رأي

يوسف حمد يكتب.. السعودية هشاشة الدولة و”فليستيورية” الملوك

يوسف حمد

قبل ثلاث سنوات، زرت العربية السعودية، وكانت الزيارة ضمن رحلة عمل، قدِّر لها أن تكون قصيرة. وشاء هذا الظرف أن ألتقي أحد السعوديين، وكان يملك دار نشر محلية متواضعة في العاصمة الرياض.

تناقشنا قليلًا في منزله حول الإمكانية التي تجعلني أعمل لديه، واتفقنا خلال النقاش على المبادئ العامة الحاسمة؛ وبما أن اللقاء تم في صالون بيته الفسيح؛ فقد كانت فرصة سانحة لنتحدث كثيرًا؛ وأنفقنا الوقت الكبير في حديث عام عن الأوضاع في السعودية، وقال لي وقتها جملًا ذهبية، هي أقرب إلى النصح المُسدى لمن أراد أن يقيم في المملكة.

ما يمكن استخلاصه من ذلك اللقاء هو أن الرجل كان يتحدث باستغراق عن شؤون سعودية صرفة، أكثر من حديثه عن أي شأن آخر في أي مكان آخر من العالم والإقليم، ولا أذكر أنه منحني الفرصة للحديث عن بلدي السودان.

وبعد مرور هذه السنوات، بدا لي أن الانكفاء على السعودية هو ديدن غالبية السعوديين الذين التقيتهم، وأيضًا، بدا كما لو أن حديث السعوديين عن السعودية هو بمثابة محاولة منهم لاكتشاف هذا البلد الهش الذي تكوَّنت فيه الدولة وفُرضت بالقوة.

وهنا لا حاجة للتذكير بأن السعودية تأسست جبرًا في العام (1932) على الولاء المطلق لعائلة آل سعود الممتدة، لكن من المهم التذكير بالملاحظة الرائعة التي تبرَّع بها المحاضر العسكري الأبرز روبرت د. كابلان، وذلك في الكتاب المهم (انتقام الجغرافيا) المخصّص لتمحيص التداخل بين ما هو سياسي وما هو جغرافي. قال كابلان إن الطرق السريعة المعبدة وخطوط الطيران المحلية، فقط، هي التي لها الأهمية الحاسمة في تحقيق تماسك السعودية، وإلا فإن لا شيء يربط بين أطراف المملكة المترامية.

ففي حين يتطلع أهل الحجاز إلى البحر الأحمر ومصر وسورية طلبًا للمعونة الثقافية؛ فإن نظرائهم في المنطقة الشرقية يديرون ظهورهم للوسط ويتجهون بأعناق مشرئبة إلى الكويت والعراق وبقية دول الشرق القريبة، ما يجعل من منطقة نجد الوهابية، وسط السعودية، منطقة معزولة إلى حد كبير، وليس بإمكانها التأثير بفاعلية على البقية! ومن هذا المنطلق على الناس أن يفكروا كيف أن السعودية معرضة للتفكك بسبب تاريخها القسري والنزوع الفليستيوري لملوكها الحاليين؛ ومعرضة لأكثر مما حدث في العراق، مثلًا.

أعود إلى المقولة الذهبية للسعودي صاحب دار النشر؛ فقد قال إن روح الدولة السعودية السائدة تتجسد في الشعار الذي يحمله علمها الرسمي: “نخلة بين سيفين”؛ وشرحه لذلك هو أن السعودية ستكون سخية مع المرء، وبإمكانه أن يأكل من تمرها الشهي متى ما التزمت الطريق المستقيم، وإلا فإنه سيواجه بأحد السيفين، على اليمين والشمال! وبالطبع، كان يقصد بالاستقامة هو عدم الخروج والتطاول على مقترحات آل سعود ووصاياهم على الدولة والمجتمع.
____

  • الفيليستورية كلمة ألمانية الأصل، استخدمها إنجلز لتعطي معنى: الإنسان ضيق الأفق والتفكير، الجاهل المزهو بنفسه، ذو العادات المرائية المنافقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ