شاهدنا في اليومين الماضيين حرب كلامية بين أركو مناوي الذي يقود حركة دارفورية متحالفة مع برهان، ضد شيبة ضرار الذي يقود حركة مسلحة بجاوية في شرق السودان. جاءت الخلافات بين الحركات الدارفورية وقوى سياسية وقبلية وعسكرية من شرق السودان، بعد نقل العاصمة إلى بورتسودان على إثر سيطرة الدعم السريع على ثلاث أرباع العاصمة الخرطوم. ومن أجل وقف توسع الدعم السريع العسكري، اجتهد البرهان بعد خروجه من القيادة العامة، في استقطاب الحركات المسلحة الدارفورية؛ فقد قدم لهم ملايين الدولارات من أجل كسب انحيازهم والقتال معه ضد الدعم السريع.
سيطرت هذه الحركات على مؤسسات الدولة في العاصمة الجديدة بورتسودان، خاصة وزارة المالية ووزارة التعدين، وقد أحكموا سيطرتهم على ميناء بورتسودان. يعتبر الميناء القضية الكبرى لسكان شرق السودان الذي يعانون من انعدام التنمية في المناطق الريفية وقلة التوظيف في الميناء بل يعملون كحمالين في الغالب. كما تعتبر ولاية البحر الأحمر من أهم الولايات المنتجة للذهب. بيد أن وزارة المعادن يتولاها وزير يتبع لمناوي الذي يعين مدير شركة المعادن.
لم تكتفي هذه الحركات بالسيطرة على العاصمة فقط بل امتدت أياديهم للسيطرة على المخزون الاستراتيجي من الغلال في القضارف، كما نشطت الحركات في سرقة المساعدات الإنسانية وبيعها في الأسواق المحلية وإلى دولة إرتريا. وقبل أيام، ظهرت تقارير عن مخصصات بمبالغ طائلة لصالح وزير التنمية الاجتماعية الذي يتبع لجبريل ابراهيم. كل هذه المعطيات دفعت القوى السياسية للبجا إلى تقديم موقف سلبي من وجود الحركات، لأنهم يرون الفساد أمامهم وأموال ولاياتهم تنهب وهم يتفرجون!
قبل عدة أسابيع، نشرت صحفية مقربة من الاستخبارات العسكرية، محضر اجتماع طالبت فيه حركات دارفور بحصة (50%) من الحكومة أو تراجعها عن التحالف مع برهان. ويبدو أن تسريب الاجتماع، وتحريض جزء من قوى شرق السودان الرافضة لتواجد الحركات، هو رد وإلجام لطموحاتهم السلطوية التي استغلت ضعف جيش برهان.
فعلًا نجحت هذه الحركات في الحد من زحف الدعم السريع على مناطق سيطرة برهان، لكنها في المقابل خسرت مستقبل وجودها وتمثيلها السياسي. لذلك تعمل جاهدة من أجل خلق روابط مع بعض القوى السياسية في شرق السودان، مستغلة الخلافات ذات الأبعاد الاجتماعية بين قوى الشرق.
شاهدنا قبل يومين الهجوم الذي شنه أركو مناوي على الصحفية رشان أوشي التي سربت محضر الاجتماع، ووصفها بأنها تكتب بتوصية من جنرالات كبار وهو يقصد برهان والعطا وكباشي وجابر. وكذلك هاجم شيبة ضرار أحد قادة قوى شرق السودان وسخر منه، وكان خلفه الناظر ترك الذي كان يتبسم فرحًا من التهكم على ابن جلدته. وهذا الموقف يؤكد استقواء قوى الشرق بآخرين لتصفية خلافاتهم.
لم تمضي ساعات من تهكم مناوي حتى ظهر شيبة ضرار مهاجمًا مناوي، وتحداه أن يعود لدارفور بل وصفه بـ”القرد” وسارق الإغاثة الإنسانية بينما يعاني أهله الجوع في دارفور. وذهب إلى تهديد مناوي إذا خرج بالبر إلى عطبرة أو كسلا.
كل هذه المؤشرات تؤكد اقتراب فض الشراكة بين برهان وهذه الحركات التي رفضتها قوى الشرق، وكذلك عمل الجنرال ياسر العطا على تدريب جيش يتبع للأمين داؤود في إرتريا وحركات مسلحة أخرى من الشرق لتحل محل الحركات الدارفورية تمهيدًا لطردها. الآن تبقى شرق السودان فقط، بعد أن رفضت وجودهم القوى الاجتماعية في نهر النيل والشمالية بدعوى فسادهم الأخلاقي وجبنهم وهروبهم في المعارك. لم يتبقى أمام سوى خيار وحيد، وهو لملمة ما تبقى لهم والهروب إلى جنوب السودان أو أوغندا، قبل أن تحدث المواجهة المسلحة مع قوى الشرق وجيش برهان.