رأي

بتول المسلمي تكتب: ما وراء  ما وراء الطبيعة

بتول المسلمي

عرضت منصة (نتفليكس)، الأسبوع الماضي، مسلسلاً مستوحىً من مؤلفات  أحمد خالد توفيق، تحت عنوان  (ما وراء الطبيعة) .

أيقظ ذاكرتي ومثل آلة زمن خفية، أرجعتني عند سنّ الحادية عشر، فتاةٌ نحيلةٌ تحمل كتباً مُثقلة بعناوين كبيرة، (الحرب مع إيران، الإعلام في الشرق المتوسط، الإسلام السياسي …الخ).

 تعجبني طريقة القراءة دون أخطاء، رغم أنني لا أفهم جُلّ ما أقرأ، وبنهاية الأمر أشعرُ بالملل من مكتبة والدي الكبيرة، حتى أشعار نزار قباني ومحمود درويش، لم تعد تستهوينني، فأنتظرُ يوم الجمعة بفارغ الصبر، أعدّ أصابعي أياما،ً حتى صباح الجمعة   لأكفّ عن عدّ أصابعي لأعدّ النقود وأجري مسرعة  مخافة أن يغلق (عم الطيب) دكانته قبيل الصلاة .

في أحد أيام الجمعة، كنت حائرة ، أية مجلة سأشتري، فقد أنهيت قراءة العدد الجديد من مجلة (ماجد) الأربعاء، و لم يصدر عدد جديد من مجلة (سمسمة)، في حيرتي المتعاظمة تلك تعلقت عيني بكتيب صغير، العنوان جاذب وقتها، (سلسلة ما وراء الطبيعة، جانب النجوم، روايات مصرية للجيب). أخذت الكتيب، ولم أستطيع ممارسة أيّ نشاط قبل إكماله، حينها عرفت لماذا كان شعار السلسلة هو روايات تحبس الأنفاس من فرط الغموض والإثارة والرعب .

لقد انتشلتنا مغامرات إسماعيل رفعت من الملل، و أنقذنا كاتبها أحمد خالد توفيق، من الرداءة والسطحية .

قاومنا برواياته و كتبه الإستلاب الثقافي الذي كان مفروضاً علينا؛ إذ أنّ الأعمال الأدبية العربية للصغار والشباب كانت دون المستوى، في وقت كانت تغزو فيه روايات عبير المكتبات كأعظم إنتاج عربي ،  ورغم سذاجتها إلا أنّها كانت تحظى بنسبة قراءة كبيرة وسط الصغار والشباب، وهكذا تستنخ نفس الفكرة في عدّة قصص كنمط إستهلاكي متحيز .

ثم ظهرت روايات أجاثا كريستي البوليسية ، وفي إقبال عظيم كان يقرؤها الجميع، لكن روايات أحمد خالد توفيق، كانت شيئاً مختلفاً، قصصها محبوكة من عمق أساطيرنا المحلية، كانت تحفز خيالنا بقصص يعرفها جيداً، وتراوغه بغموض محكم .

كانت رواياته تشبهنا، و أسلوب سرده يذهلنا، يسرقنا من اللحظة الآنية، إلى ماضٍ نحب أن نحياه، يأخذ مخاوفنا على محمل من الجدّ، يجعلنا نقاتلها بحماس، وننتصر، وخيال الطفولة يصفق، ويهدينا وسام الشجاعة .

رحم الله أحمد خالد توفيق، لقد صنع طفولتنا التي كانت ثرّة بإنتاجاته، تربينا على كتاباته وواظبنا على قرائتها حتى بعد أن كبرنا، لقد كان يكتب للجميع، للأطفال والكبار ، لكل من يحب القراءة وتستهويه القصص، كنا ننتظر كتبه بلهفة ونقرأها بنهم، فقد جعلنا نقرأ فعلاً، وكما أراد كتب على شاهده (جعل الشباب يقرؤون)، جملة صادقة وحقيقية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى