أخبار

“مؤتمر باِريس” واقتناص الفرص الاستثمارية

بقلم- محمد حمدان

تنطلق يوم غدا الاثنين فعاليات مؤتمر”باريس” لدعم الفترة الإنتقالية في السودان والتى تشمل فعاليات اقتصادية وسياسية وثقافية تعكس في مجملها التحول الذي حدث في السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة ويتوقع أن يساهم المؤتمر في عكس صورة السودان والفرص التنموية الكبرى المتوافرة فضلاً عن توقعات استقطاب التدفقات الاستثمارية الاجنبية بجانب أعفاء متأخرات ديوان السودان والدخول في صفقات اسثتمارية مع القطاعين العام والخاص العالميين.

يتوقع أن يشارك في المؤتمر بعض قادة وزعماء العالم والرؤوساء والمدراء التنفيذيين لأكثر من 130 شركة أوروبية وفرنسية وغيرها ويتوقع أن يعرض السودان نحو 18 مشروع كبير أعدت بعناية في قطاعات الطاقه والتعدين والبنية التحتية والزراعة بشقيها النباتي والحيواني وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي وتتضمن هذه المشروعات مشاريع فرعية وفرص استثمارية مغرية في داخل هذه القطاعات، فضلاً عن جانب آخر من المؤتمر يركز على اعفاء ديون السودان التى تبلغ نحو 60 مليار دولار، كما تتضمن فعاليات المؤتمر لقاءت بين رجال الاعمال السودانيين من القطاع الخاص بنظرائهم في الشركات والمؤسسات العالمية.

عالم اليوم قائم على لغة المصالح وتبادل المنافع وبلا شك أن هناك محددات للاستثمار والمستثمر عند أتخاذ قرار الاستثمار يدرس أولاً الاوضاع السياسية والأمنية وبيئة الاستثمار ومناخ الأعمال فضلاً عن جدوي المشروعات وفرص الارباح بجانب أستقرار سعر الصرف ومعرفة المخاطر المحيطة بالاستثمار، وبالنظر إلى الأوضاع الحالية في السودان نجد أن السودان يتهيأ لمرحلة أنتقال كلي من الحرب للسلام وسعي للتعافي الاقتصادي والانفتاح على العالم وهذا جيد ولكن ايضاً الحكومة تحتاج لمضاعفة جهودها لإستكمال السلام وتحقيق الاستقرار ومرونة أكثر لجذب الاستثمار وتهيئة بيئة الاعمال ومناخ الاستثمار.

يأتي المؤتمر بعد أن إجرى السودان حزمة من الاصلاحات السياسية الاقتصادية مثل تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن بعض المشتقات النفطية وتعديل قوانين الاستثمار وقوانين حقوق الانسان والمصادقة على المعاهدات الدولية بل أقر إصلاحات للاندماج مع العالم عبر إلغاء العديد من القوانين من بينها إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، إضافة إلى المضي في بناء علاقات إنفتاحية مع دول العالم قوامها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ولذلك اصبح مؤهل تأهل تماما للاندماج مع العالم وهو إجرء يعكس عمق التغيير الذي حدث في البلاد من نظام سلطوي قابض معادٍ للديمقراطية ولحقوق الأنسان إلى حكومة تتصدر أولوياتها حقوق الانسان والانفتاح مع العالم.
كما أستبقت الحكومة أنعقاد المؤتمر بإجازة حزمة من قوانين الاستثمار أبرزها قانون تشجيع الاستثمار وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإقرار نظام النافذة الواحدة للإجراءات، فقد تضمن قانون تشجيع الاستثمار فقرات مرنة ومغرية تحفز على تدفقات الاستثمار مثل الأعفاءات الجمركية والأعفاء من ضريبة الاعمال وميزة منح الارض بجانب حوافز تفضيلية أخرى، فضلا عن تسهيلات الأجانب للإقامة طوال مدة المشروع فمن المتوقع أن تسهم هذه القوانين في تسريع وتيرة الاستثمار الأجنبي الوارد إلى السودان.

على الرغم من أن توقيت المؤتمر يأتي في ظل جائحة كورونا التى أدت إلى أنكماش الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي ولازالت تداعياتها مستمرة الا أن احدث توقعات المؤسسات الدولية ترجح حدوث نمو في الاقتصاد العالمي بنسبة 5,4% للعام الجاري بدعم من استمرار تقلي اللقاحات وصعود اسعار النفط لمستويات تحوم حول 70 دولار للبرميل بجانب حزم الدعم الكبرى في بعض البلدان في امريكا وأوروبا والصين، كما أن الخارطة الاستثمارية عالمياً تبدو مختلة في ظل تضاءل الفرص والقيود الصحية والعائد المحدود للقنوات الاستثمارية سواء في البورصات وتقلباتها أو القطاع العقاري الذي يشهد ركوداً أو حتى قطاعات الصناعة التى تواجه أنكماش أو حتى قطاع السياحة الذي يعتبر أكثر القطاعات ضرراً من جائحة كورونا، وفي ظل هذه التغيرات يبرز السودان كواحد من الدول المتعطشة للاستثمار والتى تتوافر فيها فرص في الاقتصاد الحقيقي بقطاعات متنوعة زراعية وصناعية وطاقة فضلاً عن قطاعات الموانئ والنقل والسياحة وغيرها، ولذا تلوح في الآفق إمكانية للاستحواذ على جزء من الكتلة النقدية الباحثة على الفرص المربحة والعوائد الجيدة هذا إذا صدقت الإرادة وتوفرت الفكرة الذكية، فالسودان يمتلك موارد وفرص استثمارية حقيقة تحتاج فقط لرؤوس الأموال والقوانين المشجعة والإرادة السياسية اللازمة لاحدث تنمية اقتصادية بالشراكة مع الراغبين في الاستثمار والباحثين عن اقتناص الفرص.

وفي ذات السياق فإن من أهداف المؤتمر الرئيسية، مناقشة إعفاء متأخرات ديون السودان حيث تشير التقديرات إلي أن ديون السودان تناهز 60 مليار دولار ويتوقع ان يتم إعفاء نحو 40 مليار دولار وفقاً لبيانات مؤسسة التمويل الدولية ومن المرجح أن يبقي أصل الدين في حدود أقل من 20 مليار دولار وحال حدوث ذلك فإنها ستمثل فائدة تنعكس على السودان إيجاباً من خلال تقليل مخاطر الديون وما تفرضه من قيود على البلاد إضافة إلى فتح قنوات التمويل الدولية للمشروعات الاقتصادية والتنموية وإستعادة الثقة مع الدائنيين في المستقبل، وهذه إجراءات لاغني عنها للتعامل مع العالم، فالدول تحتاج إلى مصادر التمويل لبعض المشروعات العملاقة التى لا تستطيع توفير تمويل لها، وهنا تكمن أهمية بناء علاقات جيدة مع الدائنيين والبنوك ومؤسسات التمويل الدولية.

كما يتيح المؤتمر فرصة كبرى لرجال الأعمال السودانيين وللقطاع الخاص للألتقاء بنظرائهم من مختلف دول العالم، فالقطاع الخاص يشكل ركيزة أساسية في كل دول العالم ويساهم بشكل محوري في التنمية فمن خلال التنافسية وسرعة إنجاز الأعمال وأتاحة فرصة أكبر للعمل وغيرها من الميزات التى يتمتع بها القطاع الخاص فإن مشاركة القطاع الخاص تعتبر فرصة جيدة لبناء شراكات استثمارية مع الشركات العالمية الكبري والدخول في مشروعات مشتركة في مختلف القطاعات، فهناك إمكانية للإستثمار في الفرص المتاحة في السودان وخلق شراكات اقتصادية حقيقية، ذات عوائد اقتصادية حقيقة مجزية لكافة الأطراف، ويجب على القطاع الخاص السوداني اصطياد الفرص عبر إعداد مشروعات مدعومة بدراسات جدوى تفصيلية مقنعة لنظرائهم الاجانب.

ويتيح المؤتمر أيضاً في الجلسه التانيه في اليوم الأول المخصصة للبنوك والتى من المتوقع أن يتحدث فيها محافظ بنك السودان وممثل لأحد البنوك الفرنسية حول الوضع المصرفي والبنوك في السودان من منظور بنك السودان المركزي، يتيح فرصة لاصلاح القطاع المصرفي والمالي فى السودان الاستفادة من التطور الذي حدث في قطاع البنوك والخدمات المالية مما يساهم في دعم المنظومة المصرفية والمالية في السودان من الإندماج مع المؤسسات المالية والمصرفية العالمية علاوة على إعادة الثقة للبنوك السودانية والإستفادة من التطورات المصرفية والمالية الحديثة، ولعل الفرص الأكبر تبرز في إمكانية زيادة تدفقات الإستثمارات الأجنبية المباشرة عبر دخول مصارف عالمية متطورة للسوق المصرفي السودانى
يمثل مؤتمر باريس فرصة ذهبية للطرفين السودان والشركاء الراغبين للأستثمار في السودان، وبالنظر إلى توقيت قيام المؤتمر فإنه يأتي بعد سقوط نظام دموي عاث فساداً واستبداداً وكرتن السودان بعداء واسع أدت لعزلة اقليمياً وعالمياً ولذلك فإن المؤتمر يمثل نقطة تحول جوهرية في عرض وتقديم سودان الثورة أمام العالم عبر برامج اقتصادية وثقافية مما يمثل بداية الانفتاح الفعلي مع شعوب ودول العالم.
نتابع بشغف ونأمل أن يجني السودان ثمار المؤتمر باقتناص الفرص الاستثمارية واستقطاب التدفقات الاستثمارية في مختلف القطاعات بالسودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ