(الجزء الأول)
• نيرتيتي فتحت الباب أمام أكثر من عشر اعتصامات سلمية اجتاحت ولايات دارفور الخمس
• الاشتباكات القبلية المسلحة اقتصرت على ثلاث ولايات ، هي شمال وغرب وجنوب دارفور..!
• التنازع على التبعية الإدارية لمنطقة ما يشعل الصراعات القبلية في دارفور..!
• حوادث الإغارة والنهب لازالت تهدد الأمن في العديد من انحاء الأقليم..!
استأثر الوضع في دارفور ،بقدر متعاظم من الإهتمام، على المستويين الرسمي والشعبي، خصوصاً، ما يتعلق بالأمن . حيث توالت الإحتجاجات السلمية والإعتصامات والتظاهرات ، التي يتقدمها النازحون والطلاب ،عادة ، بجانب الإصطدامات القبلية ، والتي أصبحت سمة ملازمة لثلاث ولايات ، على الأقل ،من مجموع ولايات دارفور الخمس.ما يثير الإهتمام أيضاً، أن هذه التطورات المتصلة بتفاقم الوضع الأمني ، قد برزت بعد انفضاض ملتقي جوبا، الذي شهد توقيع الحركات الدارفور والحكومة على اتفاق سلام، كان ينتظر أن تظهر لأولي نتائجه إيجاباً في الواقع الدارفوري. جريدة (الجماهير) ، كان لها موعد مع الاستاذ شمس الدين احمد صالح عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ، مسؤول تنظيمات الحزب بولايات دارفور، خلال زيارته- مؤخراً- للخرطوم، قادماً من نيالا، حاضرة جنوب كردفان، وأجرت معه الحوار التالي ، حول مجمل الأوضاع في المنطقة واحتمالات تطورها واتجاهاته.
حاوره : زاكي الدين عثمان:-
هناك ثلاث ولايات ، علي الاقل ،من مجموع خمسة ولايات في دارفور، ظلت في الآونة الأحيرة، مسرحاً للإحتجاجات و التظاهرات والاعتصامات السلمية، كما للاشتباكات المسلحة ؟ ما طبيعة الموقف الآن ،من زاوية الأمن والأوضاع المعيشية والصحية ؟
نعم ، لقد شهدت كل ولاية من الولايات الخمس، وليس الولايات الثلاث ، حصرياً، في الآونة الأخيرة، أحد هذه الأحداث ،سواء في شكل الإحتجاجات والتظاهرات والإعتصامات أوالإشتبكات القبلية المسلحة ، وبعض هذه الولايات شهدت جميع هذه الأشكال من عدم الإستقرار ، خاصة بعد تعويم الجنية السوداني ورفع الدعم عن الوقود والخبز ، بجانب الندرة في السلعة الأساسية ، وقطوعات الكهرباء في المدن التي توجد فيها الكهرباء، إما بسبب شح الوقود ،لصعوبة نقله من بورسودان إلي الإقليم، أو بسبب الحاجة إلى قطع غيار وابورات الكهرباء ،أو بسبب انتهاء مدة صلاحيتها، مع الإبتزاز الذي تمارس الشركات التركية ،التي تولد الكهرباء ، حيث تقوم ،في بعض عواصم الولايات، بقطع الكهرباء إلي حين سداد المديونية، والتي تسدد بالدولار، و التي بلغت هذه المديونية قبل رمضان ،عشرين مليون دولار. هذه القطوعات أدت إلي قيام تظاهرات طلابية لأن طلاب يحتاجون للكهرباء للمذاكرة، ولاسيما أن الإمتحانات علي الأبواب ، وحدث تخريب في الفاشر حتي بيت الوالي لم ينج من هذا التخريب ، وكذلك احتجاجات طلابية ومظاهرات أمام بيت الوالي في نيالا، مما أدى إلي أن تصدر لجنتا الأمن بالولايتين، قراراً بإغلاق المدارس الثانوية والأساسية، إلي أجل غير مسمي. وكذلك، حدثت هذه الإحتجاجات بشرق دارفور، ونجم عنها حرق وتلف في بعض المؤسسات مثل مبني الإذاعة والتلفزيون الولائي ،وبعض مخازن السلع الأساسية، بجانب النهب السلب المصاحب لهذه الأعمال التخريبية من معتادي الإجرام ،ومن ذوي الأغراض السياسية من منسوبي النظام البائد. أما الإعتصامات السلمية، فقد حدث في كل الولايات ،وهذا يدل علي نمو الوعي بالسلمية وبالتغيير السلمي والتعبير السلمي من أجل نيل الحقوق في ظل الحريات العامة، التي انتزعت بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، فمنذ اعتصام نرتتي الشهير ، انتقلت ظاهرة الإعتصامات ،إلي شمال دارفور ،في منطقة كتم وفاتا بورنو، ثم سرف عمرة وبني سريف وكبكابية .وفي جنوب دارفور حدث اعتصام ردوم وبرام الأول والثاني واعتصامات عد الفرسان، وآخرها إعتصام مناصري البيئه ،والذي نال اعجاب الجميع لأنه يتعلق بقضية مهمة جداً في دارفور، وهي الإعتداء العشوائي والسافر علي البيئة ، والذي يشارك فيه، بكثافة، بعض منسوبي الدولة وتستخدم فيه مركبات حكومية لا تخضع لرقابة الجهات المختصة. وهناك إعتصامات قريضة و دمه ،وإعتصام منطقة دوبوالعمدة ، بشرق جبل مرة ،بعد أحداث معسكر فلوجه.وكذلك اعتصام المواطنين، عند مدخل حقل سفيان بشرق دارفور لمطالبة شركات البترول بالقيام بما يليها من واجبات المسؤولية الإجتماعية تجاه المنطقة.وأخيراً،إعتصام مدينة الجنينة الذي نفذته بعض القبائل العربية بالمنطقة . وتركزت مطالب كل هذه الإعتصامات في توفير الأمن والخدمات. فالأمن والسلم الأجتماعي، أو الامن البيئي ظل هو المطلب المتقدم، والأهم ، بجانب الخدمات.
أما الإشتباكات المسلحة فقد انحصرت في الولايات الثلاث: غرب دارفور، وشمال دارفور وجنوب دارفور، ومن أبرزها الإشتبكات المتكرره بين الفلاته والمساليت بقريضة ،حول منطقتي الطويل والسعدون المتنازع على تبعيتهما الأدارية ، ومن قبل الاشتباكات التي وقعت بين أحد بطون الرزيقات مع الفلاتة ،وكذلك الاشتبكات بين التعايشة و الفلاتة حول منطقة مجنقري المتنازع عليها، أيضاً، بين محليتي أم دافوق ودمسوا .يجدر بالتنويه أن الإشتباكات ، التي تحدث في جنوب دارفور تحدث غالباً ،إما بسبب سرقات الماشية ،أو حول موارد المياه ،او بسبب التنازع على التبعية الإدارية للمنطقة ، حيث خلق النظام السابق أجواء غير طبيعية عبر التقسيم الإداري للمناطق، والذي تم ، في الغالب، علي أساس قبلي ، فبعض المناطق أو الوحدات الإدارية لم يكن لها أمر تأسيس واضح، لا من المجالس التشريعية الولائية، ولا من ديوان الحكم المحلي ،للنظام السابق. مثال ذلك منطقة السعدون المتنازع بين تلس وقريضة، ومجنقري بين ام دافوق ودمسوا، وأبو جابرةـ بين شرق دارفور وجنوب دارفور ،ووحدة دمة الإدارية بين محليتي بليل ومرشينغ . و أعتقد أن هذه هي مسؤولية المركز الممثل في وزارة الحكم الإتحادي ومجلس الوزارء وإدارة الحكم المحلي بالولاية ،التي يقع على عاتقها مهمة حسم هذه الأوضاع الخلافية ذات الطبيعة الفنيه والادارية ،بقرارات و مراسيم حتي تحقن دماء المواطنين الأبرياء، التي تهدر بسبب هذه الخلافات الوهمية ، والتي هي ليست من مهام القبيله أو الأفراد، وإنما هي من مهام الدولة بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والعدليه .
اما ولاية شمال دارفور فقد شهدت اشتباكات بين الفور والتاما بسرف عمرة بسبب النزاع حول حاكورة والادارة الاهلية ،وكذلك شهدت صراعاً في سريف بني حسين بين خشوم بيوت بني حسين حول النظاره، أي مركز قيادة الإدارة الإهلية في القبيلة. أما حالات الإغارة والنهب، وهي تحدث من وقت لآخر في جميع الولايات. وفي الشهور الأخيرة وقعت عدة حوادث حول جبل مرة بسبب قطاع الطرق،والسرقات،التي تحدث بالمنطقة، والتي ينتج عنها، أحياناً ، عنها ردود أفعال قبلية من “فزع” يستهدف الأبرياء، وهم في بساتينهم ومزراعهم، أو عند عودتهم من رحلة “التحطيب” الي القري والمعسكرات . وكذلك حدثت بعض السرقات و اعمال سلب مواد الاغاثية بسوق روكرو، وخطف سيارة الإسعاف الخاصة بمنظمة أطباء بلاحدود الفرنسية بين روكرو والفاشر. ووقوع حوادث نهب قوافل تجارية في طريق قولو –جلد- نرتتي .ولازال النهب مستمراً علي الطرق المؤدية إلي مناجم سنقو بجنوب دارفور .أما في ولاية غرب دارفور ، وفي عاصمتها الجنينة ، فقد حدثت عدة اشتباكات منذ يناير 2020م ، حيث وقعت احاث كريندق الاولى والثانية، واحداث معسكر ابو ذر وحي الجبل، والتي قتل فيها الناس بوحشية شديدة جدا، ونتج عنها نزوح الناس بإعداد كبيرة جداً من معسكرات النزوح ،وأحياء المدينة إلي داخل مؤسسات الدولة، و المدارس، مما أدي إلي تعطيل دولاب العمل بالمدينة ،وخلق أجواء كارثة انسانية ،من حيث الصحة والإيواء والغذاء والماء، واصبح الوضع يتطلب أن تعلن ولاية غرب دارفور منطقة مكنوبة لتلقي مساعدات إنسانية من داخل البلاد وخارجها لإغاثة المنكوبين ،وإيجاد الصيغ الآمنة والملائمة لإسكان المواطنين المتأثرين بتلك الأحداث ، وتفعيل المحور العدلي والقانوني والإنساني والأجتماعي لمعالجة الأمور، واعادتها إلي نصابها.وهذه هي مسئولية إخلاقية في المقام الأول تقع علي عاتق الحكومة المركزية ،وحكومة الولاية ، والمجتمع المدني المحلي والطوعي والخيري.
أما الوضع المعيشي بولايات دارفور ، فقد صار صعبا جداً نسبة لإرتفاع الأسعار بشكل كبير جراء الأسباب المعروفة من رفع أسعار السلع الأساسية ،والوقود ، والذي أدى – بدوره –إلى زيادة تكلفة الإنتاج في القطاع الزراعي، من الخضر والفاكهة وكذلك زيادة تكلفة نقل المحاصيل، بالإضافة إلى جشع التجار وكثرة الوسطاء من السماسرة، هناك العطالة وسط الشباب وخريجي الجامعات، وانتعاش سوق السيارات بوكوحرام، التي استوعبت بعض الشباب العاطل. ولهذا النوع من التجارة عدة سلبيات، تتمثل في كثرة الأشخاص العاملين بهذا المجال، وهو مجال طفيلي غير مربح ،بالإضافة لحجزه رؤوس أموال كثيرة ، كان يمكن أن توجه إلى المجالات الإنتاجية ،لتعود بالفائدة للإقتصاد الوطني، وبالإضافة إلى رفع أسعار السلع المنتجة محلياً ،وخاصة اللحوم. لأن هؤلاء الشباب الذين يعملون في تجارة السيارات ،أصبحت لهم دخول كبيرة، وقدراته شرائية عالية ،وخاصة في مجال اللحوم. ولكثرة أسواق اللحوم المشوية بدارفور ،وهي غالب غذاء أهل الإقليم ،مما أدى إلى حرمان ذوي الدخل المحدود من الحصول عليها ، وكذلك تسبب في خلق أزمة في الوقود واتلاف الطرق واستهلاك قطع الغيار ،التي تستورد بالعملة الصعبة.يجدر بالذكر أن معظم هذه السيارات تأتي من عائد الذهب المستخرج بطريقة تقليدية، ويهرب إلى دول الجوار بعدة طرق ،ويأتي عائدها في شكل هذه السيارات.إضافة للجوانب السابقة للأزمة، هناك إرتفاع أسعارالسلعة المنتجة محلياً ،مثل الفول السودانى” الزيت”. فولايات دارفور تنتج ما يقرب ٤٦% من الإنتاج الكلى للفول السودانى،إلا أن الأسعار تتضاعف بعد موسم الحصاد، بسبب المضاربات والإحتكار، الذى يحدث فى هذه السلع الإستراتيجية، من قبل الرأسمالية الطفيلية المحلية وغياب الرقابة عليه،وحماية المزارع، والأدهى والأمر فى الموضوع أن البنوك التجارية المنتشرة مثل البقالات فى البلاد تمنح قروضاً أى التمويل الأصغر والصغير والكبير ليستخدم فى هذا الغرض،جرياً وراء وراء الربح السريع بدلاً أن توظف فى المجالات المنتجة فى الزراعة أو التصنيع لإضافة قيمة إضافية للمنتجاتنا المحلية، وهذا الأمر يحتاج للمراجعة ضمن السياسات الهيكلية للإصلاح الإقتصادى.
أما الوضع الصحي فى الولايات دارفور فحدث ولا حرج، فمن الحقائق المهمة جداً أن لايوجد فى كل ولايات دارفور مصحة أو مستشفى للأمراض النفسية والعقلية،فى ظل تزايد حالات الإدمان بسبب المخدرات، التى تدخل عبر حدودنا المفتوحة، والأخرى المنتجة محلياً مثل الحشيش “بنقو” .لذلك هناك معاناة كبيرة لذوى أصحاب الأمراض النفسية والعقلية إما استسلموا لليأس ، أو لجأوا إلى “الفقرا” أو جاءؤا إلى الخرطوم، وهذا الأمر ارجو أن يصبح توصية للوزارة الصحة الإتحادية، ومجلس الوزراء بإنشاء المصحات النفسية والعقلية فى ولايات دارفور، ويعانى هذا الإقليم من شح فى المستشفيات و الأخصائيين والكوادر الطبية الأخرى والبنيات التحتية الصحية، بدرجة فظيعة، وهناك معاناة كبيرة جداً، والخدمات الصحية الموجودة على قلتها فى المدن يشارك فيها مواطن الأرياف ، كما يشترك فيها اللاجيء من دول الجوار مثل تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وكثير من الأمراض يتم علاجها بالخرطوم فى ظل الإرتفاع الجنونى لأسعار تذاكر الطيران، والبالغ قيمتها خمسون جنيه من الجنينة وواحد أربعون جنيه من نيالا وحوالي ٣٨ جنينه فى كل من الفاشر والضعين.بجانب إرتفاع أسعار الدواء وانعدام بعضه ، وهنا لابد من الإشادة ببعض المنظمات الأجنبية التى تعمل فى المجال الصحى فى المناطق النائية وتوفير الرعاية الصحية الأولية والطب الوقائي والعلاجى للأمراض الخفيفة، وكذلك منظمة اليونيسيف بما تقدمه من خدمات الصحة والتعليم بالمنطقة.
يتبع))