رأي

د. أبو عسل السيد أبو عسل: مصر السيسوية تدعم الإرهاب (3/1)

بعد أن كانت الدولة المصرية حتى وقت قريب حليفا استراتيجيا للمنظومة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية والعالم المتمدن ضد الجماعات الإرهابية وأعمالها الممنهجة التي يمثل التنظيم العالمي للأخوان المسلمين رأس الرمح فيها لاسيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل الأفريقي، غدت ذات الدولة المصرية في عهد المشير عبدالفتاح السيسي – تحت سمع وبصر الولايات المتحدة وحلفائها – شريكا أصيلا في العمليات الإرهابية التي شرعت حركة الأخوان المسلمين السودانية وكتائب البراء ومثيلاتها الإرهابية في القيام بها ضد المدنيين العزل منذ نشوب الحرب السودانية الحالية في الخامس عشر من نيسان/أبريل وحتى هذه اللحظة.

وقبل أن نلج إلى موضوع هذا المقال ينبغي علينا أن نعرف الإرهاب نفسه حتى نفهم طبيعة دعم الدولة المصرية له في السودان على وجه التخصيص. وعليه فإن الإرهاب هو قيام مجموعة من الناس بأفعال غايتها زجر الأفراد والمجتمعات والدول وتخويفهم لأجل تحقيق أهداف تتعارض مع المفاهيم والقيم والأعراف الاجتماعية الثابتة. أما القاسم المشترك بين من يمارس الإرهاب هو حب السيطرة والنزوع إلى التسلط. بمعنى آخر فإن الإرهاب هو أي عمل عنيف تقوم به جماعات متطرفة – حكومية أو غير حكومة- أو عملاء سريون أو جمعيات باطنية بدافع سياسي ضد أهداف غير مقاتلة، ويهدف عادة إلى إحداث تأثير صادم على العامة بنية إخضاعهم وقهرهم.

لقد ظلت الحركة الإسلامية السودانية، وهذا هو الاسم السوداني لجماعة الأخوان المسلمين في السودان – على غرار حزب الإصلاح في اليمن وحركة النهضة في تونس وجماعة الصحوة في السعودية ومثيلاتها الحربائية في كل دولة – تقوم بقصف المدنيين العزل بالبراميل المتفجرة والمواد السامة في مختلف أنحاء السودان، التي تقع خارج نطاق سيطرة الحركة وقواتها المسلحة، من خلال سلاح الجو السوداني الذي غدا تحت سيطرة عناصرها المتغلغلة في القوات المسلحة السودانية منذ الانقلاب العسكري الذي نفذته في الثلاثين من حزيران/يونيو 1989م. تلك السيطرة ظهرت جلية للعيان بإقتصار الانضمام للكلية الحربية السودانية حصريا على عناصر الحركة الإسلامية السودانية ولا سيما الدفعات من الأربعين وحتى الخامسة والأربعين الذين أصبحوا اليوم قادة فروع القوات المسلحة ووحداتها وشعبها وبالذات القوات الجوية وأسلحة الدروع والاستخبارات العسكرية.

ومنذ بداية هذه الحرب دأبت الجماعات الإرهابية شديدة التطرف – مثل كتائب البراء، والبرق الخاطف، والفرقان، والبنيان المرصوص، والنصرة – المنضوية جميعها تحت لواء الحركة الإسلامية السودانية على ارتكاب عمليات إرهابية بالغة الوحشية ضد المدنيين الأبرياء العزل من خلال قطع الرﺅوس، وبقر البطون، ودفن الأحياء أو إلقائهم مغلولين من فوق الجسور بينما يتم إطلاق الرصاص عليهم. بيد أن تلك الوحشية بلغت مداها في جميع مناطق سيطرة القوات المسلحة ببقر بطون النساء الحوامل وهن حيات ثم إخراج أجنتهن ثم قتل تلك الأجنة، علاوة على عمليات الإبادة الجماعية لسكان قرى ولاية الجزيرة المعروفة بالكنابي ومواطني دولة جنوب السودان فيها في الماضي القريب لهذه الحرب.

ولعل المتابعون من ذوي الإختصاص يدركون جيدا أن أسماء مثل كتائب البراء والبرق الخاطف والنصرة والفرقان والبنيان المرصوص والمقاومة الشعبية ما هي إلى تلاعب بالكلمات وإعادة إنتاج لأسماء تنظيمات إرهابية معروفة شاركت مع القوات المسلحة في العمليات الإرهابية الوحشية ضد السودانيين العزل أثناء الحروب في جنوب السودان وجبال النوبة ودارفور وشرق السودان في الربع الأخير من القرن الماضي والعشرية الأولى لهذا القرن. إن أول تلك الأسماء وقتها هو الدفاع الشعبي الذي أضحى اليوم المقاومة الشعبية، وكتائب المجاهدين والدبابين والسائحين والكتيبة الخرساء التي أصبحت جميعها اليوم كتائب البراء والبرق الخاطف والنصرة والفرقان والبنيان المرصوص. ولا يمكن إغفال أن مؤسس الدفاع الشعبي في الماضي هو علي محمد كرتي – زعيم الحركة الإسلامية اليوم – ويشرف بنفسه على عمليات الاستنفار لما يسمى بالمقاومة الشعبية ذات الطبيعة الجهادية المتطرفة.

لكن مصر كانت قد شرعت في دعم الإرهاب السوداني المتأسلم منذ أن أصبحت أول دولة تعترف بالانقلاب العسكري الذي نفذه إخوان السودان في الخرطوم، ضد السلطة المدنية المنتخبة ديمقراطيا، سنة 1989م، ثم توجت مصر ذلك التأييد لاحقا بإيواء سفاح جهاز الأمن والمخابرات السوداني وأحد غلاة متأسلمي الدولة السودانية الفريق صلاح عبد الله محمد صالح المعروف بقوش غداة إجباره على الهروب خفية من السودان في أبريل 2019 – رفقة جنرالين متأسلمين آخرين هما الفريق عوض أحمد ابن عوف والفريق كمال عبد المعروف – عشية الإطاحة بثلاثتهم مع آخرين من المجلس العسكري الذي أطاح شكلا بالدكتاتور المتأسلم عمر البشير. لقد شرع الرجال الثلاثة على الفور، بأمر من علي محمد كرتي زعيم الحركة الإسلامية السودانية وبرعاية مباشرة من المخابرات المصرية، في التخطيط لشن الحرب الحالية لتتحدد ساعة صفرها في الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023م.

سنواصل في الجزأين الثاني والثالث من هذا المقال تشريح ثم تسبيب الدعم الرسمي للدولة المصرية السيسوية للإرهاب أثناء الحرب السودانية الحالية.

شيكاغو
2مارس/آذار 2025م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى