تقارير وتحقيقات

«المجاعة»: عورة تواريها حكومة بورتسودان وتكشفها معسكرات النزوح

تقرير: تريكو البشر 

قبل تفشي مجاعة 1984م في دارفور، حفيت قدما حاكم الإقليم وقتها أحمد إبراهيم دريج، ذهابًا وإيابًا بين الخرطوم ودارفور، في كل مرة يبلغ الحكومة المركزية برئاسة جعفر نميري بوجود فجوة غذائية في الإقليم، إذا لم يتم تداركها بإرسال أطنان من الحبوب الغذائية ستتحول إلى مجاعة. ولكن الحكومة حينذاك ترى الحديث عن المجاعة بمثابة فضيحة يجب مضاراتها والتستر عليها، لا كشفها ليعلم العالم بالكارثة ويساعد في إنقاذ حياة المواطنين. لما لم يجد حاكم إقليم دارفور إذنًا من حكومة المركز، فرّ بجلده بعد أن قدم استقالة من المنصب، حسب تصريحات مبثوثة للحاكم قبل وفاته.

 تفكير الحكومة تجاه أزمات المواطن السوداني، لم يتغير حتى بعد 40 عامًًا، إذ ترى حكومة بورتسودان بقيادة البرهان أن الحديث عن مجاعة في السودان يعتبر نوعًا من الحرب الإعلامية، ومؤامرة خارجية تتبناها دول الغرب!.

الحرب تدفع ملايين السودانيين نحو المجاعة (رويترز)

أما في الواقع، فقد أعلنت غرف طوارئي مدن العاصمة الثلاث، عن فشلها في تقديم الوجبات الغذائية الجماعية التي درجت على تقديمها لنحو مئات الآلاف من المواطنين المتضررين من  الحرب. وتداول الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لمنظر مئات المواعين في انتظار حصة غذاء من المطبخ الجماعي المجاني في مدن الخرطوم الثلاث.

المجاعة تنتشر في معسكرات النازحين:

في السياق، شعر خبراء الأمم المتحدة وموظفو وكالاتها الأممية، بخطر الجوع الذي يهدد النازحين، ليصنفوا مخيم زمزم بولاية شمال دارفور منطقة مجاعة تقع في التصنيف الخامس.

 ويقول الناطق الرسمي بإسم المنسقية العامة للنازحين آدم رجال، إن الجوع دفع قيادة النازحين إلى اجتماع طارئ، الثلاثاء، بـ”مخيم كلمة” بولاية جنوب دارفور برئاسة منسق عام معسكرات النازحين واللاجئين يعقوب عبدالله فوري، وحضور كل قيادة النازحين.

ويناقش الاجتماع الأوضاع الإنسانية الكارثية، وتفشي المجاعة وشح الغذاء والدواء وانعدام الإيواء وارتفاع أسعار السلع الغذائية في الأسواق.

مخيم زمزم (العربية)

وأكد رجال، موت ما بين (20) إلى (25) شخصًا من النازحين يوميًا، بالجوع، ومعظمهم من الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن. 

وطالب الأمم المتحدة ووكالاتها بالتدخل العاجل لإنقاذ النازحين من الموت، خاصة نازحي مخيم زمزم الذي يضم (500) ألف نسمة وهو الأخطر من بين معسكرات النزوح البالغ عددها (171) مخيمًا بدارفور. كما طالب بتصنيف جميع معسكرات دارفور كمناطق تتفشى فيها المجاعة.

حكومة الأمر الواقع تنفي وجود مجاعة:

في ظل المعاناة التي تفتك بحياة النازحين في المعسكرات، تنفي حكومة بورتسودان بشدة وجود مجاعة في السودان، وأنها الحديث عنها مجرد أكاذيب بحسب مفوضية العون الإنساني، التي نفت صحة ما أوردته شبكة الإنذار المبكر التابعة للأمم المتحدة حول تفشي المجاعة كليًا في معسكر زمزم.

 في السياق ذاته، نفى مسؤول حكومي بولاية شمال دارفور بوقاحة وجود مجاعة في مخيم زمزم، حيث قال مدير عام وزارة الصحة بولاية شمال دارفور إبراهيم عبدالله خاطر، في تسجيل صوتي حصلت عليه «صحيفة الجماهير»، إنه زار المخيم زيارة غير رسمية، بعد اطلاعه على أخبار منشورة في الوسائط الإعلامية تتحدث عن مجاعة في زمزم، ولكن وجد سوق المخيم عامرًا وفيه كميات كبيرة من اللحم المشوي على الجمر، ما يؤكد عدم وجود مجاعة.

النازحين بمعسكر النيم بشرق دارفور (أرشيف)

واعتبر “خاطر” الحديث عن المجاعة، ما هو إلا أخبار تسوقها قوات الدعم السريع ومؤيدوها.

وتستمر حكومة بورتسودان في نفي وجود مجاعة في البلاد، حيث قالت وزارة الزراعة والغابات بحكومة الأمر الواقع، الأسبوع الماضي، إن التقارير التي تتحدث عن المجاعة في السودان تفتقر إلى الدراسة الواقعية. وعلى نقيض ما يقوله النازحون في المعسكرات، أصرت وزارة الزراعة على كفاية الإنتاج الغذائي، مشيرة لعدم وجود مجاعة متوقعة. 

حفر بيوت النمل بحثًا عن الغذاء:

عن أوضاع المعيشة في دارفور، قالت النازحة فطومة أحمداي، من مخيم النازحين في منطقة شنقل طوباي، لـ«صحيفة الجماهير»، إن الحرب التي دارت في نيالا العام الماضي، أجبرتها على النزوح من منزلها بحي الجير إلى منطقة شنقل طوباي، مسقط رأسها بولاية شمال دارفور. لتعيش “أحمداي” رفقة  أطفالها الخمسة، حياة نزوح  قاسية، بسبب عدم تمكنها من الحصول على الغذاء من المنظمات الإنسانية.

مخيم زمزم (الشرق الأوسط)

وتروي أنها، لجأت إلى حفر بيوت النمل على أطراف المزارع للحصول على حبوب غذائية، هكذا حافظت على حياة أبنائها من الموت جوعًا. وعندما هطلت الأمطار لجأت إلى الحشائش والأعشاب، مرة تطبخ أوراق شجر “اللابوب”، وأحيانًا أوراق نبات “التمليقة” وهي نبات من فصيلة “الملوخية”. 

وجزمت “أحمداي” أنها لم تتناول طعم اللحم منذ ستة أشهر، ولما تجد أكل يشتمل على اللحم في بيوت المعارف، لا تأكله، لأنها تتذكر أطفالها الذين لم يتذوقوا طعمه أو أي أكل كامل الدسم منذ زمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى