بتول المسلمي تكتب: حيٌ مُهان ،، ميتٌ مُهان .. معنى أن تكون سودانياً
2021-04-20آخر تحديث 2021-04-20
26 2 دقيقةقراءة
بتول المسلمي
أكثر من مئتي جثة ، تحللت ، تفسخت و سالت ، مئتي جثة لأناس ، لبشر ، لمواطنين سودانيين ، هكذا تُرمى جثثهم ، تُترك حتى تعلن عن وجودها بالرائحة التي أزكمت أنوف سكان الامتداد ، مئتي قصة نُسيت و تُركت لتتعفن ، مئتي قصة تحكي معنى أن تكون سودانياً ، تتحلل أحلامك و أنت حي ، و يتحلل جسدك دون قبر يأويه .
دماؤك رخيصة لا تساوي ثمن الطلقة التي أسالتها ، و لا التربة التي تأويها .
معنى أن تكون سودانياً ، تتشرد بين الأوطان تقف على مباني مفوضيات اللجوء في الدول ، تحكي قصتك المأساة ، تُراكِم الظلم فوق الظلم و تبني روايتك المؤلمة ، ثم تتشرد جثتك في وطنك بين الحاويات و ثلاجات المشارح ، تفوح رائحتك حتى تقول أنا موجود هنا ، أنقذوني من المهانة ، سئم جسدي منها ، حي و ميت !.
مئتي جثة تتكدس فوق بعضها في ثلاجة فواكه ، ينقطع عنها تيار الكهرباء مراراً ، حتى تنفجر شلالات الدماء و السوائل المتحللة ،
هذه القصة منسوخة من آلام سابقة ، ظلت تؤرقنا منذ فض اعتصام القيادة العامة ، فقبل عدة أشهر تكدست في مشرحة ود مدني أكثر من 168 جثة مجهولة الهوية ، دون أي توضيح من الحكومة ، التي تكتفي بتكوين لجنة تحقيق ، و تُنسى القضية ، كأنها لم تحدث بالأصل ، من هؤلاء المئة و ثمان و ستون ،في مشرحة ود مدني ؟
من هؤلاء المئتان في مشرحة التميز ؟
من الذين قُبروا في دارفور ؟ ، من الذين دفنوا في العيلفون ؟، و في كل مقبرة جماعية في هذه البلد !؟ من هؤلاء الذين قتلو في عنبر جودة ؟ ، عشرون دستة من البشر ، مئتان و أربعون شخصاً افتتحتت بهم الحكومات الوطنية قسوتها ، و بدأت سنتها الأولى التي لم تنتهي حتى اللحظة ، و وجهت إليهم نفس وسيلة الموت غير الرحيم ، التكدس حتى الاختناق .
من الذين قتلوا في مجزرة الجزيرة أبا ؟ ، و في بيت الضيافة ؟، و المقابر الجماعية في جنوب السودان ؟ ، ليسوا مجرد أرقام ، ليسوا مجهولو الهوية ، هم مواطنون سودانيون ، لهم الحق في حياة كريمة ، و إن لم يجدوها _على الأرجح _ فإن لهم الحق في موت كريم ، و إكرام الميت دفنه .
هؤلاء إخوتنا ، أعجزنا أن نورائ سوءة اخوتنا ؟ ليس أمامنا إلا تأييد اعتصام سكان الامتداد ، فالقضية ليست قضيتهم وحدهم ، _ حتي يتم حل المشكلة_ ، و تحقيق مطالبهم بحفظ كرامة الأحياء ، و الأموات لأرواحهم السلام ، ورحمهم الله الذي وسعت رحمته كل شئ .
لا يجب أن تمر هذه الحادثة ، دون محاسبة كل من تورط في إراقة دم سوداني ، أو إهدار كرامته ، لن ننس الأمر ثم يُعاد ألى أذهاننا ، عندما تتكرر حادثة مشابهة .