
الفكره نابعة من المشاق التي تعرضنا لها نتيجة انعدام الدعم المادي ابان سنوات عملنا الطلابي المعارض بالجامعات، واذكر كيف كنا نقف عند جمع وتوفير مال لتصوير بيان، او ايجاد وسيلة نقل اَمنة لاقامة فعالية فقد احتكرت السلطة كل مورد مالي وافقرت الشعب، وعندما اندلعت سبتمبر كنا نصرخ ارسلوا كاميرات وهواتف جوالة لدعم الحراك وتوثيقه، وعلى المستوى الشخصي تلقيت عشرات الوعود حتى انطوت سبتمبر وفي القلب حسرة، ثم اصبحت بعدها في عداد المغتربين دون ان يوف احد بوعده.
تخيلت وجود هذا المبلغ حال بداية دعوة العصيان المدني الاخير الذي زلزل حكومة الخرطوم وجعلها تعوي، كيف كان يمكن شل حركة الخرطوم والمدن الكبرى ببساطة من خلال ايقاف المواصلات، ودعم بعض الشرائح التي لاتستطيع التوقف عن العمل لمدة يوم واحد، اضافة الي وجود صندوق لدعم المفصولين من العمل، ودعم اسر المعتقلين.
السياسة عمل معقد جدا، فعلى الرغم من حسن نية الداعين للعصيان المدني وتمكنهم من مفاجاة النظام وزلزلته، الا ان ملايين البسطاء الموجودين خارج السويشال ميديا لايصدقون شخص لايرونه ولايحسون بوجوده بجانبهم، ولكن اذا تكونت اللجان القانونية، والمالية، والاتصالات فانها قادرة على الوصول لكل شخص في منزله وشرح اهمية العصيان كعمل سلمي مقاوم.
اقصى مايمكن ان تفعله الحكومة للشخص الملتزم بالعصيان هو فصله من العمل،فاذا وفرنا لهذا الشخص مرتبه الذي يتقاضاه ماهو مقدرا الثقة التي سنحصل عليها من البقية؟ يقينا لن نحتاج لتكرار الامر عدة اشهر لان النظام لايمكنه الاستمرار حال توقف الجميع عن العمل.وهذا هو العمل الصعب، ام مطالبة الناس بالتضحية وغيره فهو حديث سيستهلك سنوات طويلة ونتيجته ستتوقف على عدد القادرين على التضحية فعلا.
بحسابات بسيطة يمكن للمغتربين السودانيين الذين شردهم نظام الانقاذ في ارجاء المعمورة جمع 10 مليون دولار بدون اي جهد يذكر، فمبلغ دولار في الشهر او مايزيد قليلا مبلغ شديد التواضع ولن يعجز احد الا الرافضين للفكره نفسها من الواقفين في صف السلطة من اعضاء حزبها او من السودانيين الذين لم تتمكن المعارضة من الوصول اليهم بينما ظلت السلطة تحقنهم بخطاب التخويف بخطورة ماحدث في سوريا وليبيا واليمن. في السابق كان نفس هذا الخطاب يسمى “الصوملة”.
الصعوبة لا تكمن في جمع المبلغ، بل في الهياكل التي ستتكون لجمعه وادارته، وهذا عمل مطلوب في ذاته لتشكيل الكيانات الاولية التي ستشرف على عملية التغيير ونجاحها في فعالية جمع المال وحسن اداراته، وسيرسل رسائل فحواها ان البلاد في يد امينة، وسيساهم في لجم سوال الحكومة اللئيم البديل منو؟؟ وكأن البشير وبكري صالح وعبدالرحيم حسين وبقية عقدهم تم اعدادهم في كليات السياسة العليا لادارة شؤون الناس حتى يوصفوا بانهم من القادة الذين لابديل لهم.
جمع المال من السودانيين سيفكك ايضا خطاب الحكومة المتهافت عن شبهة وجود تمويل اجنبي لمحاربتها، فهي فقط التي يحق لها استجلاب المال والجنود الاجانب لقتل شعبها. لذلك حتى نقف على ارضية اخلاقية صلبة ونكون بديل مختلف عنها. يجب ان نجمع المال من السودانيين فقط، وعددهم ليس بالقليل حتى نمد يدنا لاصحاب الاجندة.
اريد ان التاكيد على ان العصيان المدني كان عمل جيد الي حد بعيد، وحال اعادتنا له بصورة اكثر اتقانا سيكون الضربة الاخيرة للنظام المتداعي، وبالتالي يمكننا القول بقليل من سنجعل الجولة سلمية ونحقن دماء كثير من السودانيين.
اجمعوا المال، ونظموا الصفوف، وهلم للجولة الثالثة التي نأمل ان تكون الاخيرة باذن الله.