أخبار

مواكب ٣ يونيو…. حساب الحقل، وحساب البيدر..!

بقلم:عبدالله رزق
abusimazeh@yahoo.com
تباينت صحف الجمعة في عكسها صورة مواكب الخميس ٣ يونيو، التي شهدتها العاصمة ، الخرطوم، مثلما شهدتها العديد من مدن الأقاليم، لإحياء ذكرى فض الاعتصام السلمي أمام القيادة العامة بالخرطوم، في ٢٩ رمضان الموافق ٣ يونيو ٢٠١٩،والذي راح ضحيته العشرات من المواطنين. ومع ذلك، فإنه مامن وسيلة إعلامية عمدت إلى تقدير عدد المشاركين في تلك المواكب، وفي العاصمة، بشكل خاص. فالحديث عن الآلاف أو  جماهير غفيرة، لا يعطي معنى محددا، يمكن أن يشاركه جميع المتلقين. كما أن تلك المنابر، طبيعة القياسات التي اعتمدتها، للتقرير بشان تواضع المشاركة،واي مشاركة سابقة منسوبة إليها. وهو نقص ملحوظ،او فجوة معلوماتية بارزة في التغطية الصحفية، وقد تكرر  الأمر، على نحو واضح منذ بداية الثورة. وفي حين تمتنع التغطيات الخبرية، وفق قواعد الكتابة الصحفية، عن استخدام الاوصاف في رسم صورة موكب أو تظاهرة ما، بأنها حاشدة أو مليونية أو ضعيفة المشاركة الشعبية، فإن أجهزة الإعلام الغربية، تعتمد تقديرين، لحجم المشاركة في الحدث، (كالتظاهرات الدورية لأصحاب السترات الصفراء، في فرنسا، مثلا،) أحدهما تقدير الجهة المنظمة، والتي لها تصور  مسبق لحجم المشاركة، والذي يقرر نجاح المناسبة، من عدمه، وثانيهما، تقدير الشرطة، والتي تحشد وفقا له قوتها وامكاناتها، لمواجهة الوضع وتطوراته المحتملة.
لتقدير حجم المشاركين في موكب ما، مثل موكب ٣ يونيو بالخرطوم، أهميته السياسية، لجهة قياس قدرة المنظمين، أحزابا ومنظمات مجتمع مدني، في التعبئة والاستنفار والتنظيم والقيادة الميدانية، ومدى قدرتها على تحريك الشارع والسيطرة على اتجاهاته.فالدعوة إلى تظاهرة مليونية، والتي أصبحت ظاهرة متكررة، في فضاء السوشال ميديا، لسهولة إطلاق مثل هذه الدعوة، ومواتاة الشرط السياسي، لذلك، وإمكانية استغلال المناسبات أو المطالبات الشعبية المشروعة والملحة، فيما يحدد عنوانها الرئيس، ضمنا، وبصورة عامة، سقف الطموح الذي تطمح في بلوغه على الأرض، والذي يوفر اداة لقياس نجاح الدعوة. لكن، غالبا، ما يتم تجاهل التحقق من ذلك،وتجاهل مايقتضيه الموقف، حال تقاصر حجم المشاركة عن السقف المعين، من بحث عن الأسباب، لتفاديها لاحقا. بنظرة عابرة للتاريخ القريب، يمكن ملاحظة أن تعبير “المليونية”، للدلالة علي نوع من التحشدات الشعبية، هو توصيف جزافي وثيق الصلة بحزب الإخوان  المسلمين،  اسبغوه  على مظاهراتهم المؤيدة لنظام جعفر نميري، بمناسبة تطبيقه ما تواضعوا عليه باسم الشريعة الاسلامية.
بعيد ظهيرة مليونية ٣ يونيو ظهرت القوى السياسية، التي تنادت للمواكب، منقسمة، في الشارع، بين من يدعو للإسراع في تطبيق، ومن يدعو لإسقاط النظام، ومن يندد بالأحزاب.
ولذلك فقد افتقر الشارع للقيادة الموحدة، ووحدة الهدف، ما انعكس في ضعف المشاركة، مقارنة بمواكب سابقة تمت تحت عنوان المليونية، نفسه. ويمكن رد الأمر، إلى أن خروج المليونيات، الذي كاد يتحول إلى موضة سياسية، وعلى الرغم مما تتوسل به من شعارات متفق عليها، الا انها تتخذ طابع المبادرات الفردية، والتي تتم في إطار تسابق  بين القوى السياسية، لتأكيد قيادتها للشارع وسيطرتها عليه، وتسجيل نقاط تفوق على حساب الآخر المنافس، كاولوية، لذلك افتقرت، في هذا المناخ من التدافع السلبي، للتنسيق، فيما بينها، وانعكس الأمر،في واقع المشاركة نفسها، كضعف ملموس، وبالنتيجة،  ضعف تأثيرها المحتمل على السلطة الحاكمة، أيضا.
خلال العامين الماضيين، اللذين شهدا ازدهارا في التظاهر والتحشدات الشعبية، لم تتوفر إحصاءات أو تقديرات موضوعية، أو موثوقة عن حجم المشاركة الشعبية، في تلك الفعاليات، ومكوناتها، والعناصر الناشطة فيها، وتوجهاتها، السياسية والفكرية،ومدي قبول الشارع لها، وتجاوبه مع شعاراتها.
ومع النجاح  النسبي، الذي حققه الموكب في العاصمة، غض النظر عن حجم المشاركة الشعبية فيه، باسماع صوت المواطنين للحكومة، وفق بيان لمجلس الوزراء، ومحافظة المشاركين على سلمية الموكب حتى النهاية، رغم التفلتات التي ابتدرتها عناصر معادية، أشار إليها البيان، بلغت ذروتها في إطلاق النار على شرطي، يقوم بواجبه في تأمين الموكب، فإن مساءلة أحجام المواطنين عن المشاركة الواسعة في الموكب، أمر لامناص منه، لأجل تحديد ما إذا كان الظرف الموضوعي والتوقيت غير مواتيين، وما إذا كانت الجهة المنظمة، تفتقر للخبرة الكافية، والحساسية الضرورية للتعامل مع الجماهير، ومزاجها السياسي، أو أن الشعارات أو الاهداف التي يجري تنظيم الفعالية باسمها، تنقصها القدرة  التعبوية وطاقة التحريض على الفعل الثوري، كذلك لابد  من التقصي بشأن جدوى وفعالية وسائل التعبير والضغط الشعبين، المجربة، عما إذا كانت قد استنفدت طاقتها، أو أنها قد  ابتذلت من بعض القوى المعادية، ولم تعد تصلح لاستنهاض الجماهير..
https://m.facebook.com/aljamaheersd/
https://www.aljmaheer.net/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى