رأي

من يخلف إدريس ديبي على حماية المصالح الفرنسية في الساحل الأفريقي؟

عبدالله رزق
abusimazeh@yahoo.com

اذا صح خبر انسحاب الجنود التشاديين، وعددهم ١٢٠٠ جندي، والذين دفع بهم الرئيس إدريس ديبي، مؤخرا، إلى منطقة الحدود الثلاثة، بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي، حيث تدور أشرس معارك الحرب التي تقودها فرنسا ضد الجهاديين في الساحل الأفريقي، فإن ذلك يعتبر ضربة قاسية لفرنسا، ولحلفائها في الحرب على الإرهاب، لا تقل قسوة عن فقدان المارشال ديبي  نفسه، الذي أدى، بغير منازع، دور الشرطي الإقليمي، في الساحل.فهو لم يكتف بحروبه الداخلية، وإنما تعدادها إلى دول الجوار مثل السودان، وأفريقيا الوسطى، مثلما قدم نفسه بنجاح كحام مخلص للمصالح الفرنسية في بلدان الساحل، الغنية بالذهب والبترول، واليورانيوم والماس.

وكانت هذه القوات، التي بدأ نشرها، بعد مؤتمر مجموعة الخمسة الساحلية، وفرنسا، والتي استضافتها العاصمة التشادية، يومي ١٥ و١٦ فبراير الماضي، قد دشنت وجودها على الأرض بفضيحةاغتصاب نسوة في بلدة في غربي النيجر، اعترفت بها القوات الساحلية كما اعترفت بها تشاد، توقعت جريدة لوموند الفرنسية، أن تتسبب هذه الحادثة في اصعاف  هذه  القوات المشتركة.

أن انسحاب التشاديين من تلك الجبهة، بجانب غياب الرئيس ديبي، الفجائي، المثير للجدل، يمكن أن يرهص ببداية تفكك هذه الجبهة، من جبهات الحرب العالمية، على الإرهاب،ومقدماته، وسيناريوهاته، واهمها:-

١- انسحاب فرنسا من الحرب، تحت ضغط الرأي العام الفرنسي، وقلقه إزاء الخسائر البشرية المتزايدة في صفوف القوات الفرنسية، في وقت تتضاءل فيه احتمالات رؤية انتصار حاسم على القوى الجهادية المنخرطة في القتال في عديد الجبهات، وقد كشفت فرنسا عن تصميم مماثل، في وقت سابق.ويبدو أن فرنسا، تبحث عما تعتقده انسحابا مشرفا، كانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، أو انسحابها – من قبل-من الصومال بدون اتفاقات مسبقة أو زخم اعلامي.

٢-اسناد مهمة وعبء الحرب بالكامل للحلفاء الأفارقة، بنتيجة الانسحاب، بعد ان فشلت فرنسا في تأمين دعم أوروبي واممي لقوات مجموعة الخمسة الساحلية، مطلع ٢٠١٤، على الرغم من الضعف البائن للجيوش المحلية، عدا الجيش التشادي، في مواجهة الحركات الجهادية، التي توحدت اربع من فصائلها الرئيسة في حركة نصرة الإسلام والمسلمين، عام ٢٠١٧

لايتعلق الأمر بضغط الرأي العام الفرنسي، وإنما يتعلق، أيضا، بتبلور رأي عام في بلدان الساحل ضد فرنسا، وتصاعد نبرة شعبية للمطالبة بخروج القوات الفرنسية، والأجنبية الأخرى، من المنطقة، بعد فشل هذه القوات في تأمين السكان المدنيين، في مواجهة هجمات الجهاديين.

٣-تشجيع اي تسوية متفاوض عليها، لإنهاء الحرب، بين الحكومات الساحلية الحليفة والجماعات الجهادية. وقد عبر الرئيس المالي السابق، براهيم بوبكر كيتا، عن هذا التوجه، بقوله، انه” لا تناقض بين الحوار مع الجهاديين، ومحاربة الارهاب”.

وقد خطأ قادة انقلاب أغسطس، في مالي، الذين أطاحوا بحكم الرئيس المنتخب كيتا، وشكلوا مجلسا انتقالي لإدارة البلاد، خطوة في التواصل مع الجهاديين، تمخضت عن صفقة للإفراج عن العشرات من الجهاديين، مقابل ناشطة فرنسية ومعارض مالي، نأت فرنسا بنفسها عنها.ومع ذلك فان الراجح أن فرنسا لم تمنع وقوع الانقلاب، ولم تعارضه، ويمكن ان يقال ذلك، بشأن مايعتقد البعض انه انقلاب عسكري على حكم الرئيس ديبي.

في واقعة الانقلابين، مايشي بأن فرنسا، لا تأبه بالحريات والديموقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، خارجها، أو خارج حدود الاتحاد الأوروبي، في أحسن الاحوال، قدر اهتمامها بتأمين مصالحها في المنطقة. لذلك لم تجد فرنسا حرجا في دعم انقلاب يقطع الطريق أمام حراك شعبي، ينظمة تحالف سياسي عريض، يتقدمه الداعية الإسلامي، محمود ديكو، الملقب بالخميني المالي، والذي يوشك أن يطيح بحكم الرئيس كيتا، في وقت فشل فيه الجيش المالي، وحلفاؤه، في الحد من تقدم الجهاديين، الذين أصبحوا يسيطرون على ثلثي البلاد، وفق افادة الرئيس النيجيري، محمدو بهاري،في سياق تعليق له على الانقلاب، بأن واجب العسكريين، ضمن الظروف التي تعيشها مالي، هي تأمين بلادهم، لا التطلع للحكم.

من المنطلق ذاته، أيدت فرنسا إجراءات الانتقال، التي أعلنها مجلس عسكري انتقالي تولى  السلطة في تشاد، بعد مقتل ديبي، والتي شملت إلغاء الدستور، وحل الحكومة والبرلمان، والتي رأت فيها المعارضة التشادية الديموقراطية، انقلابا مؤسسيا، وتوجها نحو توريث الحكم، في إشارة لتولي محمد إدريس ديبي، رئاسة المجلس العسكري الحاكم، خلفا لوالده، وبالمقارنة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، قد اشترطت تأييدها لإجراءات الانتقال بمطابقتها للدستور. وقد ألغى المجلس العسكري الدستور، الذي ينص على شغل رئيس البرلمان منصب رئيس الجمهورية، حال خلوه، لتسعين يوما، يجري خلالها انتخاب رئيس جديد، الأمر الذي يثير سؤال الشرعية في مواجهة الحكم العسكري الانتقالي .

لكن مقتل الرئيس التشادي يثير العديد من التساؤلات الاضافية في مواجهة فرنسا، التي امتنعت عن التدخل، مثلما كانت تفعل في أوقات سابقة، لحماية الرئيس وحكمه، من خلال ضرب طوابير المعارضة المسلحة، وهي في طريقها للعاصمة، بالطيران. ماهو اكيد، حتى الآن، هو ان فرنسا، ماكرون، لم تفعل اي شيء لصد هجوم قوات الوفاق والتغيير، الذي قتل خلاله الرئيس ديبي، وفق الروايات الرسمية، الذائعة.ولان الشيئ بالشيء يذكر، فان فرنسا “لم تفعل شيئا” لوقف المجزرة الوشيكة في رواندا. هذا ماخلص إليه تقرير شركة محاماة أمريكية، بتكليف من حكومة رواندا، تزامن نشره مع مقتل إدريس ديبي، حيث أشار لمسؤلية فرنسا عن الإبادة الجماعية  التي راح ضحيتها اكثر من ٨٠٠ الف شخص.

من المفارقة، أن الإجراءات الاحترازية من كوفيد-19،التي فرضها ماكرون على شعبه، ولم يستثن منها نفسه، حسب مزاعم الإليزيه، لتبرير امتناعه عن حضور قمة الخمسة الساحلية في انجمينا، منتصف فبراير الماضي، لم تمنعه من المجيء للعاصمة التشادية، والمشاركة في تشييع ديبي.

وقد رات بعض المصادر الإعلامية، في غياب ماكرون من قمة جي٥، تعبيرا عن تباعد بين الرئيسين، التشادي والفرنسي، ماقد يشي بأن ديبي قد استنفد أغراضه، كما كان الحال بالنسبة للرئيس المالي السابق، وتحول إلى عبء لم تعد فرنسا قادرة على تحمله،وبالتالي، حتمية تخليها عن حمايته وحماية نظامه. ويبدو أن الأقدار كانت كريمة على باريس، بتخليصها من ديبي، بطريقة غير متوقعة. غير أن غياب إدريس ديبي، وإبراهيم بوبكر كيتا(مالي) ، ومحمدو ايسوفو(النيجر) ، وقد يلحق بهم فوستان ارشانج تواديرا (أفريقيا الوسطى) ، في أقرب فرصة، تم ويتم في سياق تأمين أفضل الشروط لضمان حماية فعالة للمصالح الفرنسية، في القارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ