أخبار

مقتل ديبي، ومنعطف المعارضة التشادية نحو السلمية

عبدالله رزق
abusimazeh@yahoo.com

لازالت المعارك مستمرة، لليوم العاشر على التوالي، بين القوات الحكومية، ومتمردي الوفاق والتغيير، في كانَ، في شمالي البلاد، منذ أن تراجع المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى حكم البلاد بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي، عن إعلانه الصادر في ٢٠ أبريل، بشأن الدعوة لحوار شامل، يضم كل التشاديين، في الداخل والخارج، من أجل إعادة بناء تشاد. يشير استمرار المعارك منذ ذلك الحين، حتى الثلاثين من أبريل، إلى  وجود مقاومة من قوات الوفاق والتغيير، رغم تقهقرها، إثر غارات الطيران الفرنسي، بعد مقتل ديبي، ووقف تقدمها تجاه العاصمة، التشادية، انجمينا. وعدم تمكن القوات الحكومية من القضاء عليها وتدميرها، بالكامل، وفي وقت أعلنت فيه قوى متحالفة، تضم اربع جماعات مسلحة عن عزمها التحرك باتجاه انجمينا. غير أن ذلك التطور لا يعكس مجمل صورة الوضع السياسي، فيما بعد  إدريس ديبي. أهمه بروز المعارضة السلمية، الديموقراطية، بقوة في مسرح الحدث.
فبعد عديد المحاولات الفاشلة لإسقاط حكم إدريس ديبي، عن طريق الثورة المسلحة، التي يقوم بها قلة من الرجال الشجعان، كما كانت بداية الثورة الكوبية من جبال سييرا مايسترا. ووقعت أبرز تلك المحاولات الجسورة، أعوام ٢٠٠٦ و٢٠٠٨ و٢٠١٩، فقد المعارضة التشادية للنضال السلمي، الذي أثبتت ثورة ديسمبر السودانية، جدواه وفعاليته، إسقاط نظام شمولي مزمن، شبيه بنظام المشير إدريس ديبي، الذي جثم عقودا ثلاثة، فوق صدر الشعب التشادي، كما فعل نظيره نظام المشير البشير.
وخلال المنازلات الجسورة المشار إليها، برزت فرنسا كعامل حاسم في إجهاض كل التحركات العسكرية للمعارضة، والتي انطلقت أكثر من مرة، من شرقي البلاد، على تخوم الحدود السودانية، وبدعم من النظام الحاكم في الخرطوم غالبا، ومنذ ثورة ف ولينا، في منتصف القرن الماضي.
أدى بروز دور فرنسا كراع وحام لنظام إدريس ديبي، إلى وضع قضية الاستقلالية والسيادة الوطنية، تحت دائرة الضوء، جنبا إلى جنب، المطالب الشعبية للحركة الاحتجاجية.
لايمكن التاريخ لحركة السلمية التشادية المتنامية، بالربيع العربي ٢٠١١ أو الربيعين، الجزائري والسوداني في العام ٢٠١٩، أو مشروع ربيع مالي ٢٠٢١، دون إسقاط العوامل الداخلية للاحتجاج والتقاليد النضالية للشعب التشادي، وان تعذر  إنكار تأثير هذه الحركات في البلدان المجاورة.فقد تلاحظ أن ثمة صلة وثيقة بين بروز تجمع المهنيين التشاديين، مطلع مايو ٢٠١٩،وهو يحض التشاديين، على النضال السلمي لإسقاط حكم إدريس ديبي، تحت شعار :”يمرق بس”، ونموذج تجمع المهنيين السودانيين، رأس الرمح في ثورة ديسمبر المجيدة. ومع ذلك، يمكن رصد تصاعد هذا الحراك، مع إعلان ديبي، ترشحه للحصول على ولاية سادسة، مطلع عام ٢٠٢١، كمنعطف مهم في تطور حركة المعارضة السلمية في هذا البلد. وقد اتخذت معارضة هذا التوجه أشكالا شتى من الاحتجاج، والذي بلغ ذروته، في دعوة ائتلاف أكثر من ٣٠ حزبا، لمقاطعة الانتخابات، وللتظاهر، الذي قابلته السلطة بعنف مفرط.
وعقب مقتل ديبي، يوم إعلان فوزه في الانتخابات، مع تجدد الاشتباكات مع المعارضة المسلحة في الشمال، كثفت المعارضة، نشاطها، مرة أخرى، في مواجهة إجراءات الانتقال، التي أعلنها مجلس عسكري،برئاسة نجل ديبي، انتزع السلطة، وحل الحكومة والبرلمان وألغى الدستور، حيث أكدت رفضها للحكم العسكري وللتوريث الذي ينطوي عليه، مثلما رفضت التدخل الفرنسي في شؤون البلاد، ودعت إلى حكم مدني. وهو أمر قابلته السلطة الجديدة، بقيادة الجنرال محمد إدريس ديبي، بمزيد من  العنف ومزيد من القمع في شوارع انجمينا وغيرها من المدن التي شهدت احتجاجات واسعة، للتعبير عن هذا الموقف المعارض. وأدى سقوط قتلى لايقل عددهم عن ٧ بجانب جرحي، خلال المواجهات بين أجهزة الأمن والمحتاجين، إلى تخلي فرنسا، علنا، عن موقفها الداعم للمجلس العسكري الانتقالي، وتنديدها، بلسان الرئيس إيمانويل ماكرون، بعنف الأجهزة الأمنية في مواجهة الاحتجاجات السلمية. ونفى ماكرون مزاعم تأييد فرنسا للتوريث أو الخلافة، وللحكم العسكري، مشددا على تأييد بلاده انتقالا سلميا ديموقراطيا شاملا. لقد ارتكز نظام ديبي في بقائه واستمراريته، ، إلى حد كبير، على القمع الداخلي، وعلى الغطاء الفرنسي. ومع انحسار الدعم الخارجي، ستتنامي السلمية، ويعاظم أثرها في تحييد قدرة بقايا النظام على استخدام العنف المفرط لقهر المواطنين وقمع احتجاجاتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ