د. صيدلانية أماني سعد
في تصعيد خطير ومخالف لكافة المبادئ الإنسانية والقوانين الدولية، تستخدم حكومة بورتسودان سياسة منع وصول الأدوية المنقذة للحياة وأصحاب الأمراض المزمنة إلى المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع كسلاح حرب. هذا الإجراء الممنهج يعرّض الآلاف من المرضى، بمن فيهم الأطفال، وكبار السن، والنساء الحوامل، لخطر الموت البطيء، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بجريمة حرب مكتملة الأركان.
الأدوية، التي تُمنح مجانًا من قبل صندوق الدعم العالمي والمنظمات الأممية والمانحين للمحتاجين في كافة مناطق السودان، باتت تُمنع عمدًا من الوصول إلى معظم المناطق السودانية بحجة سيطرة الدعم السريع عليها. هذا السلوك يشكل خرقًا واضحًا لاتفاقية جنيف والبروتوكول الإضافي الأول، اللذين ينصّان صراحة على وجوب توفير الرعاية الصحية لكافة المدنيين دون تمييز في النزاعات المسلحة.
نداءنا العاجل موجه إلى منظمة الصحة العالمية وكافة المنظمات الدولية العاملة في المجال الصحي، التي تتعاون مع وزارة الصحة التابعة لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان، لمراجعة سياساتها فورًا. يجب ضمان توزيع الأدوية والمساعدات الطبية بناءً على الاحتياجات الإنسانية، بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية أو عسكرية، مع فرض رقابة صارمة لمنع استخدامها كأداة للصراع.
للأسف، لم تكتفِ حكومة بورتسودان بحرمان المدنيين في مناطق الدعم السريع من حقهم في العلاج، بل حولت حصص الدواء إلى أداة لدعم الميليشيات الإرهابية التابعة للحركة الإسلامية. هذه الكتائب تقوم بتهريب الأدوية إلى دول الجوار، مثل مصر وإريتريا، حيث تُباع لتحقيق أرباح تُستخدم في تمويل شراء الأسلحة التي تقتل بها السودانيين.
إن الصمت على هذه الجرائم يجعل المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، شريكة بشكل غير مباشر في دعم آلة القتل. لذا، ندعو إلى تحقيق دولي شفاف وعاجل في كيفية إدارة الإمدادات الطبية في السودان، مع فرض آليات رقابية صارمة لضمان وصول الدواء إلى مستحقيه الحقيقيين، وإنهاء هذه الممارسات التي تحوّل المعاناة الإنسانية إلى وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
إن الإنسانية على المحك، ولا يجوز أن تخضع حياة الأبرياء لأي مساومات أو اعتبارات.