رأي

علي أحمد يكتب: جمهورية الجيش المحتضرة !

علي أحمد
علي أحمد

لم تتساقط الفِرق العسكريِّة التابعة للجيش المُختطف من قبل الكيزان تباعاً بهذه الطريقة المُثيرة للرثاء والشفقة، إلاّ لأن هناك خلل ما، ضرّب إحدى أعرق المؤسسات العسكرية في أفريقيا، فما الذي حدث يا تُرى، ومن الذي أوهن الجيش وأضعفه؟
هل هم الثوار، هل هو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، هل هي قوات الدعم السريع، هل هو الشعب السوداني، هل هي الأحزاب السياسية؟
من الذي كسر أنف المؤسسة العسكرية وغلّ يدها وجعلها عاجزة عن الانتصار حتى في معركة واحدة، وكاذبة تخلق انتصارات موازيه في الخيال عبر الدعاية الإعلامية؟ من؟؟
بالطبع انهم (الكيزان) لا غيرهم.

بعد أن دانت الفرقة (16) نيالا للدعم السريع، وسقطت الفرقة (21) زالنجي، تبعتها سيطرة تامة على حقول النفط في بليلة ومطار البلدة في كردفان، ثم سقوط ولاية غرب دافور بعد أن فرض (الدعم السريع) سيطرته الكاملة عليها والاستيلاء على الفرق (15) بكامل عدتها وعتادها، فيما تطوّق مدينة الفاشر، عاصمة شمال دافور؛ التي يبدو أن سقوطها أصبح وشيكاً.
أي أن الدعم السريع أصبح يسيطر فعليًا على 20% من مساحة السودان، واذا اضفنا لذلك ولاية الخرطوم -إلاّ بعض الجيوب التي يختبئ فيها الجيش في مقراته – وكذلك أجزاء واسعة من كردفان، فإن هذه المساحات لربما بلغت في مجملها نحو نصف مساحة البلاد كلها تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ولا جيش ولا هم يحزنون!
واللافت أن قوات الدعم السريع شرعت فعلياً وعملياً بتطبيع الحياة في المدن والبلدات التي تسيطر عليها، فقد عادت الحياة إلى نيالا وزالنجي بعد دحر الجيش عنهما، فشهدنا عودة للنشاط الرياضي والحركة التجارية وبداية عودة للنازحين إلى منازلهم بعد أن بُسِّط لهم الأمن، وسيحدث ذلك في الجنينة وغيرها !
ولأنّ الإصلاح والتطوير عملية شاقة وطويلة، فإنّها تبدأ دائماً بالاعتراف بمواضع ومواطن الخلل والوقوف عليها ووضع خطط وبرامج لمعالجتها ومن ثم الانطلاق نحو آفاق جديدة، فانه ينبغي علينا أن نقولها واضحة وصريحة دون تردد أو خشية، وهي أن الجيش السوداني – وهذا مؤسف ومحزن – فاسد القيادة ضعيف القدرات، وبالتالي غير مؤهل أخلاقيا وعسكرياً لحماية البلد والزود عن أراضيه وسيادته واستقلاله، وضح ذلك جليّاً للجميع، لذا وجب معالجة الأمر بجدية من خلال تأسيس جيش جديد كليًا وبعقيدة جديدة عقب انتهاء الحرب، وليس إصلاح وهيكلة كما كنا ننادي أيام (رومانسيتنا) الأولى، قبل أن تكشف لنا هذه الحرب – كما لكل العالم- باننا كنا نعيش أكذوبة اسمها الجيش، أكذوبة كبرى ليس لها وجود إلا في أسواق الفحم والذرة والسمسم واللحوم!
وأولى خطوات تأسيس الجيش الجديد تبدأ بإخلاء المؤسسة من العملاء الكيزان، هذا شرط أولي وأخير، ومن ثم تنظيفها من أي أدلجة أخرى، ومنعها من العمل السياسي والتجاري، وجعل الكلية الحربية متاحة لكافة السودانيين المؤهلين أكاديمياً وبدنياً للإلتحاق بها، وإعادتها إلى وظيفتها الدستورية والقانونية. إن لم يحدث ذلك أُنذركم بدويلات لأمراء الحرب ستحل مكان هذا البلد الموحد العظيم، الذي سرقه منا الكيزان بليل، ودمروه بطريقة لم يسبقهم عليها أحد ولن يخلفهم بعدها أحد!

وأخيراً، علينا أن ننظر لقوات الدعم السريع بمسؤولية ونأخذها بجدية، وأن نتخلى عن (العبط الإسفيري) الذي يقلل من شأنها ومن قوتها الضاربة، لأن أولى خطوات الإصلاح والبناء هي تقديرك لخصمك والاعتراف بقوته، وإلا أصبحت فريسة له، كما هو حال الجيش المسكين الآن.
إن الدعاية الغبية ضد قوات الدعم السريع، لم تخلّف غير الانتصارات (الهوائية) للجيش، وإن إشاعة مقتل (حميدتي) والإصرار عليها لم تجعل الدعم السريع ينهزم أو يتراجع ولم تحقق انتصاراً واحداً للجيش، بل هزائم متلاحقة في الخرطوم والولايات، ولذلك على الشعب أن لا يخضع للإبتزاز العاطفي والجهوي الذي تمارسة الآلة الدعائية التابعة للكيزان المسيطرين على الجيش، وعليه أن يتعامل مع الواقع والوقائع كما هي على الأرض، فقوات الدعم السريع ليست كائناً فضائياً هبط علينا من السماء، بل واقعاً معاشاً وفاعلاً، رضينا أم أبينا، كما أنها قوة كبيرة ومقاتلة، يمكن تصنيفها كأحد أقوى الجيوش البرية في أفريقيا، إذ تتفوق على معظم جيوش القارة بقوتها الضاربة وبسالة جنودها، وبالتالي يستلزم التعامل معها بكثير من الجدية والحرص، وترك التفكير الرغبوي الساذج في القضاء عليها مرة وحدة، ضربة لازب، هذا لن يحدث، لن يحدث مطلقًا، نقولها لكم الآن قبل أن لا يكون هناك آن، ولكم السلام وعليكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى