الساحل كلمة مشتقة من الأصل العربي سهل، ويمتد شريط الساحل من جمهورية جيبوتي مروراً بجمهورية أريتريا، السودان، تشاد، النيجر، مالي وأخيراً السنغال على المحيط الأطلسي، وهي الدول التي تقع بين السافنا الغنية و الصحراء الكبرى شمال القارة الأفريقية، بمعنى آخر هذا الحزام يمتد بين خطي عرض (59) و (517) شمالا.
هذه المنطقة ظلت تحت الأضواء مصر الإمبراطورية الرومانية التي احتلت سواحل المتوسط وأرادت التوغل نحو السهول الإفريقية لاستكشاف مستعمرات جديدة بعد نشوء دولة (الوستفاليا) الأوروبية الحديثة التي نهضت على أنقاض الإمبراطورية الرومانية القديمة.
تم توزيع هذا الحزام بين المستعمرات (الوستفالية) بناءً على مصالحها في المنطقة التي مكنتها من نهب الثروات وغيرها من الأهداف الاستعمارية، تم ذلك في الفترة بين عام 1884 إلى 1940م حيث تقاسمت المنطقة خمس دول هي بريطانيا ،فرنسا، ألمانيا، البرتغال، وإيطاليا. وكان الحزام الأفريقي ملتقى مثالياً بين الشمال والجنوب، إذ تداخلت فيه الأعراف واختلطت بل وانصهرت في بعضها وخلف نماذج وأنماط حضارية استثنائية مما جعل هذا الحزام وحدة واحدة لا تنفصل. ولعل من أبرز دلالات وحدة حزام السافنا الذي أٌطلق عليه أيضاً “الحزام السوداني” الذي يمتد من وادي النيل جنوب مصر حتى السنغال، ونشير هنا إلى أن الشعوب المكونة لهذا الحزام على سبيل الذكر لا الحصر “أمازيغية وعربية وزنجية وفولاني وبجا وأحباش ونوبة” مع تفادي حالات الفصل العنصري بين الأطراف، فالعرب قادوا عملية التواصل التجاري والثقافي والديني بين مكونات الحزام جنوباً، شمالا، غرباً، وشرقاً، والاتصال الإنساني بين المدن انظر كتاب الرحالة “LOOLEY W.D” الموسوم بـ”اتصال العروبة بالأفريقانية” الذي نشر عام 1848م، حيث وصف المنطقة بأنها بلاد الزنوج والعرب والمسلمون، في هذا الحزام ممالك منها مملكة غانا القديمة ومالي وتمبكتو غرباً وممالك برنو ودارفور وسنار شرقاً.
بعد خروج الاستعمار الوستفالي الحديث خلف وراءه دويلات استعمار بالوكالة لتحل محله لمواصلة نهب الثروات عبر الوكلاء المحليين أو ما يعرف (بالكمبرودورات). ونشأت احتكاكات كثيرة بين المزارعين والرعاة، وأججت حروباً مستمرة بسبب الحركة الدائمة للمجتمعات بحثاً عن مصادر المياه والرعي والأرض الخصبة للزراعة.
إن ترسيم الحدود الجديدة وفقاً لرؤية الاستعمار الوستفالي أعاق الحركة وقطع الصلات بين قبائل الساحل بعد أن وجدت بعض القبائل نفسها في عزلة عن بعض، أصولها في دول أخرى بسبب ما يعرف بحدود الاستعمار التي جافت الحقائق التاريخية للحدود الاجتماعية. وبذلك خلق الاستعمار حدود يستحيل العيش فيها بالنسبة لكثير من مكونات هذه الشعوب، بعد أن فقد الكثير منها امتداده التاريخيّ وعماد حياته في حدود أخرى. إضافة إلى ذلك، يمكننا القول إن الاستعمار أبقى على أسوأ شكل من الحكومات، حيث قام بتوريثها المشاكل السابقة دون الاستعداد لتولي المسؤولية أو ممارسة سلطة نزيهة، وزاد عليها عبء آخر وهو حراسة مصالحه في المنطقة. وأنتج كل ذلك مشكلات مستعصية حالت دون نهوض مجتمعات الحزام الذي ظهرت فيه العديد حركات المقاومة التحررية بقيادة مناضلين أفذاذ أمثال باتريس لومومبا في الكونغو، وتوماس سنكارا البوركيني، وفرحات حشاد في تونس، والعربي بن المهدي في الجزائر، وأميلكار كابار في غينيا إلى آخره.
وبالتركيز على الوضع في السودان فإن الحزام يمتد من سهول البحر الأحمر شرقاً حتى منطقة أم دخن جنوباً ومنطقة غرب نهر النيل الى منطقة الطينة غرباً عند الحدود مع دولة تشاد، وفي هذه المنطقة نجد أن المشكلة أصبحت أكثر تعقيداً عن بقية دول المنطقة بسبب التهميش المركب الذي واجهته هذه المجتمعات اقتصادياً، اجتماعياً ثقافياً، إثنياً وجهوياً.
وبالبحث عن جذور ومسببات التدهور، نجد أن هناك عدة عوامل مشتركة كان لها القدح المعلى في هذا التهور وفي مقدمتها السياسات المتعمدة التي ركزت على إثارة العنف والنعرات القبلية والحرمان من التعليم والتجهيل المتعمد والإفقار الاقتصادي والسياسي والحرمان من الحقوق والحريات. بالإضافة إلى الظروف الطبيعية التي ساهمت هي الأخرى في عملية التدهور، حيث تعرض هذا الحزام لموجات من الجفاف والتصحر دون أن تكون هناك أي سياسات حكومية لمواجهته مما فاقم من حجم المشكلة.
لذا؛ لا بد من استراتيجية لمواجهة قضايا حزام ساحل شبه الصحراء والسافنا الفقيرة من خلال حزمة من المعالجات:
1. إن أنماط الرعي المتنقل والزراعة التقليدية لدى شعوب المنطقة الغربية، لا تتماشى مع التوجهات الحديثة، لذا لا بد من تغيير نمط العيش، وهذا يحتاج إلى أجيال من خلال التدرج في التنفيذ (social trauma) حتى لا تحدث شروخ اجتماعية.
2. ساهم تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة (global warming) في توسع رقعة الجفاف وتقلص السافنا جنوباً، الأمر الذي أدى إلى هجرات مجموعات سكانية كبيرة إلى الجنوب واعتماد المنطقة كلياً على المطر، ولذلك من المهم التوسع في تطوير الزراعة -تحديث وسائل الإنتاج والتوسع الرأسي.
3. إنشاء وتطوير الصناعات التحويلية مثل صناعات الألبان، اللحوم الجلود، إلى آخره.
4. برامج التنمية البشرية.
5. توفير الرعاية الصحية الكاملة للإنسان والحيوان.
6. الاهتمام بالبيئة المحيطة به خاصة بعد اكتشاف البترول والأضرار التي يمكن أن يسببها استخراجه.
7. التنمية الثقافية من الإدماج التدريجي لشعب المنطقة في نمط الحياة الحديثة.
هذه المعالجات لن تكتمل بالطريقة المطلوبة مالم تصاحبها خطوات أخرى تتمثل في الآتي:
– رفع الوعي للمعنيين بضرورة أهميتها (awareness).
– تقنينها على مستوى الدستور والقوانين.
– تنفيذها وذلك عبر القيام بالآتي:
1/ المسوح الجغرافية 2/ البحوث العلمية 3/ توفير التقنيات والكوادر اللازمة 4/ التعويض عن تراكم الفوائض التاريخية منذ تأسيس الدولة السودانية.
مولانا محمد المختار النور
بكالوريوس الشريعة والقانون
ماجستير القانون العام
طالب دكتوراه قسم القانون العام