أخبارتقارير

أحداث شرق وشمال دارفور .. ما بعد (المعركة) !!

 

بقلم: ماهر أبوجوخ

 

 

قد يكون البعض مهموماً بالبحث عن إجابة على سؤال (ما الذي حدث في شرق وشمال دارفور يوم السبت 20 مايو 2017م في المواجهات التي دارت بين القوات الحكومية والحركات المسلحة المعارضة عموماً وجيش التحرير الذي يقوده مني اركو مناوي؟)، إلا ان واقع الأمر يشيير إلأي أن السؤال الأساسي المطروح يتجاوز (ماذا حدث) و(كيف حدث) لما هو أبعد من تفاصيل تلك المعركة بالنظر للتداعيات التي ستصاحب تلك الواقعة، خاصة أن المؤكد بأنها لن تكون فقط مقتصرة على الشق العسكري فقط وإنما ستكون أبعد من ذلك.

 

قد يربط البعض بين تلك المواجهات وإجتماعات برلين الاخيرة التي شهدت مباحثات غير رسمية ما بين ممثلين عن الحكومة السودانية –وبشكل أدق ممثل واحد عن الحكومة هو دكتور أمين حسن عمر- وقيادات من حركتي العدل والمساواة وحركة وجيش تحرير السودان (مني)، باعتبار أن تلك المواجهات تعد أحد مظاهر أو مساعي تحسين الاأوضاع علي الارض بتحقيق تقدم ما يفييد عند الجلوس بطاولة المفاوضات مستقبلاً، إلا أن ما ما حدث في 20 مايو ستكون تدعياته أكبر من تلك المناورات، خاصة عند النظر لمشهد الخرطوم في ذات اليوم ووزير الخارجية ابراهيم غندور يخص سفراء الدول الخمسة دائمة العضوية بالخرطوم ودول الترويكا -وهم سفراء الدول الخمسة دائمة العضوية (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بيرطانيا وفرنسا) وسفير النرويج- بجانب سفير الإتحاد الأوربي في إجتماعات منفصلة بوزارة الخارجية، بغرض إبلاغهم بحيثيات تلك الأحداث التي أنتهكت وقف إطلاق النار الذي إستمر لعام ونصف، ولعل التمعن في قائمة المدعوين لتلك الاجتماعات تعطي مؤشراً لتداعيات هذا الحادث وخطورته ليس لإنتهاكه فقط لوقف إطلاق النار ولكن لما هو أبعد من ذلك.

النقطة التي سيتوقف عندها المراقبين هي التي ودرت ضمن بيان الناطق الرسمي بإسم الخارجية السفير قريب الله خضر بقول غندور لاولئك للسفراء خلال تلك اللقاءات الفردية بأن قوات تلك الحركات تحركت من ليبيا وجنوب السودان بغرض إجهاض السلام الذي تحقق ولتحقيق أمر ثاني يتمثل في جر الحكومة لمواجهة عسكرية بترتب عليه إجهاض لوقف إطلاق النار المستمر لعام ونصف، ولعل العرف الدبلوماسي قد أوجب على السفراء الإكتفاء فقط بالاصغاء لوزير الخارجية دون طرح أي سؤال إستفهامي عليه بحثاً للإجابة على سؤال بقولهم:”جيد أنت تقول بأنهم إردوا جركم للمواجهة فلماذا لم تتركوهم يواصلون التقدم حتى يشنوا هجوماً عسكرياً على مواقعكم أو أي من مناطق سيطرتكم لتقيموا عليهم الحجة والدليل ؟! .. هل يمكنكم أن تشرحوا لنا كيف وقعتم في هذا الخطأ ؟!)، ربما هو سؤال متروك ومؤجل ولكن سيطرح على الطاولة في يوم من ذات الايام.

 

امين حسن عمر

يزدحم المشهد الحالي بتضارب روايات الطرفين بتحميل الطرف الأخر مسؤولية الهجوم وإن كانت الصورة خلال اليوم الأحد باتت أكثر وضوحاً خاصة بعد نشر صحيفة (القوات المسلحة) الصادرة صباح اليوم خريطتين توضح تسلسل الأحداث التي دارت في منطقتي شرق وشمال دارفور، وقيام موقع المركز السوداني للخدمات الصحفية بنشر تلك الخرائط بموقعه الألكتروني نقلاً عن صحيفة (القوات المسلحة)، وما يزيد من أهمية هذه الواقعة هي صدمة المجتمع الدولي حيالها لكونها تمثل نكسة كبيرة لجهود ومساعي تحقيق السلام التي تنشط فيها الأطراف الدولية والإقليمية لأكثر من عام ونصف والتي كان اخرها إجتماعات برلين اواخر الاسبوع الماضي، وبالتالي فإن إحدى سيناريوهات ردود الفعل الوارد حدوثها تكوين آلية تحقيق لتحديد الطرف المبادر بالهجوم والمتسبب في تلك الإنتكاسة بغض النظر عن كيفية التوافق على تحقيق تلك الآلية سواء كانت عبر قرار من مجلس الامن الدولي أو مجلس السلم والامن الإفريقي بتفويض (يوناميد) بالتحقيق في هذا الأمر أو التوافق على تلك الآلية، مع ترجيح أن تتولي بعثة (اليوناميد) لإنتشارها على الأرض وسهولة وصولها لمناطق الإشتباكات بين الطرفين بجانب وجود تجربة تحقيق سابقة بقيام بعثة الاتحاد الإفريقي بالتحقيق في احداث الهجوم على حسكنيته التي وقعت في سبتمبر 2007م.

في تقديري أن هدف ذلك التحقيق –في حال تكوين لجنة للتحقيق حول تلك المعارك- سيرتكز بشكل أساسي لتحديد ميدان المعركة والمواقع التي اتخذها كل طرف من الاطراف أكانت دفاعية أم تم الإنتقال لوضع هجومي ؟ وهل الوضعية الهجومية كانت في ذات مسرح المعركة الاولي ام نقلت لتصبح شاملة ومنتشرة في اماكن اخري ؟ ولاي مقدار استوجبت المعطيات الدفاعية الانتقال للوضعية الهجومية بما يأمن ويعزز المطلوبات الدفاعية وليس التحول لوضع هجومي؟ .. هذه أسئلة عند الإجابة عليها سيتحدد بشكل واضح الطرف المبادر بالهجوم، وبالنسبة للموقف الحكومي الرسمي فإن الخرائط التي نُشرت قدمت إفاداتها التي سيصعب التراجع عنها، ويبقي الأكثر وضوحاً بأن تلك الخرائط أوضحت أن المبادر بالهجوم على تجمعات قوات حركة التحرير التي يقودها مني اركو مناوي كانت هي القوات الحكومية في ظل إفتقاد أي قرائن على الأرض بشروع تلك قوات مناوي في إتخاذ وضع هجومي فعلي تجاه المناطق الواقعة خارج سيطرتها، وبالتالي سيكون على الحكومة إثبات أن تلك القوات هاجمت فعلاً مواقع سيطرتها للخروج من هذا المأزق السياسي والدبلوماسي، أما خلاف ذلك وإظهارها كبمادر باللهجوم فإن التداعيات على الحكومة ستكون كبيرة ووخيمة وستمثل ضربة مؤلمة لمصداقيتها أمام المجتمع الدولي وستعيق جهودها المستمرة لأكثر من عامين مع المجتمع الدولي عموماً وإستكمال التطبيع مع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.

لكل ذلك فإن لاثر الأهم والأكثر تأثيراً لمعارك 20 مايو في حال ثبوت مبادرة الحكومة بالهجوم، مرتبط بالتأثير السلبي على تحركات ومسار التطبيع الحكومي مع الولايات المتحدة والاشتراطات بإعتباره إخلال بأحد الإشتراطات الخمسة الامريكية لرفع العقوبات الاقتصادية في يوليو القادم، ممثلة في الشرط الخاص بـ(إحلال السلام في السودان) إذ أن الإنزلاق لاتون الحرب مجدداً عبر مبادرة هجومية ينظر له بإعتباره عدم إلتزام بأحد الشروط الخمسة وهو لوحدة قد يكون كافياً -خاصة في حال إثبات أن القوات الحكومية هي المبادرة بالهجوم- لإعاقة صدور قرار رفع العقوبات الإقتصادية بشكل كامل ويبدو السيناريو الاقرب وقتها هو إبطأ هذا التقدم في هذا المسار، ريثما يتم أحداث إختراق في ملف (السلام) والذي سيؤدي لفك عقدة أحد الشروط الواردة ضمن الإشتراطات الخمسة والمتمثلة في قضية إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق التي تسيطر عليها الحركات المعارضة المسلحة خاصة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

 

أرشيفية

 

إستناداً لذلك فأعتقد أن السيناريو الأقرب للحدوث وقتها سيكون منح السودان العلامة الكاملة في الاشتراطات الثلاثة الأخري المتبقية (مواصلة الجهود في مكافحة الإرهاب، الإسهام في إحلال السلام بجنوب السودان والتوقف عن دعم جيش الرب)، وللحفاظ على وتيرة التقدم وبناء على نتيجة يتم رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مع إشتراط فترة إختبار إضافية لا تزيد عن ستة أشهر بغرض إستكمال الرفع الكامل للعقوبات بغرض تركيز الجهود خلالها لتحقيق السلام ومعالجة معضلة إدخال المساعدات الإنسانية.

لعل هذا السيناريو عند حدوثه يمكن الإدارة الامريكية من تحقيق أهداف مزدوجة بالمحافظة على وتيرة التقدم مع السودان برفع إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتحميل الحكومة مسؤولية إعاقة التنفيذ بسبب إقترافها لخطأ مع إبلاغ الاطراف الإقليمية المنخرطة في هذا الملف خاصة المملكة العربية السعودية والامارات بهذه الحيثيات ومطالبتها بالانخراط في مضمار الضغط على الحكومة السودانية في ملفي (السلام) و(المساعدات) بشكل أكبر بغرض تحقيق رفع العقوبات، وفي ذاتالوقت تخفف الإدارة الأمريكية في ذات الضغط الداخلي الذي تتعرض له من أطراف فاعلة داخل الولايات المتحدة الأمريكية جراء إرتفاع أصوات تطالب بعدم رفع العقوبات الإقتصادية بشكل كامل عن السودان في يوليو القادم، وتحتفظ بكرت ضغط في جيبها لتحفيز ودفع الحكومة السودانية لاحداث إختراقات في ملفي السلام الداخلي والمساعدات المرتبطين ببعضهما البعض.

دون إصدار أحكام إستباقية فمن المؤكد أن ما حدث بشرق وشمال دارفور في العشرين من مايو سيكون الاثر العسكري المرتبط بها هو الاقل، في ما سيتنامي تأثيرها الدبلوماسي والسياسي، ومن الواضح أن الطرف الذي سيتم تحميله مسؤولية التسبب في تلك الحوادث سيحتاج مستقبلاً لسداد كلفة باهظة لتجاوز هذا الخطاً، وسيكون وقتها اشبه بمدافع احد الفرق في مبارة كرة القدم أسكن عن طريق الخطأ الكرة في مرمي فريقه، ورغم أن الأهداف تجلب في الأساس السعادة وتسوجب الإحتفاء، إلا أن هذا النوع من الأهداف يعد من الفئة التي تجلب الشقاء والأحزان لمحرز الهدف في مرماه.

إذاً فكل ما علينا فعله هو متابعة المشاهد القادمة من فيلم (أحداث 20 مايو بشرق وشمال دارفور) على شاشات العرض الإقليمية والدولية خلال الأيام القادمات.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حتي لايتم تعليق الهجوم والمواجهه في شماعه الحكومه لماذا دخلت الحركات الي السودان من اساسه وفي هذاء الوقت الحساس وهو مقبل علي رفع العقوبات غير اعاقه هذه الخطوه اليست الحركه موقعه علي وقف اطلاق النار بفعلها خرقت هذاء الاتفاق اذا ليس علي الحكومه غير الرد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ