عادل الباز
بالأمس كان السودانيون في مهاجرهم البعيدة أشد توترا ممن هم بالداخل، والسبب أن الصورة تصلهم دائما ملتبسة ولا أحد يمنحك الحقيقة التي تود أن تصل إليها، فكل يرى العصيان وتداعياته من زاوية رؤياه التي يحبها أو يتمناها.
ما استغرق تفكيري سيناريو تخيلت فيه أن العصيان قد نجح تماما وأدعوكم لتشاهدوا صورة البلاد ساعتئذ.
مشهد أول
انهارت الخدمة المدنية بالكامل، فلا شيء يعمل في قطاع الخدمات وإمدادات المياه والكهرباء وحركة الاتصالات كلها متوقفة، إذ أن المشغلين للاتصالات من شركات وجهات حكومية منخرطون في العصيان المفتوح. توقفت كل المصانع عن الإنتاج وكذلك المواصلات العامة إلى جانب حركة الطيران العالمية وأغلقت الأسواق أبوابها فتعطلت الحركة التجارية. باختصار شلل اقتصادي كامل وخرجت كل أوجه النشاط عن الخدمة وأصبحت الدولة في عزلة عالمية بسبب انقطاع حركة الطيران وحركة الاتصالات.. شلت الحياة تماما.
مشهد ثان
سيتطور المشهد بتدخل الجيش لتصبح هناك عدة احتمالات أولها أن تقبل القوى السياسية والمسلحة بتدخله وتسلمه البلاد أو تتساوم معه على السلطة كما جرى في سيناريو أبريل. لكن هذه المرة لا القوى السياسية ولا الحركات المسلحة تثق بالجيش الذي تنعته بأنه جيش الإخوان. هذا الجيش إذا استلم السلطة فلن يعترف بالأحزاب ولا بأي قوى أخرى وسيعيد الإنقاذ مرة أخرى للسلطة بقناع جديد فنكون لا رحنا ولا جينا. هناك احتمال آخر أن ترفض المعارضة المسلحة والسياسية وتصعد العصيان لمواجهات عنيفة مما سيؤدي لحمام دم تنفتح البلاد على إثره على فوضى شاملة وحروب أهلية.
لنرى هذا المشهد جيدا لابد أن ندرك الحقائق التالية: الآن في البلاد وحولها أكثر من ستة جيوش مسلحة تسليحا كاملا، هي الجيش السوداني القومي وجيش الحركة الشعبية وجيش مناوي وجيش جبريل إبراهيم وجيش موسى هلال وجيش حميدتي، إضافة إلى جيش الدفاع الشعبي. وهناك قوات نظامية أخرى لا يستهان بها وهي قوات الأجهزة الأمنية والشرطية وهي قوات بمثابة جيوش كاملة العدة والعتاد والأفراد. يبلغ حجم هذه الجيوش مجتمعة على أقل تقدير 300 ألف عنصر، كلها مسلحة بكافة أنواع الأسلحة وموزعة جغرافيا لتغطي كافة أنحاء البلاد. أضف إلى هذا المشهد أن هناك أكثر من 10 قبائل تملك كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والمتطورة نسبيا. في أقل من 48 ساعة استدعت إحدى القبائل أكثر من 15 ألف فارس على صهوات جمالهم وحصينهم مدججين بالسلاح إبان صراعها مع قبيلة أخرى. هذه الجيوش لن تبقى متفرجة على الفوضى والنيران تشتعل حولها والصراع على السلطة يجري على أشده، أترككم الآن هنا لتتخيلوا حجم الفوضى التي ستعم البلاد من أقصاها إلى أقصاها… نواصل..