أخبار

مبادرة حمدوك أضغاث أحلام وجرعات مخدرة لن تفي بغرض فات أوان تغيير العملة السودانية

الخبير الاقتصادي عصام الدين بوب لـ (الجماهير):

قرار الطبيب الخطأ يقتل مريضاً واحداً، لكن القرار الاقتصادي الخطأ يقتل أمة بكاملها

(…) هذه علة الاقتصاد السوداني ونحتاج لفرملة يد مركبة على اربعة لساتك

أجرته – فتحية عبدالله

على الرغم من الإطاحة بحكم الإسلاميين عبر الثورة الشعبية التي اندلعت في ديسمبر 2018، ورغم الأمل الذي ارتسم علي مخيلة السودانيين، إلا أن أوضاع السودانيين الاقتصادية لم تتبدل، حيث بلغ السيل الزبى، وازدادت الأوضاع الاقتصادية اختناقاً، ما أدى إلى انخفاض الجنيه السوداني مقابل أسعار الصرف، ووصل التضخم أرقاماً فلكية، دفع بالحكومة الانتقالية لأن تتخذ سياسات اقتصادية قاسية حيال المواطن، في محاولة منها لتخفيف حدة الضائقة المعيشية لكن هيهات.

(الجماهير) جلست إلى الخبير الاقتصادي، بروفيسور عصام الدين بوب، فكان ما أوردناه بين السطور:

*سنوات ولايزال الاقتصاد السوداني يشهد انهياراً مريعاً، كخبير وأكاديمي اقتصادي، كيف تقرأ الوضع الآن؟

-أولاً، هناك حقيقة لا ينكرها إلا من لا يعيش في السودان، وهي أن الاقتصاد السوداني في حالة انهيار مستمر. هذا لم يحدث فجأة، وإنما مستمر منذ العام ٢٠١٠ وبشكل حاد. في تقديري، لا توجد علة واحدة وإنما مجموعة كبيرة من العلل التي أصبحت مزمنة،أولها السياسات الاقتصادية الخطأ. لعل البعض يتذكر أنني كتبت في الصحف منذ سنوات عديدة أن وزير المالية (يتعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى)، أي علي رؤوس المواطنين السودانيين. ربما لا يتذكر البعض، ولكن طلابي يتذكرون تماماً قولي إن قرار الطبيب الخطأ يقتل مريضاً واحداً، لكن القرار الاقتصادي الخطأ يقتل أمة بكاملها.

*كأنك تريد القول بأن ثمة عشوائية في اتخاذ القرار الاقتصادي، أليس كذلك؟

-نعم عشوائية القرار الاقتصادي هي العلة الأولى، بينما تكمن الثانية في أن متخذي القرار لا ينظرون كثيراً، ولا يقيمون لحياة إنسان السودان وزناً كبيراً. المبدأ الاقتصادي الأول هو رفاهية الإنسان وهذا ليس له وزناً في اقتصاديات رأسمالية متوحشة. سابقاً كان همنا الأكبر هو فساد مؤسسي مستوطن ومزمن، وسلطوية مكنت لرأسمالية عجفاء. أما اليوم، فهو توطين لرأسمالية متوحشة تستولي على كل شيء.

*مؤخراً بدأت الحكومة الانتقالية في تنفيذ سياسات البنك الدولي لإصلاح العملية الاقتصادية، إلى أي مدى يمكن أن يسهم ذلك في تخفيف حدة الانهيار؟

-صحيح الأداة المستخدمة اليوم هي تطبيق سياسات البنك الدولي (بضبانتها) دون النظر إلي قدرة القطاعات الاقتصادية الحقيقية على التعافي والإنتاج. وفور نجاح الثورة نشرت مبادئ للإصلاح، أولها إجراء انتخابات حرة سريعة. حينها كان الهجوم علي قولي هذا عنيف، ونسي الجميع تاريخاً طويلاً من كتاباتي ومبادئي.
اليوم، أصبح الجميع يتحدث عن ذلك كأنها أطروحة جديدة. ثانياً، يجب استرداد كل مواردنا القومية، وبصورة حاسمة وفورية. نعرف جميعا هذه الموارد وكيف أنها كافية لإصلاح وترميم الاقتصاد السوداني ودون الحاجة لجولات باريسية وبرلينية وواشنطونية. ويحضر قول مارتن لوثر كنج: “لا أحد يستطيع امتطاء ظهرك إلا إذا انحنيت له”.
هذا ما يحدث بكل معاني القول، ومن قوى عديدة تنظر بإمعان، وتخطط للاستيلاء على موارد البلاد. ثالثاً وجود حكومة منتخبة من رحم الأمة بصورة حرة وحكم راشد قويم، يلتزم بمكافحة فساد مؤسسي مزمن لا يمكن إزالته إلا بجراحة عميقة استئصالية. رابعاً رد المظالم، وقد طالت أبناء السودان بصورة جائرة ولعقود طويلة من الزمن. إذا لم يحدث هذا، فمن العبث الحديث عن أي إصلاح أو حتى عن وجود البلاد.

*واقعياً، ماذا يحتاج الاقتصاد السوداني من معالجات؟

-يحتاج إلى عمليات استئصالية واسعة وسريعة. على سبيل المثال، تم تطبيق قرار التحرير للدولار والأسعار في السوق، ومعادلة أسعار الخدمات حسب سعر الدولار الحر. لماذا لم يتم التحرير الاقتصادي لحركة المواطن في التجارة الدولية والداخلية وإلغاء كل خزعبلات الضرائب المعوقة والمدمرة لقدرات المواطن، ليس على الإنتاج فقط، بل على القدرة على الحياة؟

*الشهر الماضي، أطلق رئيس الوزراء الانتقالي، الدكتور عبدالله حمدوك، مبادرة لكل القوى السياسية. برأيك هل ستسهم في تخفيف حدة الضائقة المعيشية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تستجيب لمطالب المواطنين؟

-هذه المبادرة أضغاث أحلام وجرعات مخدرة لن تفي بغرض. تلقي الشعب السوداني مثلها الكثير من قبل، وهي مثل قول ماري انتوانيت mange gateau ونحن لا نجد الخبز. لا يعني ذلك أننا لم نلتق مساعدات، ولا أننا ليست لدينا موارد. بل يعني أننا ليست لدينا كفاءة أدارية. الأزمة الاقتصادية كبيرة جداً، ولا يمكن أن تحلها مثل هذه الأحلام الوردية. لا يمكن أن أقول إنه ستكون لها أي مساهمة في احتواء الأزمة الاقتصادية، دعونا ننظر إلى الانخفاض النسبي في سعر الدولار، هل ساهم في تخفيض حدة الغلاء والتضخم؟ أقول وأعلن: لا ثم لا.

*واضح أنك تتفق مع الذين يقولون إن الأزمة الاقتصادية تحتاج لقرارات جريئة وليس مبادارت؟

-نعم حل الأزمة الاقتصادية يحتاج لقرارات جريئة وعمليات استئصال، وفوق كل ذلك يحتاج إرادة وطنية وتوطيناً لمبدأ المسؤولية والمحاسبة الفورية.

*لمرتين متتاليتين، دخلت حكومة عبدالله حمدوك في اعتكاف لأ يام من أجل الخروج بحلول للأزمة الاقتصادية، ولايزال الوضع في تفاقم مضطرد، كيف تقرأ هذه الخطوة؟

-أضحك وأقول بالدارجي: غلبتهم. من الواضح أن العشوائية تهيمن على الساحة الاقتصادية. في العهد السابق، كانت الحكومة تعيش بمبدأ رزق اليوم باليوم. اليوم تعيش رزق الساعة بالساعة، الإدارة تحتاج ليد قوية، لها روح وطنية وغريزة مرهفة تم شحذها من معاناة من يعيش في السودان ويحس بآلام أبنائه، وذاق وطأة الجوع مثلهم.

*كثر الحديث عن اتجاه حكومي لتغيير العملة السودانية، هل يسهم هذا في معالجة الأزمة الاقتصادية؟

-صحيح جداً. لكنني أعتقد أن الوقت فات على ذلك، لأن تغيير العملة أو حذف صفرين منها لن يغير شيئاً، لكنه يمثل كوابح لمنع مزيد من الانهيار الاقتصادي. نحتاج لفرملة يد مركبة على أربعة لساتك. وهذا له معان يعرفها كل من يقرأ بين السطور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ