أخبار

مؤتمر باريس لدعم السودان.. ما الجدوى التي ينتظرها السودانيون؟

 

تقرير- سفيان نورين
علّق السودانيين آمالًا عراض على “مؤتمر باريس” لدعم الانتقال في السودان، بأن يساهم في انتشال بلادهم من قاع التدهور الإقتصادي وأن تنعكس نتائج المؤتمر في تحسين الوضع المعيشي عبر جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية بجانب أعفاء السودان من ديونه المثقلة في ظل عودة البلاد إلى حضن المجتمع الدولي ومؤسساته عقب ثورة ديسمبر المجيدة.
نقلة عالمية
يعد المؤتمر الذي اختتم فعاليته “الثلاثاء” في العاصمة الفرنسية باريس، وسط مشاركة وحشد دولي وإقليمي واسع، أضخم حدث سوداني عالمي لدعم البلاد وحشد الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب أن المؤتمر يمثل نقلة كبيرة للسودان من خانة العزلة الدولية سياسيا واقتصاديا إلى الاندماج في المجتمع الدولي، بعد نجاح ثورة ديسمبر في إقتلاع نظام عمر البشير في العام 2019م.
ورغم النجاح الذي حققه مؤتمر باريس منذ الوهلة الأولى لجلساته في إعلان كل من “ألمانيا، ايطاليا، النرويج، فرنسا”، إعفاء ديونهما عن السودان، إلا أن هنالك آراء سلبية صدرت من بعض القوى السياسية خاصة الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني المحلول قللت من جدوى ذلك المؤتمر بدعم الاقتصاد السوداني وانتعاشه.
وكانت الحكومة الانتقالية سبقت قيام مؤتمر باريس، بتحديد فرص وموارد الاقتصاد السوداني وذلك بعرض أكثر من 18 مشروعا حيويا في مجالات: “الزراعة والبنى التحتية، الطاقة، الاسثمار”.
تدفق الاموال
وفي أولى نتائج المؤتمر، تحصل السودان على تعهدات وإعفاءات من ديون ثنائية بقيمة 30 مليار دولار، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده قررت شطب كامل الديون المستحقة على السودان والتي تبلغ نحو 500 مليون دولار إلى جانب تقديم قرض تجسيري بقيمة 1.5 مليار لتسديد متأخرات السودان من الديون لدى البنك الدولي.
إعفاء الديون
إلى ذلك، خصص البنك الدولي 2 مليار دولار للاستثمار في برنامج الصحة والطاقة بالسودان خلال الأشهر العشرة المقبلة، بينما تقدم بنك الاستيراد والتمويل الإفريقي 700 مليون دولار لتمويل مشاريع الطاقة والاتصالات في السودان.
وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن المجتمع الدولي جاهز لمساعدة السودان، بينما جددت الولايات المتحدة موقفها الداعم بإعفاء كافة الديون عن السودان والاستمرار في توفير فرص إستثمار.


رفع القيود
وبحسب القيادي بائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم، عادل خلف الله، فإن السودان ذهب إلى مؤتمر باريس لرفع القيود التي تقف عقبة أمام التعامل المصرفي مع السودان وإنهاء القطيعة التي تسبب فيها النظام البائد طيلة الثلاثون عامًا الماضية، إلى جانب اندماج السودان في العديد من مؤسسات المجتمع الدولي بغية رفع الديون وجذب الاستثمار.
وأكد خلف الله في حديثه لـ(الجماهير)، بأن مؤتمر باريس وضع معالجة نهائية لديون السودان الخارجية وجعل سجله أبيض، لافتًا إلى أن كافة الدول المشاركة في المؤتمر أعلنت إعفاء ديونها على السودان أو دراسة أعفائها، كاشفًا أن أعضاء نادي باريس بصدد اتخاذ قرار بإعفاء ديون السودان خلال شهراً.
حجر زاوية
وأقر القيادي بالائتلاف الحاكم، بانحياز الحكومة الانتقالية للشأن الخارجي على حساب الإصلاحات الداخلية، مطالبًا بضرورة التوازن بين التوجه الخارجي والداخلي معًا، مؤكدًا أن الاستثمار الخارجي مساعد للداخلي الذي هو حجر الزاوية.
وشدد خلف الله على ضرورة الموازنة بين رأس المال الأجنبي والمحلي وأن يتم ذلك على حساب الندية، فضلًا عن الموازنة بين الفرص المتاحة بين القطاع الخاص والعام.
تحدي داخلي
لكن القيادي الإسلامي أمين الأمانة الإقتصادية بحزب المؤتمر الشعبي، أحمد سالم، قلل في حديثه لـ(الجماهير)، من جدوى قيام مؤتمر باريس في ظل التحديات الداخلية التى تواجه الفترة الانتقالية، مستبعدًا نجاح انعكاس نتائج المؤتمر في إصلاح الوضع الاقتصادي في الوقت الراهن أو على المستوى المتوسط والبعيد.
وجزم سالم، بأن متطلبات مؤتمر باريس غير متوفرة لدى الحكومة الانتقالية للاستفادة من المؤتمر، لجهة غياب التحول الديمقراطي والحكم المدني لحكومة عسكرية بمشاركة مدنيين.
وتساءل: “هل هذه الحكومة الانتقالية استطاعت أن تحدث نقلة وإصلاح مؤسسي؟.. حتى يتم الاستفادة من مؤتمر باريس، مؤكدا بأن إعفاء الديون الفرنسية على السودان لا تتم بقرار رئاسي كما حدث في المؤتمر.
استباق المواعيد
ولفت سالم إلى أن التحدي الذي يواجه الحكومة ليس في الخارج، وإنما تحدي داخلي في كيفية تحقيق شعارات ثورة ديسمبر وإجراء مصالحة وطنية تقلل من هامش المعارضة.


ضرورة الايفاء
الخبير الاقتصادي د. محمد الناير، عدّ في حديثه لـ(الجماهير)، مؤتمر باريس خطوة جيدة لإندماج الاقتصاد السوداني المتأزم في الاقتصاد الدولي وتحريك للقطاع المصرفي العالمي في التعامل مع البنوك السودانية، في وقت دمغ الحكومة الإنتقالية بالتباطؤ في إعادة هيكلة المصارف وتوفيق أوضاعها كخطوة أولى قبل انطلاقة المؤتمر.
وأعاب الناير، على الحكومة الانتقالية عدم تسويق المشروعات الخاصة بالاستثمار بصورة جيدة حتى تكون هنالك التزامات قاطعة للاستثمار في مجالات محددة وفقًا لجداول زمنية، وقال “يجب أن لا ننظر لما يعلن داخل المؤتمرات، وإنما بنتائجها وحصادها”.
جدولة الالتزامات
وأوضح د. محمد الناير بأن ما أعلنه الرئيس الفرنسي بإعفاء بلاده ديونها بأنه استكمال لمعالجة ديون البنك الدولي التي بدأتها الولايات المتحدة وبريطانيا سابقًا.
ومضى مشددا: “كان مفترض تكون هناك مواقيت زمنية للدول التي أعلنت إعفاء ديونها على السودان طبقا لالتزامات رسمية وأن لا يخرج الوفد الحكومي السوداني من العاصمة باريس إلا باتفاقيات ملزمة وواضحة”.
ونوه إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه السودان هو اهتمام الحكومة بالشأن الخارجي على حساب القضايا الداخلية، وزاد “كان يجب أن تبحث الحكومة عن معالجات داخلية في بورصة الذهب وحوافز المغتربين، لتخفيف الضغط الاقتصادي، لجهة أن تلك المعالجات بيد الحكومة لا غيرها.
قرار صادمة
وأبدى الخبير الاقتصادي تخوفه من عودة الوفد الحكومي المشارك في مؤتمر باريس، بقرارات صادمة تجاه الشعب السوداني تؤدي بتضيق الخناق على الوضع المعيشي الطاحن.
وحول كيفية استفادة البنوك السودانية من مخرجات المؤتمر، أشار إلى أن هناك مصارف سودانية رؤوس أموالها ضعيفة لا تتجاوز مليون دولار، في ظل تراجع قيمة العملة الوطنية المستمر، مطالبا بأن لا يقل رأس مال البنوك عن 25- 30 مليون دولار في المرحلة الأولى، وأنه في حال عجز المصرف يتم اندماجه في مصارف أخرى.
غير أن الخبير الإقتصادي، عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، التجانى حسين دفع السيد، قلل من جدوى المؤتمر مشيرًا في مقال إلى أن مؤتمرات شركاء السودان الرامية لدعمه تخرج دائمًا بوعود محدودة، ولكن لا ينفذ منها حتى موعد الدورة التي تليها إلا القليل.
وقال “لكي نقيّم دورة مؤتمر باريس 17 -18 مايو، فإننا لا يمكن أن نفصل النتائج عن الثمن الذي يدفعه السودان (صدور قانونين أحدهما يحمل عنوان (الشراكة بين القطاع العام والخاص) و(إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل) وهما تمهيد لسيطرة الشركات الأجنبية على اقتصاد البلاد”.
ورأى أن السودان يمكن أن يستمر في المطالبة بإعفاء جزاءات الديون المتراكمة، وأن يسعى لكسب أصدقاء حقيقيين يساعدونه في ذلك دون قبول التدخل في شؤونه الداخلية من قبل مجموعة لا تتجاوز ديونها على السودان 17 مليار دولار، في إشارة إلى مجموعة نادي باريس.


جملة ملاحظات
أما الخبير الاقتصادي والقيادي بالحزب الشيوعي، د. صدقي كبلو، فأبدى من ناحيته، جملة من الملاحظات حول مؤتمر باريس، لافتًا إلى أن المؤتمر طرح ديون السودان الخارجية في غير مواعيدها المزمعة عقب اكتمال تقرير صندوق النقد الدولي في يونيو القادم، مؤكدًا أن هذا الأمر لن يؤدي لاتخاذ قرار بشأن مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبلك).
نجاح سياسي
وأكد كبلو في حديثه لـ(الجماهير)، بأن إعفاء ديون السودان الخارجية لن يحل مشاكل البلاد الاقتصادية، وإنما يساعد على تخفيفها، مطالبًا بأهمية التركيز على الحلول الداخلية التي تِعد السودان للاستفادة الاقتصادية من أية منح أو قروض.
بيد أن كبلو عاد وقال بأن مؤتمر باريس حقق نجاح سياسي كبير في إحياء ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، أثناء مشاركة شباب الثورة في فعاليات المؤتمر إلى جانب ما استشهد به الرئيس الفرنسي من اشعار محمد المكي ابراهيم واغنيات الراحل محمد وردي لدى مخاطبته المؤتمرين.
وأشار إلى وجود حزمة من العوائق التي تواجه قطاع الاستثمار، خاصة تعدد النافذة الاستثمارية وارتفاع التضخم وسعر الصرف داعيا إلى خلق مناخ استثماري مناسب، وأن المستثمرين لا يقدمون الى السودان بالميزات الاستثمارية وحدها.


انحياز خارجي
وعدّ كبلو حديث محافظ بنك السودان المركزي محمد الفاتح زين العابدين في مؤتمر باريس، بأنه ليس كافيا لجذب البنوك العالمية والتحويلات المصرفية، بينما إجراء مزيد من الإصلاحات الهيكلية في المصارف السودانية بدأً من زيادة رؤوس أموالها واندماجها أو فتحها للمساهمة العامة.
واتهم كبلو، الحكومة الانتقالية بما أسماه بالانحياز إلى محاور خارجية محددة- لم يسمها- على حساب الاهتمام بالسياسات والإصلاحات الداخلية، داعيا إلى الابتعاد عن سياسة المحاور وأن تتم إصلاحات داخلية وفقا لبرنامج الفترة الانتقالية وشعارات الثورة.
شعارات براقة

link
من جهته، قال الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام عبدالوهاب بوب في حديثه لـ(الجماهير)، إن المجتمع الدولي لا يقدم مساعدات حقيقية للدول إلا بوجود تحسن في أداء حكوماتها، لافتًا أن المجتمع الدولي ينتظر إجراء انتخابات تشريعية نزيهة لتكون ضمانة لتقديم مساعدات مالية ومشروعات استثمارية.
ووصف بوب، شعار إعفاء ديون السودان بأنه جميل، إلا أنه مرتبط بشروط عالمية تتعلق بالحكم الرشيد ومحاربة الفساد، وأردف “الفرص والبرامج الاستثمارية التي طرحتها الحكومة الانتقالية كفيلة لإصلاح الوضع الاقتصادي طبقا لأنها متسقة مع الشعارات البراقة”، مؤكدًا أن تلك الشعارات تحتاج إلى التنزيل إلى أرض الواقع.
وأشار إلى الاستفادة من مؤتمر باريس يتطلب إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية بالداخل أولًا.


أولويات الاصلاح
من جانبه، يرى الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي، عاصم إسماعيل، بن مؤتمر باريس من أهم البنود التي اتفقت عليها الحكومة الانتقالية منذ توليها مقاليد الحكم، وأن انعقاد المؤتمر يأتي ضمن أولويات الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة الانتقالية بجانب تحقيق السلام.
وأضاف إسماعيل في حديثه لـ(الجماهير)، بأن المؤتمر يلقي على عاتق الحكومة والشعب السوداني مسؤولية التوافق على برنامج اقتصادي واضح دون أن يكون هناك خلل من جهة (ما).
هدف رئيس
وأكد إسماعيل، بأن مؤتمر باريس حقق الهدف الرئيس من انعقاده وهو إعفاء ديون السودان الخارجية التى تكللت بالنجاح عقب إعفاء فرنسا والنرويج ديونهما على السودان، مما فتح الباب لدول نادي باريس لاتخاذ خطوات مماثلة، مؤكدًا أن ديون المؤسسات الدولية تمضي وفقا لخطة المؤتمر، خاصة فيما يتعلق بمبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك).
دليل استثماري
ومضى بأن السودان هو المستفيد الأول من انعقاد ذلك المؤتمر، وأنه ذهب إلى إلى باريس بأجندة واضحة ودليلا استثماريا، بيد أنه عاد وقال بأن عملية الاستثمار في السودان تتطلب تعديلات في القوانيبن بمختلف المجالات حتى يثبت للعالم بأن السودان الآن ليس ما قبل الثورة.
وطالب إسمايل الحكومة باعتماد خطة داخلية ذات توافق سياسي ومجتمعي، لجهة أن يجد المستثمر بأنه يتعامل مع جسم واحد وليس كتل مختلفة، وتابع “على وزارة الاستثمار وجود نافذة واحدة للمستثمرين وأن تسرع الخطى في أعمال دليل استثماري لضمانات المستثمرين وتسليمه لسفارات السودان بالخارج.
فوائد عدة
في السياق، اعتبرت سميرة يوسف “موظفة” مؤتمر باريس بأنه أكبر حدث للسودان في المحافل الدولية لدعم الاقتصاد الوطني والتطبيع الكامل مع المجتمع الدولي بإعفاء ديون السودان واطلاعه على الفرص الاستثمارية في السودان.
وقالت: “المؤتمر إذا مضى في مساره المنشود سوف يكون له فوائد اقتصادية عدة في تدفق رؤوس الأموال الأجنبية وإتاحة مشروعات استثمارية”.
ودعت يوسف في حديثها لـ(الجماهير)، بأن تستغل الحكومة النجاح الكبير الذي أحدثه مؤتمر باريس والدعم الدولي، في إصلاح الوضع الاقتصادي وقيام مشروعات متعددة تنهض بالاقتصاد السوداني الذي اقعدته سياسات النظام السابق.
وأشارت إلى أن الشعب السوداني صبر كثيرا على الوضع الاقتصادي وأنه يجب أن ينعم بوضع أفضل في ظل الانفتاح العالمي الجديد.
إعاقة الانتقال
بدوره، وصف أيوب عبد الله “تاجر” بأن مؤتمر باريس بأنه قفزة كبيرة للسودان بعودته إلى حضن المجتمع الدولي عقب انعزاله في الثلاثين عاما الماضية، جراء سياسات نظام المؤتمر الوطني المحلول القائمة على المحاور الخارجية ودعم وتبني الارهاب- على حد قوله.
وباهى أيوب في حديثه لـ(الجماهير)، بالحشد الدولي والإعلامي الذي أحدثه مؤتمر باريس ولفت أنظار العالم للسودان، معتبرا من يقلل من جدوى المؤتمر إلا شخص همه إعاقة تطور البلاد.
نجاح للثورة
ولفت بأن مؤتمر باريس يمثل أحد نجاحات ثورة ديسمبر التي من أهم أهدافها إصلاح الوضع الاقتصادي والانفتاح نحو المجتمع الدولي وفقا لمصلحة السودان.
ضجة إعلامية
بالمقابل، قلل عز الدين إبراهيم “طالب جامعي” من أهمية مؤتمر باريس، مبينا أنه لا يختلف عن المؤتمرات السابقة التي لم تحل أزمة السودان وظلت قائمة، مؤكدا بأن عمليات الإصلاح الاقتصادي تبدا بالإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي ومن ثم الدعم الخارجي، مستشهدا بمؤتمر برلين الذي لم تنفذ مخرجات التى أعلنت على أرض الواقع.
وعدّ المؤتمر بأنه ضجة اعلامية تسعى الحكومة عبره لمعالجة اخفاقاتها الداخلية، وأردف “الشعب يريد نتائج ملموسة على أرض الواقع وليس وعودا يصعب تنفيذها حتى انتهاء الفترة الانقالية، ولكن نأمل أن لا يكون مؤتمر فقط والسلام”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى