رأيمحمد الفكي

الأمن بلاع الطوال

 

محمد الفكي سليمان
محمد الفكي سليمان

يحمد للاساتذة عبدالله علي ابراهيم ومصطفى البطل اطلاقهم لنقاش حول صلاحيات الاجهزة الامنية. وتشعب النقاش حول عقد مقارنات بين الاجهزة الامنية في السودان والولايات المتحدة الامريكية وحدود صلاحيات وكالات السي اي ايه، واف بي اي واخذ حيزا كبيرا من النقاش
وعلى عظم المجهود المبذول في النقاش لم يتطرق اي من الاستاذين الي النظام السياسي السائد في الدولتين، وكأن السودان امريكا والسلام.
سؤء ظن اهل السودان بالاجهزة الامنية قديم جدا، وقد سمعت اللواء متقاعد عثمان السيد مدير المخابرات ابان حقبة نميري يحكي كيف حاصرته الجماهير في صينية مكي بامدرمان بالهتاف لن يحكمنا الامن القومي، وهذا الهتاف نابع من قناعة الجماهير ان هذه الاجهزة انما كونت اساسا لحماية الانظمة وليس الدولة. وقد تبين صحة حدس غمار الناس في كل الاختبارات التي تعرضت لها الاجهزة الامنية.
جهاز امن نميري على الرغم من انه جهاز قومي تم تكوينه بالانتداب من الجيش والشرطة وغيرها من المؤسسات القومية بالاضافة الي فتح فرصة للجامعيين وعبر هذا الباب دخل ابناء جامعة الخرطوم والجامعة الامريكية في بيروت وغيرها الا ان جهاز الامن ظل خط الدفاع الاول عن نظام انقلابي حجب الحياة الديمقراطية وغيب الاحزاب وجماهيرها بل واجهها بالطيران كما حدث في الجزيرة ابا.
عندما انقلبت الجبهة الاسلامية على الحكم اعتمدت بصورة اساسية على الاجهزة الخاصة وخلقت جهاز امن عقائدي قوامه اعضاء المكاتب الخاصة للتنظيم وعبر هذا الجهاز بطشت بابناء البلاد ، والقصص في هذا الباب ستروى لاجيال قادمة .صحيح ان تركيبة جهاز الامن تغيرت بصورة طفيفة مع مضي الزمن بفتح فرص لتوظيف عموم السودانيين عبر ترشيح وفحص امني دقيق الا ان الممسكين بالعصب الحي في جهاز الامن هم ابناء المكاتب الخاصة للجبهة الاسلامية وبالتالي لايمكن الحديث عن اطلاق يد مثل هذا الجهاز لان يعتبر مطالبة باستمرار نهج هذا الجهاز الذي روع الخصوم بالحبس والتشريد والتصفية الجسدية.
يقينا ان من الخطأ المطالبة بجعل جهاز الامن مجرد جامع للمعلومات في ظل الظروف العادية، ولكن في ظل التعقيدات السياسية التي يعيشيها السودان فان جهاز االامن بانيابه سيعبث بالحياة السياسية فهو متورط في مواجهات مع الحركات التي تحمل السلاح بصورة مباشرة بينما الامر يجب ان يترك للجيش والسياسيين الذين لم يعد لهم عمل في ظل تعملق جهاز الامن الذي بنى امبراطورية اقتصادية وعسكرية واصبح يتدخل في الملف السياسي والدبلوماسي وبالتالي اصبح امبراطورية لايمكن لاحد ان يلجمها حتى لو اراد. اعطاء جهاز الامن سلطات اكبر رهين بوجود نظام سياسي ديمقراطي يستطيع مراقبة هذه الاجهزة وحماية المواطن من جورها وعسفها.
لسؤء الحظ وقر في ذهن كثير من السياسة في السودان ان نقاش الامور العسكرية والامنية من شان العسكر الذين صدروا هذا الوهم للساسة، بينما اصل النظام الديمقراطي هو وضع ادوات العنف الرسمي تحت السيطرة المدنية، وهذا لن يحدث مالم يحكم الساسة قبضتهم على الجيش والاجهزة الامنية الامر الذي ظل حلما بعيد المنال طوال سنوات الحكم الوطني ، وربما احب الساسة ايكال امر الحرب والامن للعسكريين والتفرغ لوزارات التجارة والاستثمار والرخص التجارية، فالحكم غنيمة عند عدد كبير منهم الا من رحم ربي.
لايمكن الدفاع عن اعطاء ساسة العنف اللفظي “الحس كوعك” سلطات وانياب لقمع الخصوم فمثل هذا السياسي متى ارتكز على قوة الامن جعلنا نلحس كوعنا كما حدث طوال السنوات السابقة بينما لايستطيع سياسي منتخب يعرف انه سيذهب غدا الي برلمان حقيقي وربما لن يهل عليه صباح حتى يصل للبرلمان اذ ان الصحافة الحرة ستجهز على مستقبله السياسي ان يتوعد الخصوم باطلاق يد الاجهزة الامنية لدحرهم.
وعليه فان الحرص على اعطاء جهاز الامن الحالي سلطات اكبر لاينفصل عن مشروع استمرار حكم الاقلية التي انقلبت على الحكم في 30يونيو 1989، واستمرار عمل هذا الجهاز الذي بني عقائديا للدفاع عن سلطة الاسلاميين.
النقاش عن الاجهزة الامنية قبل الخوض في الامور الفنية وتقاسم صلاحياته بين الداخل والخارج يتطلب الاجابة على سوال عن من يدافع جهاز الامن، فاذا كان عن الدولة، فمن حقنا ان نسال اي دولة؟ وهل النظام الحالي هو الدولة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى