رأي

محمد الأمين يكتب: كيف تحول ظلم الدولة إلى عدل؟

محمد الأمين

تمثل حرب الخامس عشر من إبريل بداية لتحولات عميقة في السياق السياسي السوداني. إذ أحدثت إنقسامات سياسية واجتماعية مفاجئة على مستويات متعددة. وأول ما فعلته، هي أنها أظهرت مثقفين كُثر بغير ما كانوا عليه من فكر وثقافة. وسياسيون خانوا أسسهم النظرية وتراجعوا عنها دون تقديم نقد موضوعي لمسيرتهم النضالية. كما أن هناك حركات مسلحة أيضا، تراجعت عن ترديد الشعارات السياسية التي كانت تمثل لها مرجعية في معارضتها للنظام السياسي للإسلاميين. إذ تحولت شخصيات من مثل مناوي وجبريل، بين عشية وضحاها، إلى صف الدولة، التي يعتبرون قيادة الجيش الحالية ممثلا شرعيا لها. وهي الدولة نفسها التي خسروا أمامها الآلاف الرفاق، وحاربوها ما يقارب العشرين عام، بل واعتبروها ظالمة ومهمشة لقطاع كبير من السودانيين خصوصا الذي يقطنون غرب البلاد. إن حركتي مناوي وجبريل حاربتا النظام السياسي للرئيس المخلوع بحجة هضم الدولة للحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطن الدارفوري. ورغم علمنا بأنهم لا يتمتعون بحق حكر التمثيل السياسي للمواطن الدارفوري خصوصا والسوداني عموما، إلا أنهم، وفي فترات متعددة، وجدوا تجاوبا وقبولا واضحين من قبل فئات تعد مهمشة بحق في تاريخ السودان. ولأعوام كثيرة، ظلت الشرعية السياسية للفاعلين من الحركتين تستند على مسألة التهميش هذه. ودونها، لا مبرر من الأساس لوجودهم كحركات مسلحة. فالحركات المسلحة حين تضع نفسها في مواجهة الدولة التي يمثلها النظام السياسي، في هذه الحالة سيصبح لديها المبرر للحديث عن حقوق مهضومة لمواطنين سودانيين، كما كانت تفعل جميع الحركات المسلحة في السودان. ولكن حين تضع نفسها في صف الدولة، هل ستظل هناك إمكانية للحديث عن حقوق مهضومة للمهمشين؟ لا يمكن برأيي أن يقف شخص في صف دولة يعتقد أنها ظالمة ومهمشة لقطاع عريض من المواطنين. وحين تتحول من النقيض إلى النقيض، أي من الانتماء للتمرد أو المعارضة إلى الانتماء للدولة ونظامها السياسي- كما فعلا مناوي وجبريل- فهنا طبيعيا ستموت المشاريع السياسية السابقة. أي تلك التي كُنت ترددها حين كنت متمردا أو غازيا أجنبيا أو عميلا بحسب لغة إعلام الدولة إزاء المارقين عليها منذ جون قرنق إلى حميدتي. إن حرب الخامس عشر من إبريل، أطبقت على مشاريع سياسية كثيرة، وحولتها إلى سلة المهملات. وربما يتعين على الجميع، أن يبدأو تنظيرهم للسياسية السودانية من جديد. فالذي كان يجاهر أمس بهدم الدولة وضرب العاصمة وإنهاء احتكار السلطة والثروة بواسطة العنف، تحول اليوم إلى الدفاع عن الدولة التي كان يبتغي تأسيسها من جديد. والذي كان يدافع عن “البدو” كمجموعات مهمشة ويخط الكتب والمقالات عنهم، ويَنظُر للسودان بوصفه بلد التنمية غير المتوازنة في ارتباط بقضيتهم، تحول اليوم إلى صف قيادة القوات المسلحة، أصل الفساد والسد المنيع أمام بناء دولة عادلة في السودان.
وأنا أقرأ هذه المواقف، لم أجد أسبابا فكرية وموضوعية لهذه التحولات؛ فجزء من جحافل المثقفين والسياسيين والإعلاميين، حركتهم مخاوف وجودية، ونتيجة لذلك انحازوا إما عرقيا أو جغرافيا. وهي مواقف لن تستطيع فهمها موضوعيا في سياق الفكر والسياسة مهما كسوها بمسوح عقلانية وقومية. والجزء الآخر، خصوصا الحركات المسلحة التي تناصر الجيش، فإنها تفهم في سياق المصلحة الخاصة بالثلة التي تترأسها. لكنها وبكل تأكيد، فقدت وللأبد إمكانية الحديث عن “أشخاص مهمشين”. لأنها وببساطة، لم تطرح علينا إجابة عن سؤال: كيف تحول ظلم الدولة التاريخي إلى عدل في الحاضر؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى