رأي

كتب عبد الرحمن الكلس: وما تلك بيمينك يا حميدتي؟ (1-2)

بقلم: عبد الرحمن الكلس

كان ذلك أواخر العام 2020، عندما كنت أتحدث مع ضابط عظيم في الجيش – والعظمة هنا للرتبة لا للشخص- هذا الضابط الآن أحد الأربعة الكبار الذي يقودون الحرب ضد قوات الدعم السريع – وتلخص حديثنا حينها في قضية إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وكان حديثه حديثًا عموميًا، مكرراً ورتيباً، ولكن الذي استوقفني هو ما تفوه به، ربما دون أن يقصد، وهو قوله أنّ الإصلاح يجب أن يبدأ بإدارة التوجيه المعنوي ومكتب الناطق الرسمي باسم الجيش، قائلًاً: ” أن خطاب الجيش يحتاج إلى تغيير لأنه مستمد من أدبيات و”فقه” الإخوان، حيث “الكذب من أجل الدعوة حلال”!

ويا للهول- حتى حركة (المثليين) في دعوتها العالمية المحتشدة بالرزايا والبلايا لا تكذب، فكيف تكذب حركة (للمسلمين) تقول إنها تريد نقل الناس من رذائل الأرض إلى فضائل السماء؟!

تبينت مدى خطورة ما قاله الرجل مع بدء حربهم اللعينة هذي، والتي بينت لنا أنهم يقرؤون ليل نهار من كتاب (الإخوان) خصوصاَ، فيما يتلوه علينا الناطق باسم الجيش، وهي تلاوة تجافي الصدق ويجافيها، ممتلئة بالأكاذيب الساذجة التي تغالط الواقع كما المنطق مغالطة مستفزة وبليدة، بدءاً من كذب ومغالطات بيانات سير المعارك اليومية وحتى أكاذيب أنصارهم الدؤوبة على وسائل التواصل الاجتماعي، والطرق عليها يوميًا بصورة ثقيلة ومخجلة تستنكف من القيام بمثلها مروجات المتعة في الليالي المظلمة!

وأبرزها كذبة موت (حميدتي)، والتي بدأت أواخر أبريل الماضي، مع سقوط كذبة الساعات الثلاث التي سيتم خلالها القضاء على الدعم السريع، فجاءت كذبة مقتله أثناء الاشتباكات بمحيط القيادة، ثم تغير مكان موته إلى شرق النيل، قبل أن يتحول الموت نفسه إلى شلل جراء قذيفة طيران أجريت له إثرها عملية جراحية دقيقة منعته الحركة والكلام، وسرعان ما سقطت هذه الكذبة وذلك بعد ظهوره المهيب وسط جنوده مخاطباً عبرهم الشعب السوداني، لتعود كرة الكذب إلى التدحرج إلى الوراء وترجع بنا مرة أخرى إلى موته ومقتله!

ولكن الجديد ان موت قائد الدعم السريع هذه المرة كان عن طريق “قناص” وليس عن طريق الطيار (سارة) – وهذه شخصية وهمية من بنات أكاذيب الكيزان الفطيرة- ظلت تتردد لفترة، رغم خجل بعض البلابسة منها، واعترافهم أن سلاح الطيران السوداني لا تعمل فيه امرأة واحدة، ولو بوظيفة مكتبية، قبل أن تختفي (سارة) فجأة من قاموس أكاذيب جيش الإخوان وتذهب من حيث أتت إلى العدم، مثلها مثل اختفاء مستشفى (الدايات) من خارطة دعاية حرب (الإخوان).
إنّ للحرب أخلاقًا وللكذب حدودًا !

هكذا ظل (حميدتي) ما بين جريح وقتل، وهو حيًا معافى وسط جنوده على الأرض، ولسان حاله يردد: أنامُ مِلء جفوني عن شواردها/ ويسهرُ (الكيزان) جرّاها و(يختصمُوا)!

بعدها فطن إخوان الجيش إلى ضرورة إضافة المزيد من الحبكة والإبهار لترويج قصة مقتل (حميدتي)، خصوصًا مع خروجه كل مرة متحدثًا ، فلجأوا إلى ترويج حكاية (الذكاء الاصطناعي)، وللسخرية ينطقها خبراؤهم الاستراتيجيون (ذكاء صناعي)، وتم ترويج هذه الفرية على نطاق واسع، وظلوا يرددونها بكل خفة وهبل، من صغيرهم إلى سفيرهم !

حدثني أحد أقاربي قبل شهر بطريقة هيستيرية عن موت حميدتي، وكان منتشياً بما يقول درجة اليقين، وفشلت في إقناعه بكل السبل بعدم صحة ذلك، إذ كان يتحدث بثقة حسدته عليها، وعندما علمت إنه من الصعب اقناع هذا النموذج الملقن من البشر، سألته عن تفسيره لظهور حميدتي، عقب حديثه المسجل قبل شهر، فقال لي : (ذكاء صناعي)، وعندما طلبت منه أن يشرح لي طريقة عمل الذكاء الاصطناعي، تلعثم الذي نطق وقال: هكذا سمعت من القنوات!
سمع المسكين من (الخبراء) إياهم، خبراء الغباء الفطري الذين لا يفرقون الصناعي من الاصطناعي!
في قضية المفكر المصري “فرج فودة” الذي اغتالته الجماعات الاسلامية، سأل قاضي المحكمة أحد القتلة : لماذا شاركت في اغتياله؟ فأجاب القاتل: لأنه كافر! فسأله القاضي وكيف عرفت أنه كافر ؟ فأجاب القاتل: من كتبه! قال القاضي: ومن أي كتاب من كتبه عرفت أنه كافر؟ رد القاتل: أنا لم أقرأ كتبه! فسأله القاضي: كيف هذا ؟ فأجاب القاتل : أنا “أمي” لا أقرأ ولا أكتب!

ولكن من يصرع غباءهم الفطري وذكاءهم الاصطناعي ويضربه في مقتل مثل (حميدتي)؟ الذي خرج عليهم بالأمس رامياً عليهم حباله بيمينه فإذا هي (شرك أم زريدو)، فاصطادهم ضبعًا ضبعا وبلبوسا بلبوسا وكوزاً كوزاً.

– (غدا نكتب ونفصل خطاب حميدتي تفصيلا).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ