أخبار

هل خسرت فرنسا حربها على الإرهاب في الساحل الأفريقي؟!

بقلم:عبدالله رزق

abusimazeh@yahoo.com
قبل يوم من وصول وزير خارجية فرنسا، إلى واغادوغو، لإظهار تضامن باريس مع بوركينا فاسو، التي شهدت أسوأ هجوم إرهابي، منذ أكثر من أربع سنوات، على إحدى القرى، في منطقة الحدود الثلاثة، أودى بحياة أكثر من مائة شخص، أعلنت فرنسا عمليتها العسكرية المعروفة باسم (براخان)، في إطار الحرب على الإرهاب، التي بدأت منذ عام ٢٠١٧، بتدخل عسكري في مالي. ولم ينتظر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تبني الحكم العسكري، بقيادة العقيد اسيمي غويدا، للإسلام المتطرف، كما هدد في وقت سابق، لإعلان إنهاء العملية العسكرية الفرنسية، والوجود العسكري، في مالي، حيث “لم تعد هناك ديموقراطية ولا انتقال”، حسب ماكرون، في تعليقه على الانقلاب الثاني للعقيد غويدا، والذي تولى بموجبه رئاسة البلاد. لكن الإليزيه، لم يشر من بعيد او قريب، لصلة الموقف الفرنسي من الحكم في البلد الحليف، بروسيا، التي تدخل حلبة المنافسة مع فرنسا، في أفريقيا، مثلما برر موقف فرنسا، من بلد حليف آخر، هو جمهورية أفريقيا الوسطى، وكانت أجهزة الإعلام الغربية قد الحت في الإشارة إلى أن العقيد اسيمي غويدا، قد عاد لتوه من دورة تدريبية في روسيا، لينفذ انقلابه الأول، في ٨ أغسطس، الذي أطاح فيه بالرئيس المنتخب آبراهيم بوبكر كيتا، ربما الإيحاء بوجود إياد روسية في الانقلاب. ففي الوقت نفسه، الذي صعدت فيه باريس خلافها مع مالي، قررت قطع معونة مالية لجمهورية أفريقيا الوسطي، وقد سبق القرار اتهام فرنسا، لرئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستان ارشانج تواديرا، بالوقوع في  أحضان روسيا. حدث هذا التطور، بعد تدهور سريع في علاقات بانغي مع تشاد، إثر قيام قوات جمهورية أفريقيا الوسطى، مدعومة بقوات روسية، ربما تكون تكون تابعة لمنظمة فاغنر، بمهاجمة قرية تشادية على الحدود، خلال مطاردة لعناصر متمردة مدعومة من القوات الحكومية التشادية. واتهمت انجمينا قوات أفريقيا الوسطى وحلفائها الروس، باختطاف خمسة جنود تشاديين، وتصفيتهم. وظلت أفريقيا الوسطى، منذ بعض الوقت تتهم كلا من تشاد وفرنسا، بدعم المعارضة المسلحة، والتي توحدت على أنقاض صلح الخرطوم في فبراير ٢٠١٩، تحت قيادة الرئيس الأسبق، فرانسوا بوزيزيه، للإطاحة بحكم تواديرا. وفيما لم يتضمن التصعيد الفرنسي توجها نحو سحب القوات الفرنسية من جمهورية أفريقيا الوسطى، فإن موقع تشاد هنانا، أكد أن إنهاء عملية برخان، لايعني إنهاء الوجود العسكري الفرنسي، للقوات البالغ عددها ٥١٠٠٠، وتوجد رئاستها، في تشاد، بقدر ما تعني التخفيف من بعض الأعباء المرتبطة بالعملية، وبادآعادة انتشار القوات الفرنسية في المنطقة.
لم يكن إنهاء عملية برخان، مفاجئا، فقد ظل مطروحا في العلن، ولم يكن ينقصه سوى التوقيت والمبررات والذرائع.ربما كان نموذج الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ملهما للقادة الفرنسيين، لكن ثمة أسباب موضوعية للقرار، الذي تأخر صدوره لبعض الوقت. يأتي في مقدمة الأسباب، العجز عن تحقيق انتصار حاسم على الجهاديين، في بلدان الساحل، وبالمقابل، سيطرة وتوسع نفوذ الجهاديين، في العديد من البلدان، لا سيما مالي وبوركينا فاسو، حيث أصبحت أجزاء واسعة من البلدين خارج سيادة السلطة المركزية. ثم تزايد الخسائر البشرية في صفوف القوات الفرنسية، الأمر الذي كان مصدر قلق للرأي العام الفرنسي، واصبح مصير برخان مطروحا على طاولة التداول العلني. وفي ذات الوقت، تعالت النبرة المعادية الفرنسيين في بلدان الساحل، بسبب عجز القوات الفرنسية وحلفائها في حماية المدنيين. وقد فشلت فرنسا في تأمين دعم فعال، أوروبي واممي، لتحالف مجموعة الخمسة الساحلية، التي تضم كلا من تشاد، والنيجر، ومالي، وموريتانيا، وبوركينا فاسو، في مواجهة التنظيمات الجهادية، التي وحدت صفوفها، هي الأخرى، في جبهة نصرة الإسلام والمسلمين. وفي مقابل الدعم الذي كانت تتطلع له قوى تحالف جي 5، كان خيار فرنسا، هو تقليل وجودها العسكري على الأرض، تدريجيا، ونقل عبء المواجهة مع الجهاديين، كليا، لبلدان الساحل الأفريقية، والتي أظهرت قواتها، ضعفا شديدا في مواجهة الجهاديين، والذين، أصبحوا يتهيأون، حسب المصادر الفرنسية، لتوسيع نطاق عملياتهم، لتشمل قسما من كوت ديفوار، والسنغال، وربما بنين.
تحدث هذه التطورات، في وقت تشهد فيه الجبهة غياب أقوى حلفاء فرنسا في المنطقة، هو الرئيس إدريس ديبي، والذي وضع مقتله البلاد على عتبة انتقال، كالذي تعيشه مالي. ومن شأن الانشغال بالسيطرة على تطور الأوضاع الداخلية عقب مقتل ديبي، وقيام حكم عسكري، برئاسة نجله، محمد إدريس ديبي، أن بحجم دور تشاد، وان مؤقتا، في الحرب على الإرهاب بعيدا عن حدودها. إذ تواجه تشاد بجانب المعارضة المسلحة، في شمالي البلاد، جهادي بوكو حرام، وداعش على شواطئ بحيرة تشاد.
ربما يكون سابقا لأوانه التقرير بشأن هزيمة فرنسا في حربها على الإرهاب في الساحل، إذ لم تتنه الحرب بعد، ولم تتخل فرنسا عن مصالحها الحيوية، في المنطقة. قد تكون خسرت معركة، على رأي ديغول، لصالح روسيا، من جهة، ولصالح الجماعات الجهادية، من الجهة الأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى