رأي

إبراهيم مطر يكتب: البرهان يعلن عن “حوار وثبة” جديد والحركة الإسلامية تتوقع نجاح الخدعة مرة أخرى

“كنت أتوقع أن تبتلع القوى السياسية المعارضة للإنقاذ الطعم الذي ألقيناه لها في حوار الوثبة، لكن ما لم أتوقعه، هو أن يبتلع الإمام “الصادق المهدي” نفسه الطعم، بكل ما يمتلك من خبرة وحنكة سياسية”، قال المخلوع “البشير” وهو يضحك، في تسريبات لحديث له مع خلصائه، خرجت للعلن بذات الطريقة التي خرج بها “حديث الغرباوية” سيء الصيت والسمعة.

لكن تسريبات “حوار الوثبة” الشهيرة تلك، ساعدت كثيراً في فهم الطريقة التي يعمل بها “العقل الكيزاني”، حين يضع كل ما تعارف عليه الناس في علوم السياسة جانباً، ويختار التلاعب برغائب السودانيين من أولياء الخوف والطمع. كانوا قد وضعوا خدعة الوثبة على لسان “المخلوع” في ذلك الزمن، واليوم يضع الإخوان كلماتهم على لسان البرهان، مع توجيه لغرفهم الإعلامية بانتقاد خطابه الذي ألقاه أمام جماعة من مريدي سلطة بورتسودان أطلقوا على أنفسهم لقب “قوى سياسية”، بافتراض أن يبتلع أولياء الخوف والطمع داخل القوى السياسية الوطنية الطعم، وكذلك من هم خارجها من أصحاب المواقف العنصرية نتيجة الاستقطاب الحاد الذي صنعته الحرب، وأرباب المصالح المرتبطة بالتنظيم الإخواني المتطرف.

استشعرت الحركة الإسلامية الخطر من الترتيبات التي تجري على قدم وساق لتشكيل حكومة خارج مناطق سيطرة الجيش، مما ينزع عنها امتياز احتكار صفة “حكومة أمر واقع”، حينما تكون هناك أكثر من حكومة في سودان لم يعد فيه شرعية لأحد منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، فلم يجدوا ردة فعل أفضل من تكرار مناورة “حوار الوثبة” التي نجحت في خداع بعض القوى السياسية إلى حين، ولو كسباً للوقت حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، ويتوفر الوقت لمزيد من التمكين.

جمع البرهان في خطابه النقائض، فوجه خطابين متضادين لتقدم أحدهما يلوح بجزرة استخراج وتجديد الجوازات “كمنة يمتن بها عليهم”، والآخر يعدهم بالقتال أسوة بالدعم السريع، دون أن يوضح الكيفية التي سيقاتلهم بها، في واقع عدم وجود قوات مسلحة تابعة لهذه القوى المدنية، فلا يبقى حينها سوى التهديد بقتلهم، في تطابق تام مع خطاب الحركة الإسلامية المعلن.

ومن هنا يمكن فهم خطاب الحركة الإسلامية الجديد والذي جاء على لسان البرهان كمحاولة منها لاستقطاب، واستدراج أولياء الخوف والطمع للوقوف بشكل صريح مع حرب الحركة الإسلامية والتزام جانبها في الصراع بعد “استتابتهم”، وهي محاولة جديدة لتقسيم القوى السياسية الوطنية ليتفرق دمها بين “مع وضد”. لكنها خطة مستهلكة ومكرورة، والطعم الملقي لهذه القوى من قائد الجيش، لا يجذب سوى من يشبه سلوكه سلوك الحشرات القمامة كالذباب، من عملاء المخابرات الأجنبية المعادية للسودانيين، والباحثين عن المناصب والامتيازات، حتى وإن كانت اليد الممدودة إليهم بالمنح والعطايا ملطخة بدماء الأبرياء. وهؤلاء لا خوف من انضمامهم بشكل صريح للقتلة، فعلى الأقل يأمن الشرفاء شر تجسسهم لصالح الحركة الإسلامية، وتخابرهم لصالح المخابرات المعادية، بما يضر السودان والسودانيين.

أما حديث البرهان عن حكومة تكنوقراط لا علاقة للحركة الإسلامية بها، فيكذبه واقع تواجد قيادات من المؤتمر الوطني والحركة في مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق حالياً، ومنهم “علي كرتي” والمطلوب للجنائية “أحمد هارون” وآخرين، واجتماعاتهم مع الإخواني عبد الرحمن محمد حمد أبو مدين”، والوزير السابق في حكومة المخلوع البشير “أحمد كرمنو”، ودعوة عدد كبير من قيادات المؤتمر الشعبي والوطني على مستوى ولاية النيل الأزرق للاجتماع بكرتي ورفاقه، في عمل تنظيمي للحزب المحلول، بهدف الاستعداد لتشكيل حكومة التكنوقراط التي بشر بها البرهان.

قال القيادي الإخواني أمين حسن عمر في مقابلة تلفزيونية في وقت سابق من شهر يناير الماضي، أن من سيحكم السودان هو “الصف الثالث من قيادات الحركة الإسلامية”، ممن هم منحخرطون في القتال حالياً. وبعبارة أخرى “ستحكمكم الحركة الإسلامية أيها السودانيين بوجوه جديدة”. وها هو “البرهان” يؤكد في خطابه اليوم ما ذهب إليه القيادي الإخواني الصفيق، بالحديث عن حكومة تكنوقراط كذوبة يتحكم الإخوان في أول أمرها وآخره، في محاولة لتكرار الخدعة للمرة الثالثة حتى بعد أن افتضح أمرها للجميع.

الغريب أنه وبعد خدعة “إذهب للقصر رئيساً وسأذهب للسجن حبسياً”، وخدعة “حوار الوثبة”، لا تزال الحركة الإسلامية – بشقيها المدني والعسكري – تراهن على قدرتها على خداع الشعب السوداني والعالم للمرة الثالثة وبذات الطريقة، بما يتيح لهم إقامة دولتهم الداعشية ولو في جزء يسير من السودان، ليحكموه من وراء ستار، وهي مهمة لو يعلمون ليست عسيرة فحسب، بل إنها تقع في أعلى قائمة المستحيلات. ألا لعن الله إخوان الشياطين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى