتف (جنوده) المُفترضين، وهم في الواقع محض مليشيات كيزانية تم تجميعها هناك، في وجهه (فِك اللِّجام، فِك اللّجام)، كان هتافاً كالبصاق، للأسف.
وكان هذا (البصاق) – وسامحوني على هذه الكلمة – بمثابة فقدان القيادة بإضعاف القائد والتقليل من شأنه وإظهار بمظهر الجبان المتردد والمتآمر الخائن، هذا كله يتم تصويره وبثه ويشاهده الجنود في ميدان القتال، فتُهبط روحهم المعنوية، ويتساءلون، كيف نقاتل خلف قائد خائن وجبان ولماذا؟؛ فتتحول تلك الهتافات الكيزانية الرعناء (فِك اللِّجام – فِك اللِّجام )في آذانهم إلى (فِكّوا البيرقْ – فِكّوا البيرق)، أي أهربوا، انجوا بأرواحكم، فيفعلون، وهذه بداية انهيار الجيوش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى