فاطمة لقاوة
الأحد، 14/ أبريل 2024
يومًا واحدًا يفصلنا عن الوصول لعام كامل والسودان مشتعل بالحرب المشؤومة التي أشعل فتيلها الثلاثي المنحوس-البرهان وكباشي والعطا- الذين سرقوا اسم الجيش السوداني وأدخلوا الغلابة من جنود وجنود صف وضباط القوات المسلحة في حرب- وصفها البرهان وأطلق عليها “حرب عبثية” – قامت من أجل استعادة جماعة الأخوان الكيزانية للسلطة التي أجبرهم الشعب السوداني على التنازل منها في ثورة أخافت الإنقاذيين وجعلت لجنتهم الأمنية تطيح بالبشير في ١١/ أبريل /٢٠١٩م.
هذه الحرب التي تمايزت فيها الصفوف بين الذين وقفوا سدًا منيعًا أمام آلة الموت الكيزانية وقدموا أنفسهم وأرواحهم من أجل المحافظة على استحقاقات ثورة التغيير الجذري في السودان، وعودة المسار الديمقراطي الحقيقي والوصول لدولة المؤسسات، والطرف الآخر الذي اختار التحالف مع الإسلامويين ومجموعة عصابة الإخوان، من أجل المصالح الذاتية الضيقة، والمنافع الشخصية، والتكسب الرخيص، وأثروا التضحية بأرواح الشعب السوداني مقابل الجلوس على كراسي السُلطة والعودة للحكم.
حرب 15/ أبريل التي جاءت مشحونة بخطاب الكراهية والتحشيد الجهوي والمناطقي القبلي الذي بدأه كباشي في جنوب كردفان، والبرهان والعطا في شمال السودان، وعزف على وتره أبو هاجة والحوري وطارق كجاب، ورقص على نغمات هذه السيمفونية المشروخة جابر ومفضل وغيرهم من جوقة المطبلاتية ولحاسين اللبالب والأرزقية. بينما جبريل ومناوي وتمبور وعقار حاولوا التصفيق خارج الحلبة وانتظار الاصطفاف لاحقاً جانب المنتصر، ولكنهم سُرعان ما سال لُعابهم للمأدبة التي أُعدت لهم بما تشتهيه الأنفس من أموال ومخصصات وكراسي سلطة زائفة، فباعوا إنسان دارفور والنيل الأزرق بثمنٍ بخسٍ، وانصاعوا لتوجيهات أسيادهم فأرسلوا الغلابة من جنودهم ودفعوا بهم لإشعال محارق الفِتن القبلية في دارفور، وجعلهم وقود حرب في الجزيرة والخرطوم. بينما مناوي وعقار وجبريل وتمبور هروبوا مع أسيادهم، يأدون فروض الطاعة على بلاط الساسة في الشمال حيث الراحة وطيب المقام واستلام المخصصات مقابل الأرواح التي تُهدر من أبناء الشعب السوداني عامة، وشعب النيل الأزرق وكردفان ودارفور بصفة خاصة. أما البراؤن فهؤلاء مدخرون للمستقبل البعيد الذي يعد له كرتي بالعودة للسيطرة والحكم فوق جماجم الغلابة.
هذه الحرب أظهرت مساوي وضعف وطمع القوى السياسية ولهثها وراء التكسب الرخيص والمتاجرة بمعاناة الشعب السوداني والتزحلق السياسي للوصول للسلطة. منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب ظهرت حقيقة التآمر والتنسيق الممنهج بين الدولة المركزية العميقة وجماعة الأخوان المتطرفة وعصابة البرهان، الذين رسموا وخططوا لتنفيذ المجازر الشنيعة بحق قوات الدعم السريع، وقاموا بقتل المفوجين العُزل في كرري. واستهدفوا كافة مقار قوات الدعم السريع ظنًا منهم بأن تفوق سلاح الجو يمكن أن يحقق لهم النصر ويعودون للسلطة في《٧٢ساعة》 كما زعموا. ولكن هيهات! فقد تكسرت عزيمتهم وضاعت أحلامهم وتفاجئوا بقوة وشجاعة قادة قوات الدعم السريع وجدارتهم الميدانية واستطاعوا في ثوان معدودات امتصاص الصدمة الأولى للهجوم الغادر من جيش البرهان وعصابة الكيزان. ثم توالت الانتصارات المتتالية للدعم السريع ميدانيا، وانقلبت المُعادلة وأصبحت اليد العُليا لقوات الدعم السريع في المعارك الميدانية. وظهرت الملاحم التاريخية في ثوب زاهي سطره أشاوس قوات الدعم السريع، ورسموا فيه ملامح الشباب السودانيين التواقيين للانعتاق من صلف الدكتاتورية والاغتسال من دنس النخبوية المركزية التي درجت على تدجين أتباعها دون وعي وإدراك، فكانت كلمات الشاعر الشاب الشهيد “إبراهيم فيناوي” تُجسد النضج الفكري لجنود الدعم السريع الثوريين.
لم تجد استخبارات جيش الكيزان مخرجا، فكان اللجوء للخُطط الخبيثة التالية التي بدأوها بكسر السجون وإخراج المجرمين وإطلاق أيادي كتائب ظلهم ليعملوا على ترويع الأهالي وارتكاب جرائم السرقات والاغتصابات الممنهجة والقتل ومحاولة إلصاق التُهم بقوات الدعم السريع التي هزمتهم ميدانيا واستولت على كافة المواقع الحيوية في العاصمة الخرطوم بمُدنها الثلاث، وجُزءاً كبيرًا من الولايات السودانية الأخرى.
لا أذيع لكم سِرا إن قُلت: هناك تباطؤ مقصود من القوى السياسية السودانية، والفاعلين الدوليين وبعض القوى الخارجية، الذين حاولوا جميعًا السعي وراء الاستثمار في هذه الحرب اللعينة. بعض القوى الخارجية تعمل الآن على إضعاف القوتين المتقاتلتين -الجيش والدعم السريع- ولا تريد انتصارًا لأي طرف منهما على الآخر، بل تبحث عن سُبل لتركيع الطرفين من أجل فرض واقع جديد يخدم مصالح تلك القوى الخارجية.
ذات النزعة موجودة في نفوس بعض القوى السياسية السودانية المناهضة لجماعة الأخوان في السودان، لكنها تخاف من بطشهم وتحاول المداهنة معهم، وتُريد من قوات الدعم السريع كسر شوكة الحركة الإسلامية والقضاء عليها، ومواجهة بندقية الكيزان وتحطيمها، ثم تأتي تلك القوى السياسية بدعم من الحلفاء الإقليميين والدوليين للضغط على طرفي النزاع وإخراجهم من المستقبل السياسي والاقتصادي لتحكم هي السودان. وهي تعبر على سِجاد دماء الشهداء من قوات الدعم السريع وضحايا الشعب السوداني الغلابة الذين حصد أرواحهم القصف بالطيران والبراميل المتفجرة.
لذلك نشاهد الآن بعض الهذيان في تصريحات القيادات السياسية وتباكيها الكذوب على بعض المظاهر السلبية المصاحبة للحرب، وهم يعلمون يقينًا بأن هذه الحرب جاءت مُثقلة برواسب ثلاثين عامًا من حُكم الإنقاذ الفاسد المفسد، وأن مُعظم الجرائم الممنهجة المُرتكبة في هذه الحرب مُدبرة من استخبارات الجيش وكتائب ظل الكيزان. ولكنهم كقوى سياسية وأفراد نخبويين يشعرون بالغيرة من القائد “محمد حمدان دقلو” وتقدمه عسكريًا وسياسيًا، لذلك يظهرون هذه التصريحات التي لا تتماشى مع الواقع ويسعون لتضخيم الأحداث الفردية وإخراجها بمظهر السلوك الجمعي ظنًا منهم بأن هذا المنحى سيشكل ضغطًا على قيادات الدعم السريع ويضعها في كفة واحدة مع قادة الجيش المجرمين وجماعة الأخوان المطلوبين للعدالة، وتخلوا بذلك ساحة للمدنيين والنخب السياسية للسيطرة على مفاصل الدولة.
هذه النظرة التي تشوبها روح الأنانية أطالت أمد الحرب في السودان، وضاعفت المعاناة على المواطن السوداني، وما زال في الأفق انسداد تام، بينما التحشيد للحرب من قِبل جماعة الكيزان في تزايد متواصل، وتحويل الصراع نحو الحرب الأهلية الشاملة مستمر من قبل هذه المجموعات الإسلامية المتطرفة التي لا تبالي في إقحام السودان في أتون الصراعات الإقليمية.