رأي

كتب على احمد: مهمة فولكر ومهمة البرهان!

بقلم: علي أحمد

الاستقالة التي تقدم بها فولكر بيرتس إلى الأمين العام للأمم المتحدة أسعدت الكيزان بحسبانها نصراً لهم، فرحين هبوا يهللون في مواقعهم الإسفيرية ويكبرون؛ دون أي تبصّر لتوابعها وما ستفرضه عليهم من مواقف ستفاقم مآزقهم العديدة؛ التي أضحت وبالاً وحصارا عليهم، لا مخرج لهم منهما.
مهمة البعثة الأممية برئاسة فولكر كانت من أجل تيسير التحول الديمقراطي ؛ ومهمة البرهان كانت إعادة الكيزان إلى السلطة، ما جعل قومه يسارعون بشن حملات إعلامية شعواء ضد بعثة الأمم المتحدة ؛ ودمغوا كل من أيدها أو تعاون معها بالخيانة والعمالة، وهذا مألوف لديهم وفيه اسقاط لصفاتهم وأفعالهم.
ولكن رغم العقبات والمتاريس التي لم يكف الكيزان عن وضعها لإحباط أي تحول وطني ديمقراطي؛ لم تتوقف البعثة يومًا واحداً من تقديم جميع أشكال الدعم لقوى المجتمع وأحزابه ومنظماته دون فرز.
أقصى درجة في العداوة للثورة وللشعب تمثلت في انقلاب “الكيزان” الذي نفذه البرهان وورط فيه معه (حميدتي) في 25 أكتوبر 2021، وذلك لقطع الطريق أمام إتمام العملية الديمقراطية. لكن فشل من خلال المقاومة الشعبية القوية والتضحيات العظيمة لشباب وشابات الثورة، الأمر الذي مكّن لاحقاً، القوي الوطنية بقيادة (الحرية والتغيير) من التقدّم بمشروع استعادة الحكم الديمقراطي؛ وبالتالي لم يعد أمام الكيزان وجناحهم العسكري (الجيش) سوي الاستسلام أو القيام بمحاولة انتحارية أخيرة.
قدمت قوى الثورة مشروع الاتفاق الاطاري الذي التقت فيه جميع التيارات الوطنية والرموز السياسية الديمقراطية، وتوافقت جميعها حوله؛ إذ مثَّل فرصة تاريخية لاستعادة سلمية للديمقراطيه والحكم المدني، لكن يكن للكيزان ليتركوا حدثًا كهذا يمر أمامهم، فأعلنوا الحرب على قوات الدعم السريع بسبب تمسكها بالاتفاق، واعتذار قائدها (حميدتي) على مشاركته في الانقلاب، واصراره على استكمال مسيرة التحول الديمقراطي، وهي حرب في الأساس ضد كل القوى الديمقراطية.
بدؤوا الحرب ثم اطلقوا معها الاتهام الشهير عن التدخل الأجنبي وعن العمالة للخارج؛ كل عدائهم للديمقراطية تركز في الهجوم علي القوي الوطنية وعلي فولكر بيرتس، وتم اتهامهما سويًا بالتسبب في الحرب، وهي نفس الحرب التي شنوها هم أنفسهم على البلاد من أجل أن يعودوا إلى السلطة ويجهضوا أحلام الشعب بالحرية والديمقراطية.
نواياهم الخبيثة نطق بها ذلك الرجل علانية في ندوة مفتوحة في الحادي عشر من أبريل؛ ضمن حملة التعبئة للحرب، والذي طالب بفتوى شرعية تهدر دم السيد “فولكر ” حتى يقوم بقتله، وسارع الكيزان بعدها بممارسة مألوف طباعهم إنكارا وكذباً فأنكروا أي علاقة لهم برجل (الفتوى القاتلة)، قبل أن يعودوا بعد الحرب وينطقون بها علانية في تظاهراتهم المصنوعة مطالبين بطرده من البلاد أو قتله!
في مايو الماضي أرسل قائد الانقلاب “البرهان” رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطلب منه استبدال فولكر لأنه أصبح غير مرغوب به، فجاء رد الأمين العام للأمم المتحدة بأن يشعر بالصدمة مما ورد في الرسالة، مضيفًا أنه فخور بما أنجز مبعوثه، مؤكداً أنّ ثقته به لا حدود له.
سلطت رسالة البرهان سالفة الإشارة الضوء علي الفارق المعرفي الشاسع بين الكيزان والعالم الخارجي، فالكيزان على جهلهم تجدهم على ثقة أن بإمكانهم فعل ما يشاؤون دون اكتراث برد فعل الآخر؛ أيًا كان!
سبق تقديم فولكر احاطته لمجلس الامن عن الاوضاع في السودان، معركة وهمية اختلقها الكيزان، حيث إنِّهم كمخلوقات دعائية نشروا حديثًا مفاده أنّ وفد السودان في الأمم المتحدة لن يرضي بوجود فولكر بيرتس في جلسة مجلس الأمن باعتباره شخصاً غير مرغوب به؛ من قبل الحكومة السودانية. بالطبع كانوا يسعون خلف انتصار وهمي كعادتهم، بتصويرهم لعضويتهم بأنهم من طردوا الرجل وحالوا دون ممارسته لنشاطه، ولكن تبقي الحقيقة، أن فولكر تقدم باستقالته، بعد أن قدم أحاطته أمام مجلس الأمن وكانت إفادة مهنية صادقة وقف فيها مع الشعب السوداني وحقه في العيش بحرية وكرامة كبقية شعوب الأرض.
وتبقى الجملة الأخيرة التي تلاها أمام مجلس الأمن شاهدة على معرفته وتبصره وتبحره في الشأن السوداني، حيث قال : “الحكومة السودانية الحالية غير قادرة علي الحفاظ علي وحدة السودان، كما أنها فقدت ثقة شركائها ودول الجوار.”

فولكر بيرتس لم تنته حكايته مع السودان والسودانيبن بعد، إذ سيظل مرجعا رئيسيًا لكل المهتمين بالشأن السوداني، وسيحفظ له الضمير الوطني السوداني ما بذله من جهد من أجل ترسيخ الحرية والديمقراطية والتحول المدني، نفس الضمير الوطني الذي لن ينسى للبرهان وضاعته وخيانته، فقد بذل جهده وما بوسعه من أجل عودة الكيزان ولو بتدمير السودان!
شكرًا فولكر بيرتس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى