الخرطوم- إسماعيل حسابو
في خطوة مفتاحية لإعادة إندماج السودان في المجتمع الدولي، بعد ثلاثة عقود من المقاطعة والحصار والإنعزال، تنطلق في باريس العاصمة الفرنسية يوم غدٍ الإثنين، (17 مايو الجاري)، أعمال مؤتمر دولي دعا له الرئيس إيمانويل ماكرون، بهدف دعم الحكومة الإنتقالية في السودان وإنعاش اقتصاد البلاد المتداعي.
دعوة ماكرون
في نوفمبر 2019م، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن بلاده ستحتضن مؤتمرا دوليا لدعم السودان اقتصاديا، معلنًا في ذات الوقت، أن فرنسا ستقدم للخرطوم مبلغ 60 مليون يورو لدعم الفترة الانتقالية، وذلك، خلال مؤتمر صحفي عقده مع رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في العاصمة باريس.
منذ حينها زار عدد من المسؤولين الفرنسيين، أبرزهم وزير الخارجية جان-إيف لودريان والمبعوث الفرنسي الخاص للسودان وجنوب السودان، جان ميشيل دومون، الخرطوم، لمتابعة ترتيبات المؤتمر الذي تعلق عليه الحكومة الإنتقالية في السودان كل حبال العشم والآمال لتجاوز التحديات الكبيرة، التي يواجهها الإقتصاد في البلاد.
الدعم الفرنسي
وأظهرت فرنسا دعمًا غير محدود للسودان في أعقاب نجاح ثورة ديسمبر التي اقتلعت نظام عمر البشير، عام 2019، فقد شهد نوفمبر من ذات العام زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان إلى الخرطوم في أول زيارة من نوعها لوزير خارجية فرنسيّ منذ سنوات.
وأكد لودريان دعم بلاده للحكومة الانتقالية لمواجهة أولويات السودان الرئيسية مثل إعادة بناء الاقتصاد المتداعي والتوصل لاتفاقات سلام مع حركات التمرد في مناطق النزاع في دارفور وجنوب كردوفان والنيل الأزرق.
إرث ثقيل
ومع أن السودان تمكن عبر ثورة شعبية في العام 2019م من إزاحة أعتى الديكتاتوريات عن كاهله، إلا أن الحكومة الإنتقالية برئاسة د. عبد الله حمدوك، ورثت أزمات إقتصادية غير مسبوقة وبالتالي تأمل أن يكون مؤتمر باريس بالأساس مدخلًا لإعادة السودان إلى خارطة الاستثمارات العالمية بجانب تخفيف عبء ما يزيد عن الـ60 مليار دولار من الديون، وقد مهد قرار الولايات المتحدة الأميركية بإزاحة البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أكتوبر 2020 الطريق أمام هذا الأمل.
جلسات ونقاشات
ويلتئم مؤتمر باريس بمشاركة دولية رفيعة، فيما يقود وفد السودان، رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك، الذي يخاطب المؤتمر مستعرضًا الإصلاحات الإقتصادية التي جرت في السودان استعداد لإدماجه فقي الإقتصاد العالمي.
ويشهد المؤتمر (3) جلسات الأولى بعنوان “السودان الجديد” وتشتمل على محورين هما: الافتتاح، واستعراض الإصلاحات الإقتصادية في السودان، والجلسة الثانية تتناول تحديث الخدمات المصرفية، بينما تناقش الجلسة الثالثة موائد مستديرة حول الفرص المتاحة في أربعة قطاعات رئيسية تمثل البنية التحتية والزراعة، الطاقة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
معالجة الديون
قبيل توجهه إلى باريس، ذكر رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك، أن الهدف من المشاركة في مؤتمر باريس ليس جمع المنح والتبرعات وإنما لتأكيد عودة البلاد القوية والمستحقة للمجتمع الدولي، متوقعًا إعفاء السودان من ديونه الخارجية البالغة 60 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وحسب محللين يتيح مؤتمر باريس للحكومة الانتقالية إمكانية الوصول للدائنين والذين يمكنهم إعفاء أو تخفيف المديونية في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك)، بعدما سددت الدين السيادي، كشرط ضروري وكافٍ للتفاوض وإطفاء الدين غير السيادي مثلاً دين دول نادي باريس.
وقال حمدوك في مقابلة مع “فرانس برس”، الثلاثاء، “قبل أن نصل إلى باريس، توافقنا على معالجة ديون البنك الدولي وديون بنك التنمية الأفريقي.. وفي باريس سنتوافق على معالجة ديون صندوق النقد الدولي”.
وأضاف “وصلنا في محادثاتنا مع صندوق النقد الدولي إلى نقطة اتخاذ القرار وأتوقع أن نغلق ملف الديون بنهاية هذا العام”.
وتأمل الحكومة السودانية بإعفاء الديون المستحقة لنادي باريس أكبر دائني السودان، البالغة حوالي 38% من إجمالي الدين الخارجي.
وحسب بيانات صندوق النقد الدولي فإن فرنسا هي ثاني أكبر دائن ثنائي للسودان بعد الكويت.
وكان المبعوث الفرنسي الخاص للسودان وجنوب السودان، جان ميشيل دومون، قال إن بلاده مستعدة لتقديم قرض “تجسيري” يبلغ 1.5 مليار دولار لتسوية متأخرات السودان لصندوق النقد، مؤكدًا أن ذلك سيذلل عقبة رئيسية أمام استفادة السودان من مبادرة لتخفيف أعباء الدين.
سداد متأخرات
وتمكن السودان من سداد متأخرات ديونه لبنك التنمية الأفريقي بقرض تجسيري من السويد وبريطانيا وإيرلندا قيمته 425 مليون دولار، كما تم سداد المتأخرات المستحقة للبنك الدولي بفضل قرض أميركي قيمته 1,1 مليار دولار.
وقبيل إنطلاق مؤتمر باريس، كذلك، أعلن بنك السودان المركزي الثلاثاء، عن موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، على توفير الموارد اللازمة لتخفيف الديون عن السودان.
وقال في بيان: “وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي اليوم على خطة تمويل من شأنها تعبئة الموارد اللازمة للصندوق لتغطية حصته لتخفيف الديون”.
جذب المستثمرين
قال رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الثلاثاء، وفي حديث للعربية الحدث، إن الوفد السوداني ذاهب إلى فرنسا لجذب المستثمرين الأجانب عبر توفير الفرص الملائمة لهم في السودان، فيما توقع وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل إبراهيم، أن يجذب مؤتمر باريس عدداً كبيراً من المستثمرين الأجانب للاستثمار في مختلف القطاعات المهمة في البلاد، لاسميا مجالات الطاقة والزراعة والطرق والبنى التحتية وخطوط السكك الحديد، مشيرًا أن الحكومة أعدت مشروعات بصورة ممتازة سيتم عرضها على المستثمرين في المؤتمر.
وأكد د. جبريل لوكالة الأنباء الرسمية، أن السودان سيصبح بعد مؤتمر باريس جزءاً فاعلاً ومهماً من المجتمع الدولي والاقتصاد الدولي ويحصل على استثمارات كبيرة، معتبراً أن المشاركة فرصة لعرض إمكانيات السودان للاستثمار لصالح المواطن ولصالح الأجيال المقبلة.
قائمة مشروعات
من جهته، كشف وزير الاستثمار، الهادي محمد إبراهيم، أن ما لا يقل عن 8 دول أبدت رغبتها في إعفاء ديونها على السودان أبرزها، أمريكا وفرنسا.
وكشف خلال مؤتمر صحفي، السبت، أن ديون الولايات المتحدة تبلغ نحو 400 مليون دولار، مؤكدا أنها وعدت بحث الدول لإعفاء ديونها على السودان.
وقال إن السودان لا يريد أن يتسول في مؤتمر باريس، إنما يهدف لعرض فرص استثمار، مشيرًا إلى تقديمهم خلال مؤتمر باريس مشروعات لأربع قطاعات هي: الطاقة والتعدين، والزراعة والثروة الحيوانية والبنية التحتية والنقل والاتصالات وتحول الرقمي.
وذكر الوزير لدى مخاطبته ورشة عمل حول المؤتمر نظمت في باريس الإثنين، أن حكومة بلاده أعدت قائمة بـ18 مشروعا بمجالات الطاقة والصناعة والزراعة والبنى التحتية والموانئ. وقال “تم إعداد 26 موقعا للتعدين سيتم طرحها خلال المؤتمر”.
وأشار وزير الاستثمار إلى أن فرنسا تبنت المؤتمر وقدمت الدعوة للرئيس الأمريكي جو بايدن، كما خاطبت الدول الدائنة للمشاركة في الفعاليات، وفق ما ذكر.
وقال “إن المؤتمر يؤكد على أن السودان قد تأهل تماما للاندماج مع العالم عبر إجراءات إصلاحية اقتصادية وسياسية”.
وأضاف “نفذنا إصلاحات للاندماج مع العالم بالعديد من القوانين من بينها إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل”.
تقييم المشاريع
ووفقًا لوكالة السودان للأنباء ساهمت مجموعة عمل متطوعة تضم عدد من الخبراء السودانيين العالميين بقرار صادر عن وزير الطاقة والنفط، مع عدد من الكوادر المتخصصة في وزارة الطاقة والنفط، وبالتعاون مع الادارات ذات الصلة في بناء منظومة متكاملة لتقييم المشاريع التي سيتم عرضها في مؤتمر باريس والمُزمع عقده في يومي 17- 18 مايو 2021، بباريس، وقد نجحت المجموعة المُشار إليها في تطوير خطوات التقييم وتطوير وسائل العرض لهذه المشاريع، مع التركيز على تأثيراتها الاقتصادية وعلى ترقية أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة.
كما تم وفقا للمجموعة مُراعاة التوزيع الجغرافي العادل لهذه المشاريع في بقاع السودان المختلفة وذلك من أجل ضمان تحقيق التنمية المتوازنة الشاملة والمستدامة.
إصلاحات حقيقية
يقول رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان، “يونيتماس”، الألماني فولكر بيرتس، في مقال نشر الجمعة “إن وضع السودان على طريق التنمية المستدامة يتطلب ما هو أكثر من المساعدات الإنسانية والإنمائية”.
وأضاف “تحتاج الدولة بشدة إلى الاستثمارات الخاصة، وفي مؤتمر باريس، ستحظى الحكومة بفرصة سانحة لعرض مشاريعها على القطاع الخاص”.
وتابع “في حين تجري الإصلاحات المحلية لتحسين مناخ الاستثمار في السودان، فإن الفرص المتاحة في مجال البنية الأساسية، والاتصال الإقليمي، والزراعة، والصناعات الغذائية، والكهرباء، حقيقية”.
ورسم المسؤول الدولي، صورة حالمة لمستقبل السودان عقب مؤتمر باريس قائلًا “لنتخيل هنا مستقبلا حيث يتم ربط ميناء السودان في بورتسودان، عن طريق البر والسكك الحديدية، بدارفور، ثم من هناك إلى تشاد (الدولة المغلقة، غير الساحلية)، ثم جنوب السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى. بهذا يصبح من الممكن عصر وتصدير محصول المانجو السوداني، وهو واحد من أكبر المحاصيل في أفريقيا، إلى أوروبا مباشرة”.
وأضاف “الحق أن الاستثمار الطويل الأمد في السودان يبدو على نحو متزايد ليس في حكم الممكن وحسب، بل وأيضا مربحا للغاية. السودان بلد أفريقي يتمتع بإمكانات هائلة ويفتح أبوابه أمام الأعمال الآن. وإلى هناك يجب أن تتدفق الأموال الذكية الآن”.
إصلاحات الاستثمار
منذ أن أعلن الرئيس ماكرون عن استضافة بلاده مؤتمرًا دوليًا لدعم السودان عمدت الحكومة الإنتقالية إلى إجراء العديد من الإصلاحات لا سيما بشأن مناخ الاستثمار حيث أجرت تعديلات واسعة على قانون الاستثمار وأعلنت عن حوافز كبيرة للمستثمرين بتفعيل نظام “النافذة الواحدة” لتقديم الخدمات، كما حدد القانون أولويات الاستثمار وعالج النزاعات بين المركز والولايات التي كانت تعيق الاستثمارات.
وحسب الصحفي السوداني المقيم بباريس، محمد الأسباط، لوكالة السودان للأنباء فإن إعفاء السودان من ديونه سيساهم في إنعاش الإقتصاد وفقاً لعدة آليات أهمها إستحقاق السودان للمنح والهبات من مؤسسات التمويل الدولية، إضافة الى تأهل السودان للحصول على قروض من مؤسسات التمويل الدولية، مما سينعكس إيجاباً على التنمية والبنية التحتية وزيادة إحتياطات السودان من النقد الأجنبي.
غير أن الأسباط حذر من رفع سقف الأماني قائلًا: “حتى لا نرفع سقوف الأماني كثيراً ليس من المتوقع إعفاء السودان من كل ديونه ولكن أي إعفاء يساعد الإقتصاد السوداني من التعافي وفقاً لنسبة الإعفاء فإذا تم إعفاء كامل سيسترد الإقتصاد الوطني تعافيه في فترة لا تتجاوز العام”.