أخبارتقارير وتحقيقات

“بي بي سي”: «جسر جوي إيراني لدعم الجيش بالأسلحة»

الجماهير- ،وكالات: في السابع من ديسمبر 2023، أقلعت طائرة ركاب من طراز بوينج 747 تابعة لخطوط Qeshm Fars Air من مطار بندر عباس الإيراني متجهة نحو البحر الأحمر، قبل أن تختفي عن أجهزة الرادار عند الخامسة صباحا.

بعدها بساعات، التقطت الأقمار الصناعية صورة لطائرة من النوع نفسه، في مطار بورتسودان شرقي البلاد، حيث يقيم قادة الجيش السوداني ووزراء الحكومة.

وأكد تحقيق خاص «لبي بي سي» عن المسيّرات الأجنبية في حرب السودان، عن تسيير إيران لجسر جوي لدعم الجيش السوداني بالأسلحة، مشيرة إلى أن الطائرات المسيرة أجنبية الصنع صارت اللاعب الأبرز في الحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ غيرت مسار الحرب على الأرض منذ ظهورها أواخر العام الماضي.

ويوثق التحقيق امتلاك الجيش السوداني نوعين على الأقل من المسيرات الإيرانية، فضلا عن مسيرات انتحارية، استخدمها خلال الحرب.

وثقَّت بي بي سي نيوز عربي استخدام الجيش السوداني لنوعين من المُسيَّرات الإيرانية في حربه ضد قوات الدعم السريع.

النوع الأول هو مسيرة مهاجر 6. يبلغ طولها 6 أمتار ونصف، وعرض جناحيها 10 أمتار. تستطيع التحليق حتى نطاق 200 كيلومتر، على ارتفاع 10 آلاف قدم، ويمكنها شن هجمات جوية بذخائر موجهة ذات سقوط حر.

في السابع من يناير/كانون الثاني 2024، أسقطت قوات الدعم السريع مسيرة شرقي الخرطوم، وظهر حطامها في مقطع مصور. كان الحطام ومحرك المسيرة والذيل يتطابقون مع مواصفات مهاجر 6، وفقا لتحليل قام به فيم زوينينبيرج، وهو خبير مختص بالطائرات المسيرة، ورئيس مشروع نزع السلاح الإنساني في مؤسسة PAX For Peace.

تعرف فيم أيضا على نسخة أخرى من المسيرة في قاعدة وادي سيدنا العسكرية التابعة للجيش، كانت على مدرج الطائرات بعد حادثة التحطم بيومين، حسبما تظهر صورة الأقمار الصناعية.

يتطابق طول المسيرة، وعرض الجناحين، والذيل المزدوج، ووحدة التحكم مع المواصفات المعروفة لمهاجر 6.

تمنح هذه المسيرات أفضلية للجيش السوداني وفقا لفيم، إذ يقول لبي بي سي: “يملك الجيش السوداني عددا أكبر من المسيرات لأنه يحصل على دعم من إيران. لذلك هو في وضع أفضل الآن، ونرى تأثير ذلك بالفعل في عملياته العسكرية”.

كما أن مسيرات مهاجر 6 أكثر فاعلية من الطائرات الحربية التقليدية، بحسب فيم “هذه المسيرات فعالة للغاية لأنها تستطيع تحديد الأهداف بدقة ولا تتطلب إلا أسبوعين من التدريب، بعكس طائرات حربية أخرى تحتاج إلى خطوط إمداد وصيانة وتدريب أكبر”.

بعد ثلاثة أسابيع من إسقاط مهاجر 6، أُسقطت مسيرة أخرى تابعة للجيش، على أيدي قوات الدعم السريع، تسمى زاجل 3، وهي نسخة مصنعة محليا في السودان، من المسيرة الإيرانية أبابيل 3.

يتطابق حطامها أيضا مع مواصفات المسيرة التي يبلغ طولها 4.5 أمتار، وعرضها 6.5 أمتار

تعرف فيم على نسخة أخرى من زاجل 3، التقطت الأقمار الصناعية صورة لها في الخامس من مارس/آذار 2024، في قاعدة وادي سيدنا العسكرية التابعة للجيش، وتقع في مدينة أم درمان غربي العاصمة.

تتطابق مواصفاتها أيضا مع زاجل 3، من حيث الطول، وعرض الأجنحة وشكل الذيل.

كانت مسيرات زاجل 3 تستخدم في السودان منذ سنوات. لكن أول استخدام لها في إطار الحرب كان في يناير/ كانون الثاني الماضي، أي بعد نحو 8 أشهر على بدايتها.

من وجهة نظر فيم، يعد استخدام المسيرة في الآونة الأخيرة “مؤشرا على دعم إيراني نشط للجيش السوداني، من خلال توفير الصيانة لتلك المسيرات” ويقول: “إذا كانت تلك المسيرات مزودة بقذائف موجهة، فهذا يعني أن مصدرها إيران لأن تلك القذائف لا تُنتج في السودان”.

وفي صباح 12 مارس عام 2024، كان جنود الجيش السوداني يحتفلون بتقدم عسكري غير مسبوق. لقد سيطروا على مبنى الإذاعة والتلفزيون في العاصمة الخرطوم، للمرة الأولى، بعد 10 أشهر من الحرب.

قبلها بعشرة أشهر، سيطر جنود قوات الدعم السريع، وقتها، بدأت الحرب بين الطرفين، وسقطت معظم المدينة في قبضة الدعم السريع، لم يكن الجيش ليستعيد السيطرة على الإذاعة من دون المسيرات الجديدة المستوردة من الخارج.

في هذا التحقيق، حللت بي بي سي نيوز عربي عشرات المقاطع المصورة، ووثقت الأسلحة والمسيرات الجديدة التي حصل عليها طرفا الصراع منذ بداية الحرب، وكيفية وصولها إلى السودان، وكيفية تغييرها لمسار الحرب.

“اعتمد الجيش في المراحل الأولى من الحرب على سلاح الطيران. سلاح الجو لا يمكن أن يحدث تفوقا عسكريا لا سيما ضد قوة أرضية خفيفة في تسليحها وسريعة في حركتها”، يقول سليمان بلدو، مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات لبي بي سي.

ويضيف “يجب أن نتذكر أن قوات الدعم السريع كانت بمثابة القوات الأرضية للجيش. بعد الحرب، وجدت القوات المسلحة كل قواتها التفضيلية محاصرة، مثل سلاح المدرعات والقاعدة الجوية في وادي سيدنا، ولم تكن لديها قوات مقاتلة على الأرض، وهذا كان سببا رئيسيا في أنها كانت في موقف الدفاع لعدة شهور”.

رسمت هذه الظروف خريطة السيطرة على الأرض، إذ احتفظ الجيش بالسيطرة على مواقع محدودة في الخرطوم، وبقي محاصرا في قواعده لأشهر عدة، لكنه ظل محتفظا بانتشاره في السماء.

أما قوات الدعم السريع فكانت تسيطر على معظم أراضي العاصمة، وكذلك على معظم إقليم دافور غربي البلاد.

المسيرات الإيرانية لا تحلق وحدها في سماء السودان. فقبل أسابيع من استخدامها، كان الجيش السوداني يطلق مسيرات انتحارية، تعمل بتقنية FPV أو ما يعرف بطائرات “رؤية الشخص الأول”.

يتم التحكم فيها عبر نظارات خاصة تشبه نظارات الواقع الافتراضي، وجهاز تحكم صغير محمول في اليد.

يبلغ وزنها نحو كيلوغرام واحد، ولديها القدرة على الطيران لمسافات قصيرة وارتفاعات منخفضة، وهي قادرة على تتبع الهدف، والارتطام به مباشرة.

يظهر مقطع مصور تحققنا من صحته إحدى هذه الطائرات تحلق فوق نهر النيل، وتستهدف سيارة لقوات الدعم السريع.

إلى جانب المسيرات، حاولت قوات الدعم السريع ترجيح كفتها في الحرب، وتحييد سلاح الطيران الذي يمتلكه الجيش، باستخدام دفاعات جوية.

ويظهر مقطع مصور نُشر في مارس/ آذار 2024، استخدام قوات الدعم السريع منظومة دفاع جوي محمول على الكتف ذات قدرات متطورة، تسمى FN-16.

ويعتقد الخبراء أن قوات الدعم السريع استولت على هذه المنظومة.

جسر جوي إيراني

في السابع من ديسمبر / كانون الأول 2023، أقلعت طائرة ركاب من طراز بوينج 747 تابعة لخطوط Qeshm Fars Air من مطار بندر عباس الإيراني متجهة نحو البحر الأحمر، قبل أن تختفي عن أجهزة الرادار عند الخامسة صباحا.

بعدها بساعات، التقطت الأقمار الصناعية صورة لطائرة من النوع نفسه، في مطار بورتسودان شرقي البلاد، حيث يقيم قادة الجيش السوداني ووزراء الحكومة.

طائرة تابعة لخطوط  Qeshm Fars Air

صدر الصورة،PLANET LABS

التعليق على الصورة،المصدر: Maxar- Planet Labs

ثم انتشرت على موقع إكس (تويتر سابقا) صورة للطائرة ذاتها على مدرج الطائرات.

المصدر: تويتر/ إكس - جوجل إيرث

صدر الصورة،X AND GOOGLE EARTH

تكررت هذه الرحلة 5 مرات، حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2024، الشهر نفسه الذي وثقت فيه استخدام المسيرات الإيرانية.

تلاحق شركة Qeshm Fars Air تهم عديدة بنقل السلاح والمقاتلين في الشرق الأوسط، خصوصا إلى سوريا، أحد أبرز حلفاء إيران في المنطقة التي شهدت حربا لأكثر من عقد من الزمان. وتواجه الشركة عقوبات أمريكية بسبب هذه المزاعم.

وحتى سنوات قليلة مضت، كان للسودان تاريخ طويل من التعاون العسكري مع إيران، قبل أن تتوقف العلاقات بين الطرفين عام 2016 بسبب خلاف بين السعودية وإيران، انحاز فيه السودان إلى السعودية.

“تاريخيا هناك علاقة تعاون بين إيران والسودان، لا سيما في الصناعات العسكرية. أسلحة سودانية عدة تُصنع محليا من نسخ إيرانية”، يقول سليمان بلدو مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات.

أعادت الحكومة السودانية العلاقات مع طهران في خضم الحرب. ولكل طرف منهما أهدافه كما يقول بلدو: “إيران تبحث عن موطئ قدم في المنطقة، وسوف توفر مسيرات أكثر تطورا وبأعداد كبيرة إذا وجدت بتنازلات جيوستراتيجية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى