تقارير وتحقيقات

شرق السودان: صراع النفوذ الديني أم الأهلي؟ (1)

تقرير: تريكو البشر

على نحو مفاجئ للعامة، ظهرت تصدعات في جسم قومية البجا ذات الأغلبية السكانية في شرق السودان، وتحديدًا في ولايتي البحر الأحمر وكسلا، بيد أن المراقب السياسي لشأن شرق السودان يتوقع تطور الصراع الخفي بين السلطة الدينية للبجا بقيادة الشيخ علي بيتاي في منطقة همشكوريب المتحالفة مع الزعيم السياسي رئيس حركات وأحزاب شرق السودان شيبة ضرار؛ في مواجهة الزعيم القبلي ورئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة الناظر محمد الأمين  ترك؛ إلى صراع سياسي لا يستبعد تطوره إلى صراع مسلح. وذلك على خلفية مقاطع الفيديو المبثوثة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يهدد فيها كل طرف الطرف الآخر بحسم النزاع بالسلاح الناري.

خلفية عن صراعات الشرق:

شرارة الخلاف وسط الهدندوة كانت حول إنشاء سد العلقة، الواقع شرق وادي القاش، بحسب حديث  “الصادق عبدالله”، وهو مختص في شأن الشرق لـ«صحيفة الجماهير».

ويضيف “عبدالله”، أن فكرة إقامة السد ترجع إلى القيادي بحزب المؤتمر الوطني المحلول، والي كسلا السابق إبراهيم محمود حامد، المنتمي إلى قبيلة “البني عامر” بقيادة الناظر إبراهيم دقلل، وكان الناظر محمد الأمين ترك يعارض قيام السد بحجة أنه يمكن أن يؤثر على مجرى نهر القاش.

كل طرف حشد أنصاره المؤيدين لقيام السد، والرافضين له، وكادت أن تقع اشتباكات مسلحة بين الطرفين. ولأن “ترك” يتزعم قبيلة الهدندوة، كان يأمل من الزعامة الدينية للقبيلة بقيادة الشيخ علي بيتاي، وأبنائه: سليمان علي بيتاي ومحمد طاهر بيتاي، -وهم مجموعة قبيلة تسمى “دملاب” تنتمي للهدندوة وتقطن شرق نهر القاش في مناطق “همشكوريب وتواريت ودبلاويت”- أن تقف مع الهدندوة ضد البني عامر. ولكن اتخذت السلطة الدينية للهدندوة موقف الحياد. الأمر الذي دفع الناظر “ترك” إلى التفكير في قطع علاقته بالسلطة الدينية ذات الأغلبية من القبيلة في ولاية كسلا، واللجوء إلى الهدندوة في ولاية البحر الأحمر كتعويض لنقص المؤيدين من القبيلة، بعد أن شعر بتناقص شعبيته في كسلا.

وهنالك سبب ثانٍ للصراع داخل الهدندوة، ويعود إلى أيادي النظام البائد، الذي عمد إلى زيادة الدوائر الجغرافية في مناطق السلطة الدينية بهدف ترغيب طالبي المقاعد البرلمانية، حيث وصل تعداد سكان مناطق همشكوريب إلى (550) ألف نسمة، وهو عدد يساوي دائرتين حسب توزيع الدوائر الجغرافية على السكان في السجل الانتخابي 2010م، هذا الأمر لم يجد قبولًا لدى الناظر “ترك”.

وهناك نزاع ثالث بين قومية الهدندوة والبني عامر، وقع في زمن رئيس الوزراء السابق دكتور عبدالله حمدوك، بعد تعيين “صالح عمار” المنتمي إلى قبيلة “سبدرات” من البني عامر، واليًا على كسلا. وكان الهدندوة ضد تعيينه باعتباره من البني عامر، وحدث احتشاد تطور إلى اشتباك مسلح بين قبيلة “سبدرات” ومجموعة الناظر ترك.

احتجاج على تعيين “ترك” في مجلس السيادة:

ترك يزور قائد الجيش (أرشيف)

ويقول الناشط السياسي إبراهيم حامد، لـ«صحيفة الجماهير»، إن خلاف “ترك” و”شيبة ضرار” الأخير، ظهر على السطح بعد أحداث الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بورتسودان، ولكن للخلاف جذور وهو لم يكن صراعًا وليد اللحظة.

حيث ينتمي “ضرار” إلى قبيلة “الأمرار”، وهي إحدى نظارات شرق السودان المنضوية تحت ما يعرف بـ “نظارات البجا والعموديات المستقلة” التي يرأسها “ترك”. وتعد قبيلة “الأمرار” مهمة في ولاية البحر الأحمر لوقوع مدينة بورتسودان ضمن نطاق حاكورتها التاريخية، بالإضافة إلى وجود مناطق “أرياب” الزاخرة بالذهب. وتمتد حاكورة “الأمرار” إلى شمال بورتسودان حتى الميناء الجديد المقترح “أبو عمامة”.

تفجر الخلاف بشكل علني عندما أوشك البرهان -قبل أشهر- على تعيين الناظر “ترك” عضو في المجلس السيادي ممثلًا لشرق السودان. ولكن أُوقف القرار بعد احتجاج علني من “ضرار” من خلال مقاطع فيديو مبثوثة على مواقع التواصل الاجتماعي، هدد فيها بإغلاق بورتسودان حال صدور قرار تعيين من البرهان.

ووقتها هدد “ضرار” أيضًا، بأن قبيلة “الأمرار” ومعها بعض القبائل ستخرج من المجلس الأعلى لنظارات البجا. ووجد هذا الطرح صدى في نفوس نظارة “الجبيلاب” بقيادة الناظر علي بيتاي، ولهؤلاء أكبر قوة عسكرية مسلحة في شرق السودان بعدد 3 آلاف مقاتل، ولهم علاقة وطيدة بنظام الحكم في إريتريا.

“تحالف البجا الإدارة العامة”:

ويضيف “حامد” أن الخلاف تطور إلى انشقاق وسط قوات “شيبة ضرار”، حيث خرج نحو (180) فردًا وانضموا إلى “ترك”، قبل أن يتحالف “ضرار” مع علي بيتاي، مما زاد من قوته. وعلى إثر ذلك تكوّن تحالف جديد يسمى “تحالف البجا الإدارة العامة”، لتطالب بعدها العموديات المستقلة بتنحي “ترك” عن منصب رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، وجرى اتهامه بالفشل في قيادة التحالف، وحملوه مسؤولية كل الانقسامات السابقة.

شيبة ضرار وسط قواته

وتابع “حامد” أن شباب البجا يتهمون “ترك” بالموالاة لحزب المؤتمر الوطني المحلول، بشكل أضر بالكيان، حيث وقف “ترك” ضد اتفاق جوبا لسلام السودان 2020م مع حركات دارفور، وضد التحول المدني عندما أغلق الميناء وأشعل الخلاف مع البني عامر في كسلا. علاوة على جمع “ترك” عدد كبير من المستنفرين من قبيلة الهدندوة بعد تسليحهم، مما شكل خطرًا على بقية المكونات القبلية. 

وفي حال تمكن “ترك” من دخول المجلس السيادي سوف يستغل منصبه لتنفيذ المزيد من الأجندات التي تضر بالبجا، ليضطر لاحقًا إلى الخروج بتصريح، قبل نحو أسبوعين، أعلن فيه اعتزاله العمل السياسي والتفرغ لقيادة العمل الأهلي.

ولاحقاً زار الناظر “ترك” دولة إريتريا للقاء أسياسي أفورقي في محاولة لإيجاد تحالف جديد مقابل التحالف السابق بين أفورقي وشيبة ضرار.

إن معظم أفراد قومية البجا التي يتزعمها “ترك” لديهم اعتراض على التعاون اللا محدود بين ترك والإسلاميين المعزولين عن السلطة بفضل ثورة شبابية في العام 2019م، حيث أبدى الناظر ترك تأييد لكل خطوات المجلس العسكري بقيادة الفريق البرهان.

كما أن انحياز “ترك” إلى الكيزان في الصراع الجاري، دفع شباب وعدد كبير من أبناء الهدندوة إلى الوقوف ضده. وعندما نشبت أزمة المذيعة “زينب أيرا” مع مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إبراهيم البزعي، يونيو الماضي، وقفت المجموعات الشبابية مع المذيعة وأعلنوا رفضهم جر القبيلة إلى صف الإسلاميين. هذه الأزمة قابلها الناظر “ترك” بالتجاهل، حيث لم يبد أي تعاطف مع المذيعة، وهنا تدخل “شيبة ضرار” وقامت مجموعته بإغلاق مباني التلفزيون في مدينة بورتسودان احتجاجًا على اعتراض البزعي على ظهور المذيعة بزي قوميتها في تقديم أخبار تلفزيون السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى