تقارير وتحقيقات

أحلام البرهان مع الإخوان .. “الرقص على رؤوس الأفاعي”

(تقرير – عبدالرحمن الكلس)

24 أغسطس الماضي، خرج قائد الجيش عبد الفتاح البرهان؛ من مخبئه بالقيادة العامة لأول مرة منذ بدء الحرب قبل أربعة أشهر ونيف. وبالرغم من تباين الآراء حول كيفية خروجه وهل تم بإسناد خارجي بالتنسيق مع قوات الدعم السريع ومعرفتها، أم عبر عملية عسكرية خالصة كما قال الرجل بنفسه.
وبغض النظر عن ذلك، فإن هيئته التي بدا فيها في أول صورة التقطت له عقب خروجه؛ وهو بحذاء الحمام تشير إلى أن الأمر كان هروباً على وجه السرعة.
أياً كانت الطريقة التي خرج أو أُخرج بها، ظل البرهان أسير مخبئة، لم يظهر إلا في حالات استثنائية كان آخرها في 18 يوليو الماضي، إذ ظهر برشاش ومسدس وقنبلة يدوية أثناء ترؤسه اجتماعاً عسكرياً بمركز القيادة والسيطرة – كما قيل وقتها.
بين يدي الفلول
خرج البرهان في وقت كانت تشن فيه قوات الدعم السريع هجوماً مستمراً على ما تبقى من قاعدة (سلاح المدرعات) بمنطقة الشجرة جنوب الخرطوم، وهي القاعدة الرئيسية من حيث الأهمية للجيش بعيداً عن مقر قيادة الجيش.
عودة البرهان للمشهد السياسي فتحت الباب مشرعاً للتساؤلات والتوقعات بما هو قادم؛ فالبعض اعتبرها ناجمة عن صفقة إقليمية ودولية من أجل وقف الحرب، فيما عدّها مؤيدوه انتصاراً مؤزراً سيعقبه تشكيل حكومة تصريف أعمال تدير البلاد أثناء الحرب، فيما رأى مراقبون أن خروجه سيصب في مصلحة الحل التفاوضي، بما يوفره له من حرية في العمل واتخاذ القرار بشكل أفضل مما كان عليه في ظروف الحصار داخل مقر القيادة، فضلاً عن أنه يتيح له مساحة للتحرر من ابتزاز الحركة الاسلامية المتهمة بإشعال الحرب، والتي تواصل الضغط عليه من خلال ضباط الجيش المنتسبين لها تنظيميًا وفكريًا، وبعضهم موجود على رأس قيادة أركان الحرب، كالفريق عبد المحمود حماد، اللواء الركن أحمدان محمد خير العوض، وبعض الضباط الكبار الذين ينسقون كل خطواتهم مع الحركة الاسلامية تنسيقًا تامًا، وأبرزهم الفريق أول شمس الدين كباشي والفريق عباس حسن الداروتي، وهؤلاء يقفون ضد أي حلول سلمية يمكن أن تفضي إلى وقف الحرب.
كما أن الانطباعات الأولى لبعض قيادات الإسلاميين، في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، عكست شكوكاً وتردداً في الحكم على عملية خروج البرهان، وما قد تحمله من صفقات سياسية.
ولكن مراقب سياسي مقرب من دوائر البرهان، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، قلل من شأن هذه التكهنات قائلاً: ” البرهان لا يستطيع السير بعيدًا عن خط الحركة الاسلامية، فهو منسق معها منذ انقلاب اكتوبر 2021، كما ان تركيبته الشخصية والنفسية وعدم ثقته بنفسه تجعل من فرضية أن يتخذ قرارًا مستقلًا عن الاسلاميين أمرا صعب المنال”.
حكومة عاصمتها بورتسودان:
أثارت تسريبات ببدء رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان مشاورات مع قادة عسكريين وسياسيين لتشكيل حكومة جديدة أطلق عليها “حكومة تصريف أعمال” جدلاً واسعاً وسط القوى المدنية. وأكد هذه التسريبات وصول شخصيات من الخارج لمطار بورتسودان مرشحة لتكون جزء من هذه الحكومة، مثل مبارك أردول، محجوب حسين (العدل والمساواة جناح جبريل) ومبارك المهدي، المعروف بشخصيته الانتهازية وعشقه للمناصب، والذي يشبهه البعض بانه يملك حاسة شم من على البعد لأي محفل تتوزع فيه المكاسب والمناصب، تفوق حاسة شم الكلاب المدربة. ويحسب مصدر – مقرب منه- فإنّ الإمام الراحل الصادق المهدي (ابن عمه)، قال عنه: ” يشمئز من الأكل الحلال ويحب الفطيسة”، والفطيسة تعبير سوداني مقصود به لحم الميتة، وهو ما يشبه هذه الحكومة حال إعلانها.
بدورها رفضت قوى الحرية والتغيير ( تحالف قوى ثورة ديسمبر) أي محاولة من البرهان لتشكيل حكومة تصريف أعمال من بورتسودان، وقال ياسر عرمان؛ القيادي البارز بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، في تغريدة على منصة اكس: إن الإخوان ينتظرون البرهان في بورتسودان لتكوين حكومة تصريف أعمال لإطالة أمد الحرب، والاستمرار في نهب المال العام، متسائلاً: هل يلبي رغباتهم على حساب الشعب؟.
شرعية من الخارج:
بعد خروجه توجه البرهان إلى مصر وبعدها بأسبوع حط رحاله بجوبا عاصمة جنوب السودان، وهي زيارات – وفقاً لمراقبين – تأتي في إطار البحث عن الشرعية التي فقدها بنفسه بعد انقلابه على النظام الدستوري الانتقالي أواخر 2021.
ووفقاً لمحلل سياسي فإن البرهان الذي كانت مطارات العالم مشرعة أمامه إبان فترة الحكم الانتقالي، أغلقها عن نفسه بنفسه بتحالفه مع الاسلاميين وانقلابه على مسيرة التحول الديمقراطي، فأصبح يتحرك الآن في ذات المساحة الضيقة التي كان يتحرك فيها سلفه المخلوع عمر البشير.
رحلة البحث عن الشرعية لم تتوقف بزيارة القاهرة وجوبا ، بل يتطلع الرجل لزيارة الولايات المتحدة الامريكية للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة ممثلا للسودان، ظنًا منه أن ذلك سيجعله يستحوذ على ثقة دول العالم أجمع كما يعني التعامل معه كرئيس شرعي للسودان، وهو حلم ظل يراوده لفترة طويلة وبسببه ها هو يدمر بلاده.
يقول مراقبون، لحداثة تجربته السياسية وقلة فهمه في العلاقات الدولية يظن البرهان أن زيارات مقرات الامم المتحدة المرتبطة ببروتوكولات عالمية خاصة تعني اعترافا وتمنح شرعية، وإلا لما صرح السفير الأميركي بالخرطوم “جون غودفري” في تغريدة تزامنت مع خروج البرهان من محبسه، قائلاً: ” إنّ الطرفين المتحاربين في السودان لا يصلحان للحكم”، وهي إشارة واضحة للبرهان والجيش نظرًا إلى أن قوات الدعم السريع وقائدها “حميدتي” ظلا على الدوام يؤكدان زهدها في الحكم، وانهما مع العودة إلى المسار الديمقراطي.
بالنسبة لوزارة الخارجية السودانية التي يسيطر عليها الاسلاميون بالكامل فقد نشرت بياناً طالبت فيه السفير الأميركي بالنأي عن التصريحات التي تتنافى مع الأعراف والقواعد الدبلوماسية ولا تساعد على الخروج من الأزمة.
البرهان وقادة (الإخوان)
بالرغم من محاولاته الدائمة بنفي علاقته الشخصية بالحركة الاسلامية السودانية (الإخوان) وانكار وجودهم داخل الجيش، كما حدث أثناء مخاطبته جنوده 28 أغسطس الماضي ، بقاعدة (فلامنغو) البحرية العسكرية على البحر الأحمر، إلا أن الشواهد والدلائل تشير إلى أن علاقة البرهان بالإخوان ع كثيرة، بل أن مقربين منه تجاوزوا سؤال وجود هذه العلاقة التي أصبحت محسومة بالمواقف والأدلة، وأصبح سؤالهم : هل البرهان عضو بتنظيم الاخوان أم لا؟
مصادر موثوقة مقربة من الاسلاميين أكدت لنا أن البرهان المعروف بكذبه ومراوغته يحاول (المراوغة) من أجل تمرير أجندة الحركة الاسلامية وتشكيل حكومة طوارئ يكون مسيطرًا عليها من الخلف بواسطتهم، تمكنهم من العودة على الحكم مجدداً. وأكدت المصادر لقاء البرهان بأحمد هارون في عطبرة، ولقائه بعلي عثمان محمد طه وعدد من الاسلاميين في كسلا. بل أكد أحد المصادر لنا ان زيارة البرهان الاخيرة لكسلا تمت أصلًا من أجل لقاء علي عثمان .
البرهان إلى أين؟:
تحدي ايقاف الحرب والعودة إلى المسار الانتقالي الديمقراطي هو الفيصل للاستقرار وحل أزمة النزاع في السودان، وهو ما يواجه بعراقيل من (الإخوان) وصلت ذروتها بإشعال الحرب وإذكاء نارها في محاولتهم للعودة إلى الحكم على أشلاء الضحايا.
ووفقاً لمراقبين فإن البرهان يوافق (الإخوان) هذا الرأي، لأسباب تنظيمية ورغبة شخصية في الحكم، إلاّ أن هناك من يقول إن البرهان ربما يحاول الابتعاد عن (الإخوان) بالتدرج وتحقيق حلمه بالحكم بعيدًا من عنهم، بتشكيل حكومة من التكنوقراط وحركات سلام جوبا ( مناوي ، جبريل وربما الطاهر حجر) وبعض الانتهازيين والفاسدين (مبارك المهدي ، عسكوري ، ترك ، أردول) ، ولكن ذلك سيقابل بحسم من التيار المتشدد داخل (الإخوان) الذي يستعجل العودة للحكم بأي ثمن، وسيعمل على الاطاحة بالحكومة الجديدة التي يحلمون بتأسيسها في بورتسودان، وربما التضحية ببرهان نفسه واستبداله بأحد كوادرهم من ضباط الجيش، مثل اللواء نصرالدين قائد سلاح المدرعات.
خاتمة :
هذا التقرير تأسس قياسًا على أحلام البرهان و(الإخوان) في تشكيل حكومة بورتسودان وليس حكومة السودان، إذ إن هناك أرقاماً يصعب تجاوزها لتحقيق هذا المنال، خصوصًا مع وجود قوات الدعم السريع على الأرض وسيطرتها على قلب السودان (الخرطوم) وغالبية القواعد العسكرية المهمة في البلاد، بل وتمدد سيطرتها على ولايات مهمة. لكل ذلك لم بتبق أمام البرهان سوى حل واحد، وهو البدء فورًا في وقف الحرب والدخول في العملية السياسية بلا قيد أو شرط واتخاذ اجراءات عملية واضحة تضمن فض شراكته نهائيًا مع الحركة الإسلامية وتنظيمها داخل الأجهزة العسكرية والأمنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى