رأي

كتب علي أحمد: ومن يُصدق مناوي؟

علي أحمد
علي أحمد

رغم أنه صدق في خلاصة (أحجيته) لسودان تربيون، بأن قال إن الحرب بدأت في معسكر المدينة الرياضية التابع للدعم السريع، وبالتالي يكون مني أركو مناوي قد عضّد من حيث (لا يحتسب) سردية أن الجيش هو من بدأ الحرب يوم 15 أبريل في المدينة الرياضية، فماذا قال في ذلك؟
” انتهى الاجتماع وعدنا إلى منازلنا على أن نلتقي حميدتي عند 10:00 صباح السبت، لكن عند الساعة التاسعة صباحا أيقظني مرافقي الأمني على أصوات الرصاص التي بدأت في المدينة الرياضية، جنوب الخرطوم، وكانت سياراتي معدة وجاهزة للتحرك إلى مقري بشارع البلدية.

يواصل مناوي: “وعاودت الاتصال بالجنرال حميدتي، سألته، هل ثمة فرصة لإيقاف ما يجري الآن، فكان رده أن سألني: أنتم كنتم مع البرهان حتى ساعات الصباح الأولى، ماذا قال لكم؟ أجبته: البرهان قال سيلتزم بالتهدئة إلى حين لقائك، بافتراض أننا سنبلغك اليوم عند لقائنا، الذي لم يتم، فكان رد حميدتي: ” إن البرهان بادر بالهجوم”.

هكذا يعترف أحد كبار الكذابين في سوق السياسية والارتزاق السوداني بأن الجيش ومن معه بادروا بالهجوم واشعلوا الحرب، لكن من يقرأ الحوار – مقابلة مناوي – مع سودان تربيون، لن يستغرق وقتاً طويلاً ليتعرف على أنه خصصها لنفي تهمة اشعال الحرب عن الجيش، لكنه لم يستطع واضُطر إلى قول الحقيقة بأن الحرب انطلقت من المدينة الرياضية – حيث تطابقت روايته مع الروايات الأخرى التي أكدت أن الجيش هو من هاجم معسكر الدعم السريع بالمدينة الرياصية.

لكن سلوك مناوي الذي يُظهِره كالأرجواز والمهرج – كما ذكرت أكثر من مرة – أضفى إلى حواره الفطير مع سودان تربيون – والمصنوع لأغراض سياسية – على رأسها تحميل مركزي الحرية والتغيير وزر اشعال الحرب ونفيها عن الكيزان، وفي هذا الصدد اختلق قصة السيارة (الشريحة) التي هبط منها عبد الرحيم دقلو، وكاد أن يهبط خالد عمر خلفه، لكنه ما إن أطل برأسه حتى رأى مناوي ورهطه في فناء (حوش) منزل حميدتي، فتراجع إلى داخل السيارة، وأضاف الرجل المعروف بصناعة الفنتازيا السياسية المرحة بأنهم علموا لاحقاً أن الواثق البرير وياسر عرمان وطه عثمان كانوا داخل (الشريحة)، ولم يحدثنا من أي مصدر علم ذلك؟ لكن يمكنني أن استتنج أن من أخبره بذلك واحد من اثنين، إما جبريل إبراهيم أو شمس الدين الكباشي، لماذا؟

لأن جميع الإفادات التي أدلى بها مناوي لهذا الحوار، كانت منقول عن الرجلين الفلوليين المعروفين، قال لي جبريل أن الدعم السريع لم يوقف التصعيد، قال لي شمس الدين الكباشي إن حميدتي يخطط لانقلاب، قال لي جبريل إن الدعم السريع لا يزال يواصل تصعيده ….إلخ .

ولذلك فإن استناد (صغير الكذابين) إلى كُبراء الكيزان الكذابين، بل والانقلابيين الذين ساندوا البرهان في 25 أكتوبر المشؤوم، يكشف بوضوح تام ودونما لبس عن كيف صُممت مقابلة سودان تربيون لإدانة الدعم السريع ومركزية الحرية والتغيير وترسيخ السردية الوهمية المفبركة بأن الأخيرة تلعب دور الظهير السياسي للأولى، وهذه رواية كيزانية محضة وحصرية.

وهنا لا أقول ان سودان تربيون هي التي صممت المقابلة لتبدو على هذا النحو من الرثاثة والركاكة، وإنما من أوعزوا لمناوي بقول ذلك ومن دفعوا به إلى هذا الحوار المرح الذي خلق لعموم السودانيين مساحة صغيرة للعبث والترفيه في هذا الجو المعتم بالموت والمرض والفقر والوجع المقيم.

قصة (الشريحة) هذه – مضحكة بالطبع – لكن الأكثر اضحاكاً، أن يستند مناوي على أقوال جبريل وكباشي، فهذا يذكرني بتصنيف الأحاديث النبوية الشريفة إلى صحيحة، وضعيفة وآحاد …إلخ.

فلا يُمكن أن تأتي بشخص لتحاوره كشاهد وفاعل، فلا يقول شيئاً، وإنما ينقل عن شخصين (أصدقهما أكذبهما) على غرار (أحلاهما مًر)، كما انهما منحازان لكونهما ينتميان فكرياً وسياسياً إلى الحركة الإسلامية، وأحدهما ضابط عظيم شارك وخطط لانقلاب أكتوبر المشؤوم، وثانيهما أيد الانقلاب ليظل في وزارة المالية حتى اللحظة، فمثل هؤلاء لا يؤخذ بحديثهما ولا تُعتمد روايتهما ولا يُعتد بها.

مناوي نفسه، من مساندي انقلاب 25 أكتوبر، وهو فضلاً عن ذلك رجل فاسد، وما أموال المسؤولية الاجتماعية التي خصصها اللص الآخر “مبارك أردول” مدير شركة المعادن لدعم حفل تنصيبه والياً على دارفور، وأثارت جدلاً كبيراً وقتها، إلاّ إحدى العلامات الصغرى على فساد الرجل، أو الرجلين معاً، لكن العلامة الكبرى هو أن الرجل يعتبر كبير المرتزقة في تاريخ السودان السياسي الحديث،ـ إذ يرسل أبناء دارفور المجندين في حركته إلى ليبيا ليساندوا ذاك الطرف أو هذا، بلا شرعية بل متى ما استدعى الأمر وفُتحت الخزائن، فالرجل لا يتورع في الارتزاق – يدفع الفقراء من أبناء جلدته إلى الموت خارج البلاد وخارج سياق النضال الذي يدعيه – مقابل حفنة دولارات، وهذا دأب جميع مساندي انقلاب البرهان وحربه الراهنة، ودونكم تسريبات تسجيل “الأردول” في القاهرة، حين قال في معناه لو أن عبد الرحيم دقلو – دفع لنا أموال – لساندناه، وهكذا كلهم دونما استثناء.

وأخيراً، فإن الرجل لم يتورع حتى في هذه الحرب من دعوة مواطني دارفور لحمل السلاح وحاول الزج بهم في أتون الحرب، بلا وازع أخلاقي وبلا ضمير – وأين لمناوي بالإخلاق والضمير؟ يكفي ما ذكرناه عنه سلفاً، فليس لمرتزق أخلاق ولا ضمير، كل شئ عنده قابل للبيع والشراء والمساومة.

لذلك كل ما يطل صباح جديد يرسخ الرجل نفسه كبائع لبندقيته لكل من هب ودب، فهذا معروف وذائع – بل كبائع لشرفه السياسي وموقفه الوطني من أجل حفنة إغاثة و(شوية فلوس)، فيا للعار – ياللخجل!

أعذروني – سأتوقف هنا، لأن الحديث عن الرجل يشعرني بالملل والقرف، إذ لا أرى فيه ما يستحق الكتابة سوى سوءاته التي لا تحصي ولا تُعد. وأعوذ بالله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى