رأي

الصراع الجماهيري

طلال عفيفي

الواحد بيعتذر لنفسه قبل الإعتذار للناس في أمر الكتابة حول الصراع “الجماهيري” بين جماعة من أهل مصر قصاد جماعة من أهل السودان.. لكن يدي أكلتني..

خلفية الصراع الحالي، الإسفيري بطبيعة الحال، جا على خلفية زيارة السيدة “موزة” ملكة قطر (أو أم الأمير أو زوجة الأمير السابق- أعزه الله)، الزيارة التي إحتفى بها الإعلام الرسمي السوداني بشكل شديد، وناكفه فيه الإعلام المصري بشكل شديد برضو.

“موزة” ضيفة رسمية على دولة السودان، ضمن زيارة رسمية رأى بعض السودانيين إنها تستحق، ربما لأهمية قطر في كراسة السياسة الخارجية (والداخلية) السودانية، وربما لشعور البعض بإمتنان حقيقي لما إبرزه الإعلام من هدايا ونفحات ومنح وعطايا قامت بها السيدة موزة، وهو أمر منطقي جداً ومقبول، خصوصاً في ظل الشعور العام من قبل الناس بإن لا أحد يكترث بهم..

الروح العدائية المستفزة والمبتزة تجاه هذه الزيارة من قبل الإعلام الرسمي أو نقول الـ Main Stream المصري مصحوباً بجحافل الساخرين المصريين على تويتر وفيس بوك وهلم جرا، لم يكن جديداً تجاه أهلنا في السودان، إذ أنه إستنساخ لما سمعنها ورأيناه وقرأناه كلما سطعت على الدنيا مسألة “حلايب” أو منعت الدولة السودانية إستيراد خضروات أو بضاعة من مصر ثبت فسادها في أرض الكنانة نفسها، كونها كانت مخلوطة بالخراء ومياه المجاري من كل صنف، إلخ..

في كل مرة يخرج علينا الـمذيعات والمذيعات، والكتاب الصحفيين والكاتبات بكلام مفاده المختصر: حتى أنتم يا سودانيين؟ (!!)

ولربكم العجب، كأنما ناس السودان غير البشر.

أفكر كثيراً لو أن هذه صورة السواد عند أهل مصر عن البشرية في السودان..

مع أنني عشت في مصر لسنوات طويلة، وحققت فيها مبتغاي النفسي من المعرفة والمجاورة وإصحاح الروح والتصادق، خلال مدة زمنية غير يسيرة لم أجد فيها سوى الإكرام والتعلم اليومي واللطف، بل أن أقرب أصدقائي إلى اليوم من مصر، وأهلي الحقيقيين بحكم الظروف من مصر، فانا حين أتورط أو أحزن أو أشعر بالروح واشكه أن تبلغ الحلقوم أعود إليهم وأذهب إلى مصر.. وكلما سافرت إلى هناك وحطيت الرحال فيها بـ أرسل رسالة لأهلي وأقول لهم إني “وصلت البيت”، أقول ذلك مستنشقاً الكربون الذي يملاً الفضا والتلوث الحنون الضاغط على رئتي الضعيفة، لكنه الحال.

أعلم انني ربما أكون حالة خاصة، وربما هناك حالات خاصة كتير من السودانيين الذين وجدوا في مصر الملاذ الحنون، الطيب المختار الحفي.

لكني -و بصدق شديد- بشعر بالألم..

ممكن نقول إنه كل الكلام الـ بيتقال كلام جهل، لكن الألم جاي من شعوري ومراقبتي لـ كون هذا الكلام المهين بتاع عبيد و زناجره (؟) بيتقال بسرعة، بلمحة برق من الـ لاوعي، وجاهز.

أول الأمر، انا محتاج أقول إني إبن لثلاث ثقافات.. ولدت في ألمانيا وعشت فيها ردحاً رديح من الطفولة الطيبة لغاية ما بقيت بفهم كل حاجه، لغتي الأولى، بيتي الاول، قصص الطفولة، ورائحة الأكل وسمت الجيران.

بعدين جيت السودان، وده قرار أسري تم في أوائل الثمانينيات، وتم تنفيذه في العام 1982 لمن كان عمري سته.

الأهم من ده إن أمي مصرية (حسب جواز السفر والوثائق الثبوتية) مع إنها في الحقيقة من النوبة، ودي هويه عابرة للجنسيات (المصرية والسودانية- على حد سواء).

تاني حاجه، عبوري بين هذه الأقاليم، ألمانيا، مصر والسودان خلوني زول متواضع شويه فيما يخص النعرة الوطنية وأكتر إرتباطاً بالناس، الناس في حقيقتهم الأصلية التي رأيتها مشتركة، ورأيتها مختلفة ورأيتها مربوطة بألف مليون شي غير الجنسية أو جواز السفر ومكان الإقامة..

الهوية تلك، المفتوحة على مواجهة الحياة والـ بتصارع خراب العالم وإنهيار كل القيم الإنسانية.

أرجع للسودان، السودان بلد عجيب، تاريخه كمان عجيب، ويمكن لم تتح الدنيا للكثير من أهل وادي النيل قرايته.. تاريخ صاخب وكبير مليان بالإكتشاف والإختراع والبطولة والإمتداد والنصر..

هو تاريخ مليان بكل الحاجات دي زي ما مليان بالخيبة والحزن والقتل والفساد..

مش بيشبه تاريخ مصر؟

انا ما عايز أربط تاريخ مصر مع تاريخ السودان في صفات مشتركة، مش عشان الناس الكحيانه تقول إني مستلب، لكن عشان حاجات بسيطة..

المصريين في في أسوأ وضع.

ومصر اليوم في أقسى الظروف.

مصر اليوم وضيعه على المستوى النفسي والإنساني والإقتصادي والسياسي..

وضيعة ومنحطة بشكل لا يوصف..

وكذلك السودان، نحن نمر بأحلك الأوقات، دمنا مبذول وتنهشنا كلاب السكك وإقتصادنا في الحضيض.

مصر والسودان في الحاضر سيان، و”الحالة وحده” كما قال الشاعر، فلا داع لـ “سلة اللسان” حول كم هرم بنيتم وكم هرم بنينا..

ولا داع للكلام حول الأسر الفرعونية التي حكمت مصر أو حكمت السودان قبل خشرمية سنه قبل الميلاد(!) فاليوم وعلى ضفاف النيل، وبطوله العريض، نوجد (نحن) شعوباً أرهقتها الفاقة والحزن والظلم والمثغبة..

على ضفتي النيل وعلى إمتداده من يوغندا و أثيوبيا إلى مياه البحر، تم إنتهاك آدميتنا بالتعذيب والإيجاع والحط..

نحن كلنا، لسنا أبناء الأقدمين، لنحكي عن الأهرام والآثار، والحضارة، ومن أسبق..

نحن أولاد الحرام على طول إمتداد وادي النيل.. والقرن الأفريقي العظيم..

بما نفعل، نحن أبناء الإستعمار الإحتلال وطمس الهوية والوشيجة المشتركة..

إحنا عيال الألم اليومي، والحزن الصباحي، والظلم الشديد..

 

*الواحد وهو بيكتب “مع الأسف” الكلام ده بيتذكر كلام الأستاذ كارل ماركس (واليوم ذكرى وفاته): يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة إتحدوا.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

للتفاعل مع الكاتب

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يمكن انا مدينة لمصر بتفتح الزهن نحو المعرفة الحقيقية للفلسفة والتحليل السياسي وادارة عمل المنظمات . لدي اصدقاء اتواصل معهم حتى الان وهم من اقرب اصدقائي وعبر مصر تعرفت على اجانب واصبحو من اقرب الاصدقاء وتعرفت على ثقافات حتى معرفتي بالبشر
    صحيح الدارما المصرية عكست السوداني فقط البواب عثمان والسودانية في ادورار ستونة والشابة اللعوب والتهكم من اللون الاسود……الخ لكن ما يحدث الان من تصعيد هو خلاف سياسي يدعمه الاسلامين من الطرفين. ويجب على المقثفين وتحديدا اليسار قراية هذا الامر بموضوعية وعدم التعصب في الرد ….الخ الشعبين الان يعانون من انظمة دكتاتورية وغلاء معيشي …….الخ
    فالتارخ ملئ بالاشراقات والانكسارات الان مصر لا تحكم السودان ولا السودان يحكم مصر وكما يقول المصرين ( نحن اولاد النهاردا) اما الاطعمة والفواكهة والخضروات الفاسدة رغم الحكومة السودانية لعشرات السنين بهذا الامر ورغم انها ادخلت الفسائل من الامارات واصرت عليها ورغم علمنا التام انها غير حريصة على صحتنا ولكن الامر في غاية البساطة (ماعايزين) حتى القضايا العالقة مثل حلايب وشلاتين يمكن ان تحل وفقا للقانون الدولي دون ارهاب او اراقة دماء .

زر الذهاب إلى الأعلى