رأي

رأي: كيف انتهت في جنيف أكبر حرب كادت أن تقود العالم إلى حافة الإنقراض؟

مجاهد بشرى

عند وصوله للمكتب البيضاوي في العام 1983م، كان الرئيس الأمريكي (رونالد ريغان) من أكبر المتحمسين والداعين إلى امتلاك الولايات المتحدة لعدد غير محدود من الأسلحة النووية نتيجة لترسبات الحرب الباردة المستمرة منذ العام 1947م، ورغبته في محو الاتحاد السوفييتي والشيوعية من على وجه الأرض.

وفي إحدى ليالي أكتوبر 1983م، أثناء إجازته في كامب ديفيد أمر (ريغان) بعرض فيلم (The day after)، والذي قام بتأليفه (إدوارد هيوم) عن حرب نووية بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي  تؤدي لفناء العالم الذي نعرفه.

ورغم اعتراض مستشاري الرئيس، ومحاولاتهم لإثنائه عن مشاهدة الفيلم، إلا أنه جلس وشاهده للآخر، وفور انتهاء العرض قام بالإتصال على الرئيس الروسي (مخيائيل غورباتشوف)، وبدأت بعدها لقاءات انتهت بتوقيع الرجلين على اتفاقية تاريخية في جنيف عرفت  بـ”معاهدة الحد من الصواريخ النووية قصيرة المدى” في 1987م.

لاحقا، في مذكراته كشف (ريغان) عن سبب تخليه عن تشدده، وحماسه لصنع المزيد من الأسلحة النووية، بل أن يرفع سماعته وهو رئيس أقوى دولة في العالم، ويمكنه بضغطة زر إبادة العالم، أن يتصل بخصمه، ويطالبه بإنهاء الحرب الباردة، والحد من صناعة الأسلحة النووية، كشف أن السبب هو مشاهدته لذلك الفيلم الذي كان “مؤثرا”، وأصابه بالإكتئاب على حد قوله، فلم يتخيل أن يمر أي مواطن أمريكي بهذا العذاب والدمار طالما هو مسؤول عن الشعب الذي انتخبه لهذا المنصب.

وصف المؤرخين، وكثير من القادة حول العالم أن ما قام به الرئيس (ريغان) هو أشجع فعل قام به قائد دولة، وأكثرها تجردا و مسؤولية.

إن الرئيس الأمريكي كان يضع سلامة شعبه، وطمأنينتهم، وتجنيبهم الحرب فوق أي اعتبارات أخرى، أو انتصارات عسكرية، وبفضل شجاعته، ومسؤوليته، وحكمته، لم يجنّب (رونالد ريغان) بلاده فقط الحرب، بل أنقذ العالم كله من حرب نووية كانت ستفني كل شيء.

 أما في بلادنا، الذي تسيطر فيه المؤسسة العسكرية على الحكم المدني، وتترك وظيفتها الحقيقية، فهذه المؤسسة انقلبت على المدنيين بحجة تصحيح مسار الثورة، فقتلت استخباراتها العسكرية الشباب بالمئات في الطرقات، وقام قادة الجيش بنهب موارد البلاد، وانهار الاقتصاد بسببهم، ولم يكتفوا بذلك، حيث فشت فيهم الرشاوى، وبيع الذمم، حتى أن مدير مخابراتها، و مدير استخباراتها العسكرية تم شرائهما من قبل موظف حقير وفاسد من أجل التحضير لحرب دمرت كل شيء.

ورغم كل هذا السوء، لكن الأسوأ هو أن قادة المؤسسة العسكرية هم من رجالات الحركة الإسلامية التي تسيطر على الجيش منذ 35 عاما، و أن قائد الجيش الذي ما أن اندلعت الحرب حتى فرّ كالجرذان  ليختبئ في قبو قيادته العسكرية شهوراً طويلة، لم يخرج منها إلا بعد أن ضاق به الحال، والخوف من أن يتحول القبو إلى قبر، فسارع في استجداء الجميع لإخراجه حتى يتمكن من وقف الحرب والتوقيع على اتفاق سلام.

وكعادته، ما أن خرج حتى تحول موقفه، وتغيرت وعوده، فأصبح منقادا ومطيعا لسادته الإسلاميين الذين يمتطون ظهر الجيش للوصول إلى السلطة ضد إرادة الشعب، وهم صانعو المليشيات والحروب في السودان.

(البرهان) الذي يرى آلاف الأفلام و الفيديوهات للحال المريع الذي وصل إليه الشعب، لم يكترث ولو للحظة واحدة بالمواطن الذي فرّ هو وضباطه وجنوده من حمايته، ولم يمتلك الشجاعة الكافية ليكون قائدا عسكريا ينازل العدو، بل اتخذ من أبعد نقطة عن المعارك سكنا له، و اشترى لأسرته قصرا في دولة أخرى حتى لا يمروا بجحيم الحرب الذي يمر به الشعب الذي يدعي (البرهان) زورا بأنه يريد أن يسترجع عزته وكرامته، وهو الذي لم يقدم لهم حتى اليوم تقريرا عن سبب هروب فرقة كاملة من جنوده وضباطه من ولاية الجزيرة، ولم يشرح أسباب سقوط حامياته ومناطقه العسكرية، ومحاكاة جنوده و ضباطه لأصوات الماعز وهم في الأسر، أو سبب حمدهم لله على سلامتهم وهم ينجون بأنفسهم من الحرب و يتركون المواطن لمصيره المحتوم.

اليوم فيما يعرف بإسم عيد الجيش، الذي يريد أن يحتفل بخذلانه للشعب مرارا و تكرارا، فالجيش أصبح مليشيا تقودها حركة إرهابية لا تُخفي سيطرتها وإمرتها عليه، والجيش يشهد فرار أفراده عند سماعهم لصوت انفجار بالون في يد طفل.

وبعد عام و ربع من هذه الحرب، أصبح من المؤكد بأن (البرهان) و من يقودهم لن يتمكنوا من تحقيق أي انتصار عسكري، أو تقدم على العدو سوى بالهرولة والهرب، ورغما عن ذلك، فهم يرفضون السلام.

دون أن يجيبوا كيف سيعيدون كرامة وعزة وشرف السودانيين، وهم قد فقدوا كرامة وعزة وشرف الجندية حينما اختاروا الهرب، والنجاة من حرب يدفعون إليها أبناء الشعب لخوضها عوضاً عنهم، كيف؟؟ وكيف سيصدق الشعب قائد الجيش مرة ثانية بعد أن أخبرهم في المرة الأولى بأن انقلابه هو تصحيح للمسار فقادهم إلى الهاوية؟

وهو يجلس اليوم على كرسيٍ وثير هناك بالأعلى  ويشاهد الشعب وقد استعرت نيران هذه الهاوية، وشوت جلده، مطالبا لهم بعدم الصراخ أو الاعتراض، فكل ذلك من أجل كرامتهم..

وهو جبان..

وكاذب..

“ولا في زول ما عارف؟”..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى