رأي

محمد حسن مامادو يكتب: أشياء بسيطة.. صرخة من أجل البيئة 

مع انعدام الوعي البيئي، وانشغال الإنسان بالأولوية القصوى للبقاء، وغياب المؤسسات التي تحمي الغابات، وتجاهل المخاطر المستقبلية للسلوكيات التدميرية ضد البيئة؛ فالكارثة كبيرة والمخاطر المستقبلية أكبر.

أولًا: (لقد ثبت بالتجربة أنه لا شيء أقوى أثرًا من البيئة إلّا العقيدة).

عند مغادرتي السودان، بعد أربعة أشهر من اندلاع الحرب اللعينة، مررنا في رحلتنا تلك بالمناطق الجنوبية لولاية شرق دارفور (الصعيد رأس النبي) حيث الغابات الكثيفة حتى حدود دولة جنوب السودان، عادت ذاكرتي إلى منطقة “أم راكوبة” وغاباتها ومنطقة “الغزالة جاوزت” التي تعرضت غاباتها لأضرار بيئية كبيرة نتيجة تدمير الأشجار، وتخيلت ما يمكن أن يحدث من اعتداء على هذه الثروة الغابية العظيمة في ظل هذه الحرب، ومع انعدام غاز الطبخ وبدائله تخيلت ما سيرثه الأجيال من هذا الخراب..

المواطن في السودان عمومًا وفي دارفور على وجه الخصوص؛ مشغول بصراعات البقاء، وهناك صمت مرعب يلف البيئة خصوصًا تدمير الأشجار لأغراض الطبخ والبناء. فالغابات -تلك الرئة الخضراء للمنطقة وأعني دارفور وشرق دارفور على وجه التحديد-  تعرضت من قبل لاعتداءات ممنهجة بسبب كونها موردًا اقتصاديًا يدر أموالًا لمؤسسات وشخصيات نافذة بعينها، دون مراعاة لأي مخاطر مستقبلية محتملة، وتضاعفت الكارثة مع الحرب. 

ومع انعدام الوعي البيئي، وانشغال الإنسان بالأولوية القصوى للبقاء، وغياب المؤسسات التي تحمي الغابات، وتجاهل المخاطر المستقبلية للسلوكيات التدميرية ضد البيئة؛ فالكارثة كبيرة والمخاطر المستقبلية أكبر.

فوق ذلك كله، يعايش الناس منذ سنوات هموم التغير المناخي الذي يضرب العالم، والذي لم يظل مجرد تحذير بل أصبح واقعًا مريرًا يداهم المجتمعات، وبات التغير المناخي يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، وفي السودان حيث كانت آثاره تتفاقم بشكل متسارع، جاءت الحرب لتضيف طبقة جديدة من التعقيد والمعاناة البيئية.

التغير المناخي الذي يتجلى في ارتفاع درجات الحرارة وتغيير أنماط هطول الأمطار وزيادة موجات الجفاف، يتفاعل بشكل مأساوي مع تداعيات هذه الحرب. هذا التزامن بين التغير المناخي والحرب وآثارها؛ يخلق حلقة مفرغة من التدهور البيئي، فكلما زادت حدة التغير المناخي، تفاقم الضغط على الموارد الطبيعية والذي يؤدي بدوره إلى خلق  صراعات أخرى.

إن هذا التداخل المعقد بين التغير المناخي والحرب يشكل تحديًا مزدوجًا، يتطلب استجابة شاملة تتجاوز مجرد وقف الحرب، فالحاجة ملحة لمعالجة كلا التحديين بشكل متزامن لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة في السودان.

أخيرًا: (فالسلام لم يعد مجرد مسالمة بين البشر والبشر، بل هو في الأساس مسالمة واجبة بين البشر والأرض، لأن الحرب على بيئة الأرض هي مأساة سرمدية، بينما مآسي أشد الحروب فتكا في تاريخ البشرية يمكن للزمن أن يتجاوزها).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى